معبر رفح أزمة فلسطينية بامتياز ..!

بقلم: أكرم عطا الله


كما قدرها السيئ الذي اختاره أبناؤها، مرة أخرى يمتد أنبوب الحياة الاصطناعي لغزة في رحلة محاولات الإنعاش الطويلة، يفتح معبر رفح المغلق لأربع ساعات يومياً وبإجراءات متباطئة لا تكفي بالكاد لسفر المرضى لتظل الحياة أشبه بسجن يضم هذا العدد الهائل من الذين لا يعرفون موعد الإفراج وهذه معاناة امتدت لسنوات وآن الأوان لإنهائها وخاصة أن ذلك ممكن.
فقد أغلق معبر رفح أو للدقة أعلنت مصر إغلاق المعبر من جانبها عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة منذ أكثر من ست سنوات، وقد بررت مصر هذا الإغلاق بأن هناك اتفاقية وان مصر الدولة وهي طرف فيها، تحدد آلية السفر على المعابر وهي اتفاقية 2005 وأن السلطة الوطنية هي طرف في هذه الاتفاقية وقد قامت حركة حماس بإبعاد السلطة عن قطاع غزة وبالتالي وضعت الجميع بدءاً من مصر وانتهاء بالفلسطينيين أمام أزمة بات من الواضح أنها لن تنتهي إلا بعودة الأمور إلى سابق عهدها.
خلال السنوات الماضية ظل المعبر مغلقاً لكنه كان يفتح استثنائياً، وتفاقمت معاناة أهالي القطاع، السفر عبر طوابير طويلة، ساعات في الشمس، تسجيل لفترات متباعدة، قد يمتد الحجز لأشهر وأحياناً يغلق فجأة فتعطلت مصالح الكثير من زائرين وطلاب ورجال أعمال والأهم أن معاناة المرضى الذين لم يكن أمامهم سوى المستشفيات المصرية تضاعفت كثيراً.
منذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة بعد الاشتباك الدامي بينها وبين حركة فتح والذي انتهى إلى نتائج مأساوية كثيرة إحداها إغلاق معبر رفح والتسبب بهذه المعاناة الطويلة، حاولت حركة حماس طوال تلك السنوات فتح ملف المعبر والمطالبة بفتحه ولكن دون جدوى بالرغم من تغيير الأنظمة في مصر مبارك، المجلس العسكري والرئيس مرسي ثم النظام الجديد ولكن بدا أن مصر الدولة مصرة على فتحه بعد أن يتفق الفلسطينيون ويعود العمل بالمعبر وفقاً للاتفاق بالرغم من أن اتفاقية 2005 هي تنتقص من السيادة الفلسطينية ويطالب الفلسطينيون بفتحها ولكنها تبقى أفضل كثيراً من هذه المعاناة.
"حماس" لم توفر جهداً في المطالبة بحل الأزمة المتفاقمة التي كان لها الدور الرئيسي بالتسبب بها، لكن قصة "حماس" مع معبر رفح عندما تتوجه لمصر مطالبة بفتحه تشبه قصة ذلك الشريك التجاري الذي وقع وحده على شيك مشروط صرفه بتوقيع الشريكين واندهش لأن موظف البنك رفض الصرف مطالباً بالتوقيع الثاني لكنه ظل مصراً على أن يصرف الشيك كما هو مع انه مخالف للاتفاق مع البنك وآليات الصرف.
فالقصة ليست عند مصر ومصر تقوم بدور البنك وتنتظر أن يتفاهم الشريكان على الإجراءات لتتم المعاملة ولا يعنيها كثيراً خلافات الشركاء المهم أنه لا يجوز صرف شيك ممهور بتوقيع شريك غاضب، ونحن نصم آذاننا ونغلق عيوننا ونقف في نفس المكان لسنوات مع أن كل محاولاتنا فشلت على مدى أعوام طويلة لا نريد أن نرى الحقيقة وهي أن مصر لن تفتح المعبر دون الالتزام بالاتفاق ووجود الشريكين حتى لو ضربنا رأسنا بالحائط ولن يفيد استدرار عطف موظف البنك بأن عدم صرف الشيك دون الشريك يعني تجويع أولاده.
وللأسف كل شيكاتنا ممهورة بالدم والمعاناة، ورصيدنا الوطني شارف على الإفلاس بعد كل هذا الاستنزاف الطويل لأعصابنا ومعاناتنا وعواطفنا ومصالحنا، نحن ننتظر أن تفهم أطراف الانقسام دون أن نقسم أننا شعب وأننا مثلهم نأكل ونشرب ومثلهم تماماً لدينا أحلام ورغبات وعائلات ولنا أطفال يستحقون الحياة كأطفالهم ولدينا رغبة بالسفر مثلهم وعلى حسابنا وليس على حساب جولات الحوار السياحية والمزمنة لسنوات.
من حق الناس أن تسافر، ومن حق مرضى السرطان أن يكون لهم بقايا أمل يطحنه المرض، فالطوابير طويلة وفي الصيف المعاناة أكبر تنزع الكرامة الإنسانية لكل شيء والمضحك أننا نتحدث عن كرامة المواطن والتي تكفي زيارة لطابور في محطات الوقود لندرك حجم انفصال الشعار عن الواقع.
الشعوب تخوض تجاربها ومن حق الأنظمة السياسية أن تواصل محاولاتها لكن أن تستمر المحاولة لسبع سنوات وأن نكون فئران تجاربها فهذا يتوجب التوقف أمامه لا على نمط الاشتباك والإقصاء والتمرد والتهديد بالقمع بل بحوار هادئ نقول فيه لحركة حماس، أخذتم ما يكفي من الوقت وأنتم تجربون، وحدكم تفاهموا مع شرائكم، أنتم بحاجة لهم من أجلكم ومن أجل شعب أنتم قررتم أن تحكموه وحدكم.
دعوة السيد إسماعيل هنية للشراكة بعد كل هذه الاهتزازات في الإقليم تستحق النقاش، ولكن ليس على قاعدة إدارة غزة فالحديث عنها وحدها هو تكريس لسلخها عن الوطن فهي ليست دويلة ولا إمارة معزولة ولن تكون والتجربة أمامنا، وهي ليست كل الوطن ولم تعد جغرافيا الصراع مع الاحتلال بعد أن نجح بإخراجها، والصراع الحقيقي على الضفة الغربية والقدس.
ففي نهاية تسعينيات القرن الماضي كنت شاهداً على حدث عندما اكتشف الفلسطينيون أن إسرائيل تبني جامعة في إحدى مستوطنات قطاع غزة فهبت مجموعة من النشطاء لإغلاق الطريق أمام شاحنات الإسمنت، كانوا يتمددون في منتصف الشارع حتى لا يكون للشاحنات خيار سوى المرور على أجسادهم، نجحوا إلى حد ما بمنع مواصلة العمل، أرادت إسرائيل حل المسألة من خلال المفاوضات وقدمت السلطة حينها تنازلاً ومنعت مواصلة الاعتصام، وبعدها بسنوات التقيت السيد سالم دردونة الذي كان حينها ممثلاً عن الارتباط فقال، إن ضابط الارتباط الإسرائيلي قال له بالحرف، "أبلغ ياسر عرفات أن يسمح ببناء الجامعة فغزة سنخرج منها وستكون هذه الجامعة لكم .. أكسبوها هنا ولكن في الضفة سنقاتلكم على كل حجر" والجامعة الآن هي فرع لجامعة الأقصى في جنوب القطاع.
الآن في الضفة تقاتل إسرائيل على حجر وكل شبر أرض وكل شيء ونحن ملأنا الدنيا صراخاً على غزة ومشروع غزة وحصار غزة ومعبر غزة ومرضى غزة، نثرنا كل هذا الغبار وسحبنا كل الكاميرات لتسلط على غزة وكان الإسرائيلي يضرب ضربته في الضفة متخفياً خلف الغبار المنبعث من غزة، أما آن الأوان لإنهاء هذه الأزمة أم أن أطراف النظام السياسي صانعة الأزمة أعجز كثيراً من أن تقدم حلولاً لها، والحقيقة الثانية أن معظم أزماتنا هي من صنع فلسطيني وأولها أزمة معبر رفح، فهل نفهم؟؟

نقلا عن صحيفة/ الايام

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت