ليس غريبا بأن تستمر دولة الإحتلال في تغولها علي حقوق الإنسان الفلسطيني وتتفنن في قمعه وإذلاله بكل ما أوتيت من قوة ، فتاريخ هذه الدولة حافل بالجرائم والانتهاكات بحق شعبنا من قتل وجرح واعتقال واستيطان وغيرها من الممارسات البشعة التي يندى لها الجبين وتقشعر منها الأبدان ، ولكن الغريب أن تتحول مثل هذه الممارسات إلي مشهد مألوف يجري التعاطي معه ببرود وقلة اكتراث خاصة فيما يتعلق بما يمارس ضد أسرانا البواسل القابعين في سجون الإحتلال من اجراءات قمعية وما يرتكب بحقهم من جرائم عنصرية تأتي نتاجا لخطط معدة سلفا للنيل من صمودهم وتستهدف في المقام الأول قتلهم بهدوء .
لقد وصلت دولة الإحتلال إلي درجة من الغطرسة والاستعلاء أصبحت معها لا تكترث بحياة أي من أسرانا البواسل ، خاصة أولئك الأبطال الذين يخوضون معركة الشرف والكرامة معركة الأمعاء الخاوية احتجاجا علي جملة السياسات التعسفية والعنصرية التي تستهدف حريتهم ورفضا لاعتقالهم دون وجه حق سواء من خلال الزج بهم إداريا إلي ما لا نهاية أو حتى إعادة اعتقال من حرر منهم في صفقات تبادل سابقة .
لا شك بان جرائم الاحتلال المرتكبة ضد أسرانا تهدف فيما تهدف إليه تحطيمهم وصهر وعيهم وسحق وطنيتهم وتحويلهم إلي مجرد أصفار هامشية وأثقال جامدة تؤرق من حولها وتشكل عبأ مزعجا يزعزع العمل المقاوم ويحرف بوصلة الصراع وجوهره عن التصدي للاحتلال ومخططاته التوسعية نحو استنفاذ الجهود والطاقات الوطنية للتعامل مع الآثار الكارثية الناجمة عن السياسات الاحتلالية الهادفة لقتل الروح وتحطيم البنية النفسية والفكرية لأسرانا البواسل كواحدة من أهم شرائح المجتمع الفلسطيني التي أخذت علي عاتقها التصدي لمشاريع الإحتلال التصفوية ومقاومته حتى الاندحار .
في خضم هذه المعطيات المؤلمة ومع تصاعد الحملات القمعية التي يتعرض لها الأسرى علي مدار الساعة تشتد معاناة المضربين منهم عن الطعام منذ أشهر عديدة وتتفاقم أوضاعهم الصحية بشكل خطير دون أن نلمس اهتماما بارزا أو موقفا ينتصر لجوعهم ويستجيب لصرخاتهم وآلامهم علي كافة الأصعدة المحلية أو الإقليمية والدولية ، بل أصبحت قضيتهم أشبه برواية تتوالي فصولها ويتبدل أبطالها وتتنوع مشاهدها ، رواية تمزج في ثناياها بين التشبث بالموت وعشق الحرية فتراها تثير العواطف وتلهب المشاعر دون أن تتطور ردود الأفعال إزاءها إلي التعاطي بواقعية وموضوعية مع هذه الملحمة المتواصلة وبمستوى ما يواجهه الأسرى المضربون من ألم متعاظم ومعاناة تفوق في حدودها كل التصورات .
نحاول دائما اللجوء إلي لغة التبرير ونسوق الأعذار والمعيقات التي تحول بيننا وبين التحرك الفاعل والجاد بما أمكن نصرة لأسرانا واستجابة لاستغاثاتهم وننسى في غمرة ذلك أننا بذلك نسهم في خذلانهم وهم من يراهنون علينا في إسنادهم ونجدتهم لإيمانهم باستحالة تخلي شعبهم عنهم في كل وقت وبصرف النظر عن طبيعة الظروف القائمة أو المعيقات التي تعترض طريقه ، كيف لا وأسرانا بعمومهم هم من ضحوا وناضلوا واستبسلوا دفاعا عن حقوق شعبهم وينتظرون في المقابل أن ينتفض هذا الشعب لانتشالهم من براثن جرحهم دفعا لفاتورة واستحقاق يبقى معلقا في رقاب كافة الأحرار والشرفاء من أبناء شعبنا تجاه من تجردوا من أناهم لأجلنا ووهبوا أعمارهم رخيصة علي مذبح الحرية المبتغاة .
"أسرانا" مع شهدائنا وجرحانا ومناضلونا هم صفوة الصفوة لهذه الأمة ووقود ثورة شعبنا الفلسطيني المقاوم المرابط الذي طالما تمرد علي الظلم بكافة صوره وتجلياته من احتلال وقمع وعدوان وإذلال ، وعليه فإن الالتفات إلي هذه الشرائح المناضلة ودعمها بالوسائل المادية والمعنوية وغيرها من أشكال المؤازرة والإسناد هو واجب وطني وديني وإنساني يقع علي عاتق كافة الذين يجاهرون بحبهم لهذا الوطن ويتشرفون بالانتماء إليه ، كما أن مد يد العون لهم ونصرتهم تأتي امتثالا للقيم الوطنية ولمعتقداتنا الدينية التي فرضت معادلة الجسد الواحد الذي إذا ما اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
لذلك فإن الأمة التي تدير ظهرها لمناضليها وتتخلي عنهم في محنتهم وأوقاتهم العصيبة هي أمة عاصية لا تستحق الحياة بحسب معطيات التاريخ وشواهد العصور ،لأنها إن فعلت ذلك فإنها تتنكر لذاتها ولمن حمل همومها علي أكتافهم فعشقوا الموت من أجلها وقدموا أرواحهم وحريتهم لقاء حريتها ونهضتها .
مطلوب منا كشعب فلسطيني بكافة فئاته وألوان طيفه أن نلتفت باهتمام إلي معاناة أسرانا وأن نعمل علي حمايتهم ونصرتهم ، مطلوب منا أن نكون عند حسن ظنهم فننفض غبار الاستكانة عنا ونشرع فورا في إعادة النظر في طبيعة تعاطينا مع هذه القضية العادلة ، مطلوب منا أن نطور أدواتنا ونقوم أدائنا ونوحد جهودنا علي الوجه الذي ينصفهم ويسهم في رفع الظلم الواقع عليهم وأضعف الإيمان بأن نضحي بوقت قليل وجهد أقل في فعاليات التضامن معهم ، بذلك فقط نصبح أمة جديرة بالحياة كشعب لا يتخلي عن مناضليه من شهداء وجرحى وأسرى .
الكاتب : أسامة الوحيدي مدير إعلام جمعية الأسرى والمحررين "حسام"
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت