الأمريكـان والاستطلاع بالضجيج العالي لمسرح العمليات

بقلم: حسني المشهور


باراك أوباما في كلمته حول الكيماوي في سوريا والسـيد جون كيري في مؤتمره الصحفي مساء الجمعة الماضي خرجوا علينا بمجموعة مـن الأقوال المـأثورة كشفت مرة أخرى عن الخطـايـا المؤكـدة للسياسـة الأمريكية تجاهنا في بلداننا نحن العـرب والمسلمين ... أقـوال سـمعنا مثلها تماماً عشية الغزو الأمريكي للعراق في عهد جورج بوش ووزير خارجيته كولن باول ... بفارق بسيط هو التبادل هذا التبادل في الألوان بين الرئيس ووزير الخارجية في العهدين المتتاليين للجمهوريين والديمقراطيين ... عهدين من التدمير والتخريب والتقتيل والفوضى فسمعنا منهم :
• الخطيئة الأولى : قـال السيد جون كيري أن بلاده كانت على عِـلـم بنوايا النظام السوري ، وأنها كانت تراقب التحضيرات التي يقوم بها لاستخدام السلاح الكيماوي قبل ثلاثة أيام من استخدامه ... فهل هناك خطيئة أكبر من خطيئة السكوت وعدم التصرف لمنع وقوع جريمة ، والإقدام على استخدام حجة السكوت على وقف قتل بعض السوريين بالكيماوي بإن يقوم الأمريكان بقتل المزيد منهم بصواريخ التوما هوك المشحونة باليورانيم المنضب ... هذا رغم توفر الوقت الكافي لديهم لمنع جريمة الكيماوي ؟ ، كأن يبلغوا النظام السوري مباشرة طالما أنهم لا يتحرجون من الاتصال المباشر به كما حدث عشية الترتيب لزيارة وفد الأمم المتحدة لزيارة مكان الجريمة الأحدث ، أو عبر الوسطاء كما يحدث غالباً بما يعلمون ويراقبون من استعدادات هذا النظام لاستخدام السلاح الكيماوي !!!
• الخطيئة الثانية : هذا الإصرار على عدم البوح بتفاصيل الأدلة الدامغة التي جمعوها بحجة الحفاظ على سرية المصادر ، والتي دفعتهم لمثل هذا الموقف الذي وصل ذروته بإثارة هـذا الكم من الرعـب ( شكراً لهم) بين المستوطنين الصهاينة باكثر ما أثاره من السخرية بين السوريين ... وكان مثار السخرية عندما اكتشف كل المراقبين بأن هذه الأدلة التي ساقها السيد جون كيري لم تكن سوى ما نشرته المواقع الإليكترونية للجماعات المسلحة وغيرها وبذات العلل المثيرة للشكوك بأكثر ما تبعث على اليقين !!!
• الخطيئة الثالثة : هو الاعتقاد بأن هذه الطريقة من الاستطلاع بالضجيج العالي لمسرح العمليات في سوريا وفي الشرق الأوسط ومستجدات موازين القوى فيه بعد السقوط المدوي لجماعة الإخوان في مصر ، وهي القوة التي راهن عليها الأمريكان كرديف لهم في ميزان القوى للعالم الجديد ، إنما هي طريقة مكشوفة وفيها ما يكفي من السـخرية دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعروف بقدرته الفائقة على توظيف السقطات الإعلامية للساسة الأمريكان في التعبير اللاذع عن المواقف للسياسية الروسية حول ذات الموقف ... فعندما يقول فلاديمير بوتين في العبارة الأخيرة من تعليقة على الموقف الأمريكي : [ إن أصدقائنا الأمريكان عندما يصرون على سرية أدلتهم فهذا يعني أنهم لا يحترمون شركائهم ] إنما يذكّرهم بميزان القوى العالمي الجديد على طريقة الأغنية الشعبية المصرية ( قوم إوقف وانت بتكلمني ) ، ويشعرهم بأن الهدف مكشوف وأن كل هذه الهوبرة ليست سوى استطلاع بالضجيج العالي لما يمكن أن يكون عليه الحال فيما لو أقدموا على المغامرة العسكرية بأنفسهم بعد الفشل الذي يلاحق حلفائهم !!!
وعليه فإن ما خلصت إليه كلمة السيد باراك أوباما إنما تؤكد أن السوريين والروس كانوا مدركين لأهداف هذا الاستطلاع ... وأن من قاموا بنصيحة الأمريكان بهذا النوع من الاستطلاع إنما وضعوا الإدارة الأمريكية في ورطة يتطابق وصفها مع المثل الشعبي : أجوا تايكحلوها أعموها ... لإن إقدام الأمريكان على هذه الخطوة من إعلان للنوايا ، وتوتير للأجواء ثم التراجع بهذه الطريقة زاد من تراكم الإحباط بين حلفائهم من جهة ... ومن جهة أخرى غالباً ما سيندفع الروس إلى الإسراع في استكمال التوريد والتنصيب لمنظومة الدفاع الجوي سكاندإير وغيرها على الأرض السورية إن لم يكونوا قد استكملوها فعلاً ... وعليه فإن النتيجة ستكون واحدة سواء قاموا بضربة محدودة أو أوسع قليلاً ... فشل أو نصف فشل ، ولكن لا نجـاح !!!
أما الفلسطينييون فلا يعتقد عاقل بإنهم غائبن عمّـا يجري ... ولا يعتقد عاقل أنهم غافلين عن حقيقة النوايا الأمريكية وراء الإصرار الأمريكي في هذا التوقيت على استمرار اللقاءات الجارية بين الفلسطينيين وقادة الكيان الصهيوني ... ولا يعتقد عاقل بأنهم سيختاروا بأن يكون مكانهم في أي يوم خلف باراك أوباما أمام الروس والصينيين ، خصوصاً أنهم أجادوا مراكمة الإنجازات أيام تعددية الأقطاب ... فقط بقي أن يعتقد من يرى في نفسه بأنه ما زال من إخوتنا في حماس بأن اللحظة مواتية لخروجهم من منزلق لهاوية يتدحرحون إليها إن استمروا على هذا التمسك بالمواقف المجنونة لجماعة الإخوان فيخرجوا من هذه الجماعة المجنونة إلى جماعة الوطن !!!
وربّ ضـارة نافعـة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت