تعيش المنطقة العربية أجواء خطيرة امام التهديدات الصهيوأمريكية لسوريا وفي ظل ظروف اوضاع معقده تشهدها الدول العربية وضغط امريكي لمواصلة المفاوضات ، حيث يستطيع المشاهد ما تريد فرضه الادارة الامريكية على المنطقة في ظل استمرار حكومة العدو الصهيوني ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وارضه ومقدساته، بينما الأساطيل والبوارج وحاملات الطائرات الغربية والأمريكية تحشد وتقترب من الشواطىء والسواحل السورية،والهدف هو ضرب سوريا من اجل تدمير جيشها وتقسيم جغرافيتها،تحت نفس الحجج والذرائع التي سيقت لقصف واحتلال العراق .
ان الولايات المتحدة الامريكية تدرك تماما ان عدوانها على سوريا سيحكمه ما يمكن أن يطلق عليه استراتيجيا مبدأ التدمير الشامل المتبادل، أي أن أي عدوان على سوريا سيستتبعه صدام شامل في المنطقة لن تنجو من تبعاته لا منطقة الخليج العربي ولا الكيان الصهيوني، وبالتالي سيضع تلك المنطقة على حافة صدام شامل عسكري، وسيضع العالم برمته على حافة الصدام العسكري والسياسي.
أمام ما تشهده المنطقة تواصل الادارة الامريكية الضغط على الجانب الفلسطيني للاستمرار في المفاوضات رغم جريمة قلنديا ، حيث تغطي الادارة الامريكية جرائم الاحتلال الصهيوني ، وأن تمرر كل مخططات حكومة الاحتلال العدوانية من خلال فرض وقائع جديدة على الأرض.
وفي ظل هذه الظروف تواصل مختلف الفصائل الفلسطينية مطالبة السلطة بوقف المفاوضات والعودة الى الاجماع الوطني والتمسك بالثوابت الفلسطينية، ورفض الضغوط والشروط ألاميركية، والعمل من اجل انهاء الانقسام والاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال في مواجهة الاحتلال والاستيطان، وتعزيز عوامل الصمود للشعب الفلسطيني .
في خضم التغيير الجماهيري الذي يجتاح الشواطىء العربية بمواجهة الثورة المضادة في تونس ومصر ، ولطي صفحة الذل والهوان والارتهان للأميركي ومن خلفه الإسرائيلي ، تأتي التهديدات الامريكية لسوريا ومعها بعض دول الغرب بحشد الرأي العام ، بعد تعطيل اي تسوية تستفيد منها سورية ولا سيما جنيف 2 .
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح في ضوء هذه المعطيات وبالنظر الى الاوضاع التي تعيشها المنطقة هو ما الدور الذي بإمكان العرب ان يلعبوه لصد هذه الهجمة التي تستهدف سوريا خاصة ان درس العراق ليس ببعيد ولا يزال عالقا في الاذهان.
انه بالنظر الى الغزو الامريكي للعراق والشرخ العميق الذي أحدثه احتلال هذا البلد في الخارطة الاستراتيجية العربية كما في مسار العلاقات الدولية فإن الضرورة تقتضي اليوم التفافاعربيا حول سوريا ودعمها بكافة الامكانات المتاحة مع عدم تركها عرضة لعدوان أمريكي (أيا كانت أشكاله) لأن ترك دمشق بمفردها في الواجهة سيفتح الطريق على مصراعيها امام أمريكا الانقضاض على الآخرين ذلك انه قد اتضح بالكاشف ان الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل لا يريد ان يكون هنالك دولة عربية قوية متماسكة ولها موقف مختلف ولو نسبيا مع الادارة الامريكية وانما ما يريد انه هو دولة عربية متماثلة مع ارادتهما (أمريكا واسرائيل) ومصالحهما الامر الذي من شأنه ان يؤدي في النهاية الى تحقيق السلام الاسرائيلي وتركيع دول المنطقة واحدة بواحدة حتى يتحقق بذلك حلم اسرائيل من الفرات الى النيل.
وبناء على ذلك فإنه في حال لم يتمكن العرب من اتقان اللغة في التعامل مع أمريكا واللعب على وتر الديبلوماسية لصد الضغوطات التي تتعرض لها سوريا فإن السيناريوهات ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات ، ونحن على ثقة بالشعب السوري الشقيق بتأريخه الوطني والقومي المشهود له والقادر على انقاذ سوريا من مصير مشابه للمصير العراقي او الليبي.
ان على الجميع ان يدرك أن الخطة الأمريكية-الصهيونية في الوطن العربي اليوم لا تتعلق فقط بتغيير الأنظمة، بل بتغيير الخرائط الجغرافية-السياسية، وتفكيك الدول، ومحو الهوية الحضارية للأرض لإفساح المجال أمام التشظي والهيمنة، وهذا يتطلب التمسك بخيار المقاومة في مواجهة الهجمة.
من هنا نرى ان المقاومة لم تعد في موقع الدفاع فقط بل تحولت إلى ضامن وطني، ومحرك أساس في عملية الاستنهاض، وما نراه من وقفة للشعوب العربية واحزابعا وقواها الوطنية والتقدمية والقومية الا دليل على تعميم المجابهة مع العدو، وقوة في التوازنات الجديدة الناشئة.
ومن هنا نرى عملية انهيار للمشروع الامريكي الذي حاول ركب موجة الثورات العربية من خلال ما يسمى بعض الاسلام السياسي ، حيث لمسنا ان بوصلة المسلم الحقيقي والمسيحي الحقيقي والعربي الحقيقي والقومي الحقيقي هي فلسطين والدفاع عن الارض العربية، وما يجري اليوم في مصر وتونس والبحرين من حراك شعبي يجب أن تصب في هذه البوصلة الإستراتيجية، لأنه لا يوجد عربي حقيقي الا اذ ارتبط بثقافته بالقضية المركزية للامة العربية فلسطين لانها القضية الرئيسية وهي جزءاً من الأرض العربية.
لقد تكشفت الاوراق منذ بداية ما سمي الربيع العربي بعد السطو على ارادة الشعوب وذلك من خلال تفكيك الهوية وأخذ الأمة إلى تقسيمات أشد خطراً من "سايكس بيكو"، وما الهدف من التهديدات الامريكية الاستعمارية بالحرب على سوريا والمنطقة الا تفكيك للبنية المجتمعية والثقافية والاقتصادية وتهشيم لمقومات الأمة من الداخل وأخذها باتجاه إقامة كيانات إقليمية أو قبلية ، مذهبية وطائفية.
ان المقاومة اليوم تخوض معركة الدفاع الكبرى الأخيرة عن الأمة وعن بقائها، وهي من أشرس المعارك وأعقدها وأخطرها على الإطلاق، لأن الغزو المباشر والحروب المباشرة في العادة تستدعي حس الخطر لدى الجميع و، وهذا يستدعي استنهاض الهمم والعزائم، وتحتاج إلى وعي مطلق يدرك طبيعة الخطر وطبيعة وهوية من يقف وراءه حتى تكون هناك قدرة على تشكيل مقاومة شعبية للمشروع الامريكي الصهيوني وادواته .
ختاما نقول ان العدوان ضد سوريا لن يكون محصوراً في المكان والزمان حيث ان الامريكي وحلفائه يلعبون الورقة الأخيرة قبل أن يعطي الأوامر لأدواته بالتوجه الى جنيف 2، فهم لم يعلموا جيدا ان هذا العدوان المعلن ضد منظومة المقاومة سيكون هزيمة لأميركا وإسرائيل والغرب الاستعماري وللرجعيين العرب ممهور بتوقيع سوري ونهضة عربية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت