ما أشبه اليوم بالبارحة، ولم نتفاجأ ابدا استئناف بالمفاوضات وما يليها من لقاءات التطبيع السياسي في اكثر من مكان في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة من ارهاب وتصعيد حاد لسياقات حرب مستعرة في المنطقة كلها وتحت مسميات مختلفة ، وما يتعرض له الطرف الفلسطيني من ضغوط للتخلي عن التوجه الى الهيئات والوكالات الدولية وايضا الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات والمتمثلة في وقف الاستيطان والاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لها، وما تسوده المفاوضات الدائرة من سرية .
إن ما تقوم به الادارة الامريكية ينصب على تأمين كيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة وتنصيبه شرطيا عليها، بالتزامن مع استغلال الوضع العربي المهلهل والمضطرب وحالة الفوضى، في وقت تتهيأ فيه الولايات المتحدة إلى الانسحاب من أفغانستان وضمان الهدوء أثناء عملية الانسحاب وتأمين المنطقة دون أي مظاهر مقلقة لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني .
امام كل ذلك نرى ما تشهده مصر من مواجهة حيث نرى ان الجيش المصري من جانبه يمارس اقصى درجات ضبط النفس، ويحتفظ بجوهره وتماسكه ويظهر صبراً وتأنياً يفوق كل وصف، هو الآن آخر جيش عربي كبير يحتفظ بوزنه وبقوته باعتباره أهم القوى العسكرية في المنطقة العربية. هو الآن آخر جيش عربي كبير يقف في صف واحد مع الشعب المصري والعربي متحدياً كل الأخطار المحدقة بهذا الشعب ومصالحه، بل مصائره في مواجهة الاخطار التي تفرضها الاحداث الاخيرة التي قلبت موازين المنطقة العربية منذ اكثر من سنتين رأساً على عقب. يبقى الجيش المصري القوة الوحيدة الباقية التي تستطيع ان تواجه هذه الأوضاع الخطرة التي وضعت المنطقة كلها في موقع الخطر.
ان ما تقوم به جماعة الاخوان المسلمين من اتصالات مع قوى ذات الوزن الضاغط على المنطقة ابتداء من تركيا التي اظهرت تحالفا مع "الاخوان المسلمين"، وتقف مع خطاياهم بحق الشعب المصري، وانتهاء بالولايات المتحدة الاميركية، وليس خافيا بأي حال ان اميركا تلعب الدور الاكبر في احداث المنطقة، وان اميركا التي لعبت الدور الاكبر في ليبيا وتلعب الدور نفسه في اليمن وتلعب الدور الاخطر الآن في سوريا، انما تريد ان تؤدي دورا موازيا ومماثلا في مصر، إن احدا لا يستطيع ان يغفل عن الوئام الى درجة التحالف الذي قام بين اميركا و"الاخوان المسلمين" منذ ان برز دورهم في حكم مصر. لم يخف "الاخوان المسلمون" علاقتهم بالولايات المتحدة حتى وهي تؤدي أخطر ادوارها في المنطقة العربية، ولم تخف اميركا علاقتها بـ"الاخوان المسلمين"وهم يصعدون الى السلطة وحتى وهم يتراجعون عنها في الاسابيع الاخيرة.
كانت الولايات المتحدة قد قطعت اشواطا بعيدة في تنفيذ مخططاتها في الشرق الاوسط، بمساعدة قوية، مالية وديبلوماسية وأحيانا عسكرية، من جانب حلفاء الولايات المتحدة المقربين في المنطقة، وخاصة السعودية وقطر والبحرين، وقفت سوريا عقبة عسكرية وسياسية في وجه الولايات المتحدة ومخططاتها، في حين وقفت باقي الدول العربية كلها تقريبا موقف المتفرج. وبينما كانت الولايات المتحدة تمهد لإخضاع مصر لمخططها الخطير ، حيث تتعرض لخطر السيناريو السوري بسبب تمسك "الاخوان المسلمين"بالسلطة، يبدو واضحا ان مصر هي في الظروف الراهنة اكثر مما في الظروف العادية البلد المحور الذي ترتكز على قدراته، العسكرية بشكل خاص، في مقاومة المخطط الاميركي الجديد في الشرق الاوسط.
ان المخطط الامريكي الاستعماري الهادف لإحراق المنطقة من خلال خطر ودعم الإرهاب التكفيري متعدد الجنسيات التي استقدمت إلى سوريا ويقوم بتشغيلها في العراق ولبنان هدفها الاساسي تدمير دول المنطقة وجيوشها ومجتمعاتها وهذا ما سعت اليه الادارة الامريكية منذ احتلال العراق لتعميم الفوضى الخلاقة وبناء الشرق الاوسط الجديد.
ومن هنا اتى التفجير الارهابي الكبير الذي حصل في الضاحية الجنوبية وما حصده من ارواح للأبرياء، حتى يراد منه تحقيق ما عجز عنه الكيان الصهيوني في عدوان تموز/2006، فالضاحية الجنوبية،هي معقل من معاقل المقاومة،وهي رمز ومثال لكل المقاومين العرب،هم يريدون تطويع الضاحية الجنوبية،ولكن هذه الضاحية،عصية على الكسر والتطويع، وان هذا الانفجار هدفه ضرب استقرار لبنان والسلم الأهلي فيه، لان القوى الاستعمارية من خلال قوى التكفير تريد جر لبنان الى مستنقع الحروب والفتن المذهبية والطائفية،لكي تصبح المبررات والذرائع امامهم سالكة لخلق سلاح فتنة مقابل سلاح المقاومة .
لهذا يبدو للكثير بأن إستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني أمر طبيعي ، وأن هذه من بركات كيري ، والذي سوق بأنه رجل مرحلة ، وحمامة سلام ، وهو يعطي حكومة الاحتلال مكاسب ميدانية على الأرض من خلال رفع وتيرة الاستيطان وتهويد القدس ، ولكن الهدف من العودة الى هذا المسار تحويل الرأي العام عما يجري في المنطقة .
ان رهانات كيري على المفاوضات وفي الشأن العربي ، ستصاب بالخيبة ، لان الشعب الفلسطيني وقواه وفصائله اكد على رفض هذا المسار العبثي ، وان الصمود والتحدي السوري اصبح عاصيا على الانكسار ، وها نحن نرى تهاوي عرش الاخوان المسلمين في مصر .
أن حل القضية الفلسطينية عبر مفاوضات سلام ستراوح مكانها ، لحين الوقوف على حسابات الحقل والبيدر في سوريا ومصر ، وأن صمود سوريا سيبعث بواقع قسري عربي جديد ، ومانراه اليوم من هرولة كيري وإدارته ، لبعث مفاوضات السلام ، لابد أن يعني لنا الكثير من المغازي وأن يحمل الكثير من الدلالات ، أكثر من أي وقت مضى .
ان العودة الى مسار المفاوضات هو ليس الوسيلة لتحقيق السلام، الهدف منها هو اعطاء الرأي العام والمجتمع الدولي بأن الادارة الامريكية نجحت باعادة العملية التفاوضية وليس المهم استمرار دورانها في حلقة مفرغة وتكريس سياسية الأمر الواقع بمزيد من الاستيطان والإجهاز النهائي على حلم الدولة الفلسطينية وتصفية الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، وكل ذلك يحدث فيما المفاوضات جارية على قدم وساق.
ان للمفاوضات انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي الفلسطيني، لانها تأتي في ظل اوضاع خطيرة تمر بها المنطقة ، وفي ظل انقسام فلسطيني ، ودون رسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال النضال بما فيها التوجه الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
ختاما : لا بد من القول في ظل هذه الاوضاع الخطيرة ان المطلوب من كافة الفصائل والقوى العمل من اجل استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني للضغط على طرفي الانقسام لترجمة اتفاق المصالحة إلى واقع على الأرض ، والعمل من اجل التمسك بخيار المقاومة واستكمال الذهاب للأمم المتحدة للانضمام الى الهيئات الدولية ، وبإرادة فلسطينية موحدة، وبوحدة وطنية منجزة. فالفعل السياسي الفلسطيني لا يعطي مفاعيله المطلوبة حال استمر الانقسام سائداً في البيت الداخلي الفلسطيني.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت