بينما تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، بمواقفه الداعية لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، دون مرجعيات لهذه المفاوضات، ودون وقف الاستيطان، ودون إقامة الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967، أخطأ الجانب الفلسطيني بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وبالتراجع عن مواقفه، من مواضيع الاستيطان والحدود والمرجعيات، هذه المواقف التي أقرتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأن لا عودة للمفاوضات دون الاستجابة لهذه المطالب، وليس العودة للمفاوضات من نقطة الصفر، رغم الضغوط التي مورست على الرئيس الفلسطيني، من قبل وزير الخارجية الأميركي "جون كيري"، الذي تقدم بورقة إلى الجانب الفلسطيني، تؤكد أن المفاوضات ستجري على أساس إقامة الدولة على حدود 1967، مع تبادل للأراضي على طرفي الحدود مع بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة، وإذا كانت هذه الورقة التي تشتمل على الحد من البناء الاستيطاني خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة، فإن القرار الإسرائيلي الأخير، ببناء (1200) وحدة سكنية، كان-وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية- بمعرفة "كيري"، وحسب جريدة "معاريف 11-8-2013"، فإن واشنطن متواطئة بموافقتها على بناء استيطاني محدود، وكأنه لا يكفي الاستيطان القائم، حيث وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة إلى نحو (700) ألف مستوطن، ويعلن غلاة المستوطنين المرة تلوى الأخرى بأن الهدف من عمليات البناء منع إقامة دولة فلسطينية، ووزير الإسكان الإسرائيلي "أوري أرئيل" يعلن صراحة بأن البناء الاستيطاني سيتواصل، "وليكن واضحاً- والقول للوزير المذكور- بأن هذه البداية فقط، وسنواصل البناء في "وطننا وأرضنا التاريخية".
وعودة إلى الوراء، ففي أعقاب انتفاضة الأقصى (2000)، أرسلت الولايات المتحدة عدداً من المبعوثين، منهم رئيس الـ (سي. آي. إيه)، في مهمة لوضع حد للانتفاضة، وقَبِل الفلسطينيون بالطروحات الأميركية، منها خارطة الطريق، إلا أن الجانب الإسرائيلي كان يحبط جميع الحلول، ولا يلتزم بالتهدئة، التي قَبِل بها الجانب الفلسطيني، وفي عام 2007 انعقد مؤتمر "أنابوليس" بحضور ممثلين عن دول عربية وأوروبية، وبحراك أميركي، فكان الموقف الفلسطيني عشية المؤتمر، يربط مشاركتهم بإصدار بيان إسرائيلي يتعلق بالدولة الفلسطينية وبحدودها، وبتجميد البناء الاستيطاني، واللاجئين، والقدس، والمياه إلى غير ذلك، كشرط لمشاركتهم في المؤتمر، إلا أن إسرائيل لم تصدر مثل هذا البيان، ومع ذلك انعقد المؤتمر بمشاركة فلسطينية، وكانت النتيجة صفراً، فالأخطاء الفلسطينية تتكرر، ففي المفاوضات التي جرت في عهد حكومة "ايهود اولمرت"-الذي هو أقل تطرفاً من "نتنياهو"- جرت المفاوضات مع استمرار البناء الاستيطاني، الذي أخذ منه "نتنياهو" ممسكاً، باستمرار البناء مع استمرار المفاوضات كما كان الحال في عهد "أولمرت"، وحسب جريدة "هآرتس 5-6-2013" في مقال لأسرة التحرير، جاء فيه بأن إسرائيل نجحت في التملص من جميع فرص السلام.
هناك سؤال: إن الإنجاز الوحيد من العودة إلى المفاوضات، كان الاتفاق على إطلاق (104) أسرى من الذين اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو، مع أنه كان هناك اتفاق سابق على إطلاق سراحهم، لكن إسرائيل تبتز الفلسطينيين، في التفاوض على نفس الموضوع أكثر من مرة، فهل الإفراج عن هؤلاء الأسرى سيكون مقابل البناء الاستيطاني، ولماذا أجلت إسرائيل الإفراج عنهم دفعة واحدة قبل استئناف المفاوضات؟ ولماذا انتزعت إسرائيل منهم تعهداً بعدم العودة إلى القيام بأعمال تعتبرها عدائية لها، لتعود لاعتقالهم لإكمال مدة محكوميتهم، كما فعلت مع عدد من المفرج عنهم في صفقة "شليط"؟ وإذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، أو التلويح الفلسطيني بوقفها، فإن إسرائيل ستوقف إطلاق أغلبية هؤلاء الأسرى، ومع أهمية إطلاق سراحهم، وإطلاق سراح جميع الأسرى، فإن هؤلاء المناضلين رغم صعوبة الأسر، أسروا من أجل فلسطين وليس من أجل مقايضتهم بالاستيطان والاحتلال.
وزير الخارجية "كيري" الذي شكل انطباعاً بأنه يعمل بجدية ويريد النجاح في مهمته، سبقه إسلافه في الخارجية: وورن كريستوفر، مادلين أولبرايت، كولن باول، كوندليزا رايس، هيلاري كلينتون، ومبعوثين أميركيون كبار حاولوا خلال الـ (20) سنة الماضية صنع السلام، لكنهم فشلوا، وقد يلتحق بهم "كيري" على قائمة الفشل، حتى أنه في عهد الرئيس "بيل كلينتون"، وفي عهد الرئيس "ياسر عرفات"، ورئيس الحكومة "ايهود باراك"، في كامب ديفيد (2) عام (2000)، أفشلت إسرائيل هذه المفاوضات بتمسكها بالسيادة الإسرائيلية تحت الأقصى، وعلى حارة اليهود، وحارة الأرمن، وكما هو معروف فإن تلك المفاوضات فشلت، بانهيار حكومة "باراك" والذهاب إلى انتخابات جديدة للكنيست، فـ "نتنياهو" يحاول إعطاء بعض التفاؤل في هذه المفاوضات، لامتصاص الغضب العالمي على السياسة الإسرائيلية المتعجرفة، وبخاصة من قبل المجموعة الأوروبية، فقد كشفت جريدة "يديعوت 14-8-2013"، أن وزير الخارجية "كيري" حذر "نتنياهو" بالتوصل إلى اتفاق سلام، أو أن إسرائيل ستواجه مقاطعة دولية متشددة، ونزع الشرعية عنها نتمنى أن يكون ذلك صحيحاً، لكن لدى "نتنياهو" الخطط وفن الخداع والمماطلة، للخروج من مأزقه الحالي.
وأخيراً .... فإن هذه المفاوضات إضاعة للوقت، وفشل معروف سلفاً، فقد أظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي "7-8-2013"، أن 80% من المستطلعين متشائمون إزاء التوصل إلى اتفاق سلام، مقابل 18% يعتقدون العكس، وفي استطلاع آخر، أفاد 73.5% أن فرص السلام متدنية جداً، ومن يعود لمراجعة الإستراتيجية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وموضوع الاستيطان، يرى ان عدد المستوطنين سيصل إلى أكثر من مليون مستوطن، وأنه حسب جريدة "هآرتس 29-4-1986"، فإن الإستراتيجية الإسرائيلية تقوم على أن فلسطين الكاملة، وما يطلقون عليه "بأرض إسرائيل التوراتية"، ملك للشعب اليهودي، بلا منازع، وأن حل الدولة الفلسطينية في الأردن، وأنه عندما فصلت بريطانيا شرقي الأردن عن ما يسمى "بأرض إسرائيل"، التي تعتبر إسرائيل الأردن جزءاً لا يتجزأ من أرض إسرائيل، ولها حقوق فيها، وبسبب حقائق سياسية حددت قبل (60) عاماً ستطالب إسرائيل بها ذات يوم، فهذه هي الإستراتيجية الإسرائيلية التي لم تتغير خلال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وأن السلام والمفاوضات خديعة، على الفلسطينيين البحث عن خيارات أخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت