قبل ثمانية أشهر كان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحتفل بالصمود الذي تحقق بعد العدوان الأخير على غزة الذي تحكمه حركته السياسية التي تشكل القوة الأبرز في المقاومة والتي وصلت صواريخها إلى تل أبيب والقدس ،لم تكن تلك الصواريخ هي مصدر النشوة في خطاب الحركة بقدر ما كانت ظروف الإقليم تتغير لصالح مشروعه السياسي الأيدلوجي عكسه الضيوف الحاضرين لمهرجان انطلاقة الحركة الرابعة والعشرين من كثير من أقطار العالم الإسلامي حيث بدا كاحتفال جماهيري دولي و ظهرت خلاله الحركة في ذروة تألقها ،كانت دلالات المشهد حين خرج القائدان الشابان زعيما الحركة من إحدى بوابات القدس وسط تصفيق حار من الحضور يعكس واقعا بدا كأن الحركة هندست سياستها بنجاح باهر .
كانت قلاع الحصار السياسي الذي فرض على الحركة منذ أن قررت دخول عالم السياسة في عواصم الإقليم تنهار واحدة تلو الأخرى وتقع مثل تفاحة نيوتن في حجرها وأهمها القاهرة صانعة السياسة وابنة التاريخ وسيدة الجغرافيا المستبدة على حدود غزة ، كانت الحركة تحتفل بعد عدوان وضعها بقوة على خارطة الإقليم حين تزاحمت مستويات رسمية على الحجيج إلى غزة أثناء العدوان من تونس ومصر وتركيا والسودان وغير ذلك من وفود شعبية وقوافل من المتضامنين والزوار وقبلها أمير قطر وزوجته وبعدها الشيخ يوسف القرضاوي الذين كانوا يتوجون حركة حماس كرقم يصعب تجاوزه .
ما بين تلك الصورة وحالة الشعور باليتم التي تعيشها الحركة الاّن بعد زلزال القاهرة كأن عقود الزمن تغيرت فحجم الأحداث والتغيرات أكبر كثيرا بمقاييس التاريخ من أن تضمه ستة أشهر وما بين إحساس النشوة والشعور باليتم ما هو بحاجة إلى نقاش كبير فإحساس النشوة يعكس صحة الخيارات ودقة المسار أما شعور اليتم يعني فشل الخيارات وقصر النظر أم أن المسألة هي محاولة صاعدة فرملتها صدفة التاريخ ؟
السياسة كائن متحرك والتحالفات متغيرة ارتباطا بالمصالح وهنا أزمة حماس التنظيم الذي تأسس على بنية جمود الأيدلوجيا ارتباطا بالمبادئ لذا كانت التحالفات ثابتة بثبات تلك المبادئ وحين تغيرت للغة المصالح كان هناك تساؤلات لم يدرك مطلقوها أن الحركة الآن تتلمس طريقا جديدة ولكن ما تتطلبه رشاقة السياسة لا يقبله تثاقل الأيدلوجيا .
وما بين محور الثوابت ومحور المصالح ....محور الممانعة ومحور الاعتدال كان الارتباك الداخلي أكثر وضوحا حين تسبب بتأخير انتخابات الحركة لرئاسة مكتبها السياسي ، فما بين محور تشكل دمشق قلبه النابض ولكنها آخذة بالأفول حسب ما بدا قبل أقل من عامين ،ومحور الاعتدال الاّخذ بالشروق على ضفاف النيل والبوسفور والدوحة كان لا بد للسياسة أن تفعل فعلها بالانتقال الرشيق الذي كانت تشده أحيانا وطأة الأيدلوجيا .
من حق حماس أن تسبح في بحر الإقليم الهائج من حقها أن تمارس تجربتها في لعبة المحاور كجزء مهم من أوراق القوة والاستقواء سواء على خصوم الداخل أو على أعداء الخارج من حقها أن تدق أعمدة خيامها أينما ترى أن هناك متسع من العمل والحركة وأن تجدف بقاربها الجديد كيفما تريد ولكن يبقى الحكم في ذلك هو سؤال المصلحة الوطنية باعتبارها حركة تشكل جزء من المشروع الوطني فهل كانت التنقلات ارتباطا بمشروع التحرير أم ارتباطا بشيء آخر ؟ هذا هو السؤال الهام ، والأمر الثاني حين يكتشف أن التجديف كان عكس الأمواج هنا يستدعي إلقاء السؤال الكبير حول صناعة السياسة لدى الحركة هل هي مدروسة أم مغامرة ؟ هل مرتبطة بالعمل الفلسطيني أم بحركة تنقل الأخوان المسلمين التي تعتبر حماس فرعها الفلسطيني وهو سؤال أكبر وأهم حول هوية الحركة ومدى ارتباط سياستها بمصالح الأخوان المسلمين والتي تتعارض أحيانا مع مصلحة الفلسطينيين وهل هذا يعود للارتباط التنظيمي وهيكلة المرجعيات دينيا ومن ثم سياسيا ؟وهل هذا الارتباط لا يسمح للحركة الفلسطينية الا أن تحمل موقف ومصالح وسياسة الأخوان أم أن نظام حركة الأخوان المسلمين يسمح باستقلال سياسي لكل إقليم وأن المسألة تعود لحداثة التجربة السياسية والتي تجعلها باستمرار بحاجة للاستناد لقوى أو دول ذات خبرة متراكمة في العمل السياسي ؟
في أواخر شهر رمضان أقيمت وليمتي إفطار الأولى بدعوة من حزب الله والثانية في بيت السفير الإيراني دعى خلالهما ممثل حركة حماس على بركة كان قد فهم ضمنا بأن ذلك المحور بعد زلزال القاهرة يحاول استعادة حركة حماس بعدما بدا أن الحركة خرجت من ذلك المحور وكانت إشارة الخروج ذلك البيان الذي نشرته الحركة مطالبة حزب الله بسحب قواته من سوريا وهي إشارة يفهم منها الدعوة لإعطاء المسلحين الذين يقاتلون النظام السوري الفرصة لإسقاط الأسد حليف إيران حزب الله بعد موقفها الواضح من دعم ما أطلق عليه السيد إسماعيل هنية بالثورة السورية في خطبته من الأزهر بالقاهرة وكان الواضح أن حركة حماس تعلن الطلاق مع ذلك المحور .
لم يكن مصادفة مغادرة حماس لدمشق التي ساهمت بتمكينها إلى الحد الذي أصبحت تشكل فيه القوة الرئيسية في النظام السياسي الفلسطيني ولكن الانسحاب من سوريا كان مترافقا مع تقدم حركة الأخوان المسلمين في القاهرة وفي حضرة التنظيم الأم الذي بدا أنه في طريقه لحكم القاهرة لا ضرورة لتحالفات أخرى وخاصة مع نزعة بدأت تستعر في الإقليم تغذيها أطراف معادية تتربص بالمحور الإيراني وهي نزعة الصراع المذهبي بين سنة وشيعة كانت الحركة تغير أشرعة سفينتها من دجلة إلى النيل .
ومن محور الممانعة التي يشكل ندا لإسرائيل إلى محور الاعتدال الذي يقيم علاقات مع إسرائيل ، مصر ، تركيا ، قطر ، فالانتقال كان يطرح أسئلة كبيرة حول مسار حركة حماس وهل يمكن استكمال مشروع المقاومة من قطر وهل يمكن للقاهرة التي تربطها علاقات مع تل أبيب أن تشكل سندا للمقاومة في ظل الأخوان المسلمين الذين أعلنوا التزامهم بتلك الاتفاقيات وأرسل الرئيس مرسي سفيره حاملا رسالة للرئيس الإسرائيلي كانت نصوصها مدعاة للسخرية الإعلامية في القاهرة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي .
بدا أن حركة حماس تقدم تنازلات تكتيكية باقترابها من هذا المحور بانتظار انجازات استراتيجية على نمط القول بحاجة إلى وقت حتى تستقر القاهرة وتتمكن حركة الأخوان من السيطرة على الدولة وبعدها لكل حادث حديث وإن كان الاختبار الأكبر لحركة الاخوان في عدوان نوفمبر الماضي الذي لم يكن خلاله دور الاخوان المسلمين أكثر من دور النظام السابق كوسيط بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ، بل شكلت المقاومة بدورها حرجا كبيرا لزعامة الاخوان كانوا بحاجة إلى إسكاته لهذا كانت اتفاقية التهدئة بين المقاومة وإسرائيل مختلفة هذه المرة . عواصم الاقليم كانت الى حد قريب تفرش البساط الأحمر أمام قادة حركة حماس وهي عواصم كبرى يشكل الارتكاز عليها عنصر قوة هائل في الداخل الفلسطيني القاهرة رائدة وقائدة الإقليم والجامعة العربية ، تركيا الدولة القوية إحدى أكبر ثلاث قوى تتنازع النفوذ في الاقليم وقطر دولة المال والإعلام ولكن الثالث من تموز وجه ضربة كبرى لحركة حماس من ثلاثة جوانب :
الأول : هو إعلان إنهاء حكم وتجربة حركة الأخوان المسلمين وهذه تفتح أسئلتها الكبرى حول مدى أهليتهم وبالتالي تنعكس الأسئلة على حركة حماس .
الثاني : أن حركة الأخوان هي الأب الحقيقي لحركة حماس وبالتالي دخلت في حالة من اليتم .
الثالث : استبداد الجغرافيا القوى باعتبار أن الممر الوحيد لحركة حماس على الخارج هو عبر القاهرة وبالتالي عادت حماس إلى عزلة أكبر من تلك التي كانت أيام الرئيس مبارك حين كان يسمح لها بالمرور لكن الآن نشأ نظام معادي لحماس يعتبرها مناصرة لخصمه الرئيس وجزء منه ويتعامل معها كذلك ....فهل أخطأت حركة حماس بمناورات نقل تحالفاتها الواقع يقول نعم ؟ ولكن هل بسبب غياب حكمه السياسة حداثة التجربة أم أن سلاسل الأيدلوجيا جرت حماس إلى هذه الزاوية ويبدو أن الاثنين معا ..!
أكرم عطا الله مجلة الطريق العدد68
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت