يبدو أن الإدارة الأمريكية قد اتخذت قرارا استراتيجيا منذ زمن آلا وهو عدم ترك أي رئيس أمريكي لكرسي الرئاسة قبل أن يجعل صبغة الحناء تغطي يديه ، والحناء هنا هي الدماء العربية الزكية ، نقول هذا بعد أن شهدنا ثلاث رؤساء أمريكيين هم على التوالي جورج بوش ، وبيل كلينتون ، وجورج بوش الابن ، قد قاموا بتلطيخ أيديهم بدماء أبناء العروبة في العراق ، وها هو الرئيس الرابع على التوالي الرئيس اوباما، يستعد لتلطيخ يديه بالدماء وهذه المرة في سوريا كما لطخها في السابق في ليبيا ، إذ باتت الضربة الأمريكية لسوريا وشيكة حسبما يطالعنا من أنباء من كل صوب ، ما يجعلنا نسأل أنفسنا لماذا ؟، وماذا يريدون ؟، ثم ماذا بعد ؟، وأين نحن ؟ اقصد العرب والمسلمون من هذا ، وهل هذا له علاقة في كل ما يجري على الأرض العربية ؟، أسئلة بديهية طرحناها وطرحها الكثير قبل ذلك ، بل وربما نعرف الإجابة ، ولكلنا نسوقها هذه الأيام ونحن نرى دولة عربية وشعب عربي هو جزء من المنظومة الحضارية والتاريخية العربية ، شعب تربطنا به روابط التاريخ والجغرافيا واللغة والدين ، شعب تؤلمنا جروحه ، وسنتألم كما يتألم إذا ما أصابه مكروه ، سوريا احد الأعمدة الصلبة للقومية العربية التي يسعى المستعمرون إلى تدميرها ، لأنهم خبروا جيدا بان العرب إذا ما هبوا ممتلكين أرادتهم فلن يستطيع احد على وجه الأرض الوقوف أمامهم ، هذا ما عرفنا من دروس التاريخ ولعل دحر العرب للصليبين الغزاة والمغول ، وقوى الاستعمار فيما بعد خير دليل على ذلك ، كان ذلك باتحادهم ولعل سوريا كانت احد العناصر الرئيسية في الوحدة العربية بمشاركة مصر ، ومصر هنا بيت القصيد .
والسؤال هنا لماذا ضرب سوريا في هذا التوقيت ، هل صحيح عقابا لها على استخدامها للسلاح الكيماوي ضد المدنيين العزل ، اعتقد انه ليس كذلك فقد اعتدنا من الغرب الكذب والتضليل وما حرب العراق عنا ببعيدة ، حيث اتضحت فيما بعد كذب وبطلان الأسباب التي دفعت الغرب لشن حرب عليها وتدمير الدولة العراقية ، وسوف يكتشف العالم فيما بعد كذب وبطلان أسباب ضرب سوريا .
إذن فلماذا سوريا الآن ، ولماذا هذه السرعة في اتخاذ القرارات حتى أن قرارات الضرب تأتي بعيدا عن مجلسهم مجلس الأمن الدولي الرخيص جدا خاصة إذا كان الأمر متعلق بالعرب ، اعتقد أن دواعي ضرب سوريا لها علاقة كبيرة بما يجري على ارض مصر ، لان مصر وسوريا هما أعمدة القومية العربية كما ذكرنا ، وبالتالي فإن الأمة العربية لن تكون لها قائمة بدون مصر وسوريا ، حيث لن ينفعها بترول ولا أموال .
لقد صدمت الدوائر الأمريكية بما يجري في مصر حيث أصبحت خططهم في المنطقة مهدد بالانقلاب رأس على عقب ، بعد أن بدأت روح وروائح القومية العربية تفوح من جديد بما يوحي إلى انبعاث جديد لهذه الأمة ، وبعد محاولات أمريكية سويعة ومواقف سياسية معلنة وزيارات متكررة لمصر عجزت عن إيقاف عجلة ثورة الشعب المصري ، فذهبت إلى الجزء الآخر من الأمة الجزء المنهك جراء حرب في عامها الثالث لكي تبحث عن مبررات التدخل العسكري الذي طال انتظاره لدى الكثيرين ، الذين لا ينظرون إلا تحت أقدامهم ، ووجدت أمريكا الفرصة في سبب لا استبعد انه سببا مفتعلا ، والسبب أنه لم يتم الجزم في صحة ما تردد .
وبالمناسبة هنا فإننا لسنا مع استبداد النظام السوري ، ولسنا مع سياسته القمعية ، بل نحن مع الشعب السوري في تحديد خياراته وحقه في العيش بحرية وكرامة ، ولكننا ضد هذه الأساليب والسياسات للتغيير ، انه تغيير حق يراد به باطل لماذا التغيير بالقوة ومن أطراف أجنبية ، لماذا لا بترك للشعب السوري حرية التغيير بأي طريقة كانت ، غير بتدمير الدولة السورية وتدمير مقدرات الشغب السوري ، وتفتيت الأراضي السورية خدمة لأجندات خاصة وحماية لأمن إسرائيل، هذا ما نرفضه .
نعود إلى علاقة هذه الضربة المنتظرة لسوريا بما يجري في مصر ، صحيح أن الإدارة الأمريكية أعلنت بان الضربة لا تستهدف تغيير نظام الأسد ، ولكن الضربة نراها تمهد الطريق لما يسمى بالمعارضة سهولة الوصول إلى دمشق بعد ضعضعة القدرات السورية الدفاعية والهجومية ، وبالتالي سرعة القضاء على نظام الأسد ، ومن ثم تنفيذ الخطط الخاصة بسوريا خلال فترة زمنية قد تطول أو تقصر حسب معطيات الظروف ، ولكن الواضح أن سوريا لن تنعم بالاستقرار والأمن بعد ذلك بسبب تنوع واختلاف التشكيلات العسكرية والعقائدية المنتشرة الآن في سوريا ، لكن المهم فإن انتهاء النظام السوري ربما سيكون سببا في رحيل الآلاف ممن وفدوا إلى سوريا من خارج حدودها للمشاركة في العمليات ضد النظام ، ليذهبوا إلى مكان آخر إلى مصر عبر نقلهم إلى الحدود المصرية الطويلة مع السودان ومع ليبيا وربما عبر البحر الأحمر والمتوسط ، مستغلين انهماك الجيش والشرطة المصرية في الأوضاع الداخلية الآن .
هذا ما نراه من أهداف للضربة الأمريكية المحتملة لسوريا على الرغم من مشاركة وتأييد ومباركة أطراف عربية هي من اشد الداعمين لمصر الآن أمر يدعو إلى الاستغراب وعلامات الاستفهام .
لذلك فإننا نرى بأنه من الضروري ألان على كل القوى العربية المحبة لعروبتها والمتمسكة بكرامتها خاصة القوى الفلسطينية، أن تعلن بصراحة ووضوح عن موقفها دون التستر وراء شعار عدم التدخل، نعم لا للتدخل في الشأن الداخلي لأي دولة عربية ، ولكن إذا تعرضت هذه الدولة وشعبها إلى عدوان خارجي فلا ، لان العدوان الخارجي على أي دولة عربية هو عدوان علينا ويقتضي منا الوقوف بكل ما نملك إلى جانب شعوبنا العربية لأنهم إخواننا في الدم والدين ، ولأننا نعاني من ظلم الاحتلال وجبروته ، فلا ترضاه لأشقائنا الذين وقفوا معنا دائما ، بل لن تكون لنا قائمة بدونهم .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
28/8/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت