سمعت حكاية بل اعتبرتها طرفة واقعية من طرائف سوء فهم اللهجات ،وتحليل الانسان الخاطيء عند الحوار فهذه امرأة سورية نزحت الى ليبيا كأقرانها الذين لاذوا بالفرار هربا من الويلات والتنكيلات والقمع والفتل والاغتصاب من نظام الأسد ،وكانت تجلس هذه المراة في أحد الأسواق بمدينة طرابلس ،وتحمل رضيعها الصغير بين أحضانها ،وكا...ن ذاك الرضيع يصرخ بصوت عال ،على ما يبدو من شدة الجوع الذي يعتصر الملايين أمثاله في أرجاء المعمورة ،وعلى مقربة من تلك المراة قنينة حليب "رضاعة"..وعلى عجالة اقتربت منها سيدة ليبية ،فقالت بغضب وازدراء شديد اعطته الشيشة ..اعطته الشيشة هكذا كررتها مرتان ..!!
تعجبت تلك المرأة السورية ،ونظرت اليها ولم ترد قائلة في قرارة نفسها وبصوت مهموس : شيشة ..!! أكيد هذه معتوهة ،كيف.. أأبحث لصغيري هذا الطفل البريء عن شيشة حتى اقتله وهل يوجد في العالم بأسره طفل يستطيع شرب النارجيلة ..؟!!
هكذا هي فهمت وترجمت كلمة شيشة ولم تكن تدرك أن الشيشة في اللهجة الليبية هي تعني قنينة الحليب ذاتها ،وبمعناها العام تعني زجاجة ..!!حقيقة أن الشيء بالشيء يذكر ..تذكرت أثناء متابعتي لدروس علم أحكام التجويد للدكتور الفاضل أطال الله في عمره د/ أيمن سويد حيث قال في أحد حلقاته معلقا عن آثار سوء فهم اختلاف اللهجات حيث روى ان صديفا له بالسعودية كان يعمل مهندسا بأحد الشركات هناك ،وهو أساسا من بلاد الشام قدم للعمل هناك وقد طُلب من ذاك الصديق أن يستقبل وفدا من الخبراء وذلك بمطار الرياض ،وفي صالة الانتظار ،أخذ يتطلع يمنيا ،ويسارا ،ويخطو للأمام وللخلف ،وقد بدت عليه علامات الإرباك والحيرة ،حتي يلمحهم مما الفت انتباه رجال رجال الأمن بالمطار فسأله أحدهم ،وما شأنك اجدك مضطرب ..هل من شيء يمكن ان أساعدك ؟! فرد عليه بعفوية :شكرا بارك الله فيك فقط انتظر الطليان ..فتطلع اليه رجل الأمن وقال له بكل استغراب : الطليان ..!! قال له نعم ..لأن معهم حقائب وأود ان أساعدهم ..حينها ازدادت غرابة رجل الأمن حيث قال وأيضا معهم حقائب؟!! قالها وهو يضحك فقال له ذاك الصديق نعم ..نعم طبعا هو لم يعلم بعد ان الطليان باللهجة السعودية تعني "الخراف" جمع خروف ،بينما في اللهجة الشامية وعلى وجه التحديد اللهجة السورية فتعني معنى مخالفا تماما فهي تعني "الخبراء "!! فكيف يمكن للخراف ان تأتي صالة الوصول او تطأ حوافرها ارض المطار ،والأشد غرابة هو كيف يمكن للخراف ان تحمل حقائب ..!! هذا ما توهمه رجل الأمن السعودي ،حين سمعت تلك الحكاية،ارتسمت على شفتاي ابتسامة عريضة ،حيث لاحت بذاكرتي موقف من المواقف التي استحضرتها الذاكرة بسرعة حين ،كنت طالبا أدرس بالكلية البحرية باليمن ،حيث قال أحد الطلاب الأقدم في طابور الداخلية المسائي اليومي، والذي كان مقررا علينا طيلة فترة الاستجداد حيث قال في أحد كلماته الشديدة اللهجة كلمة "ماشي " فقلت في نفسي رائع والله ،،سننصرف الآن لنخلد للنوم والراحة بعد العناء ،ولكني اكتشفت فيما بعد ان "ماشي" في اللهجة اليمنية معناها الرفض ،بينما في مصر،والتي عشت على ضفاف نهرها العظيم سنوات طوال ، وبعض البلدان العربية تعني كلمة ماشي "الموافقة بالرأي " ..فكم من لهجات قد اختلفت تفاسير كلماتها فأدت الى القتل ،أو جلب المشاكل ،أو الاستهجان المزدوج بين المتحاورين بين هم غرباء ،وبين أهل البلاد ..حقا من تعلم لغة قوم لا يأمن فقط شرورهم بل يضيف لرصيد حياته ،وثقافته ..فكر وحضارة ووعي الآخرين لذلك فقد تعلمت عند السفر ان اتعرف على بعض اللهجات ،حتى اتجنب كثيرا من المضايقات ،وتسهيلا للأحوال الحياتية هناك .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت