مع احترامي الشديد لكل من تصور أو سلم بالقول ،في قضية التهديد والوعيد الأمريكي والمخاوف الناجمة عن ضرب سوريا ،وسواء أكانوا أولئك من المثقفين والساسة أو من الخبراء والمحللين العسكريين ، أو العوام إلا أني أقول لهم برغم أني لست محللا سياسيا ، ولا فيلسوفا ،ولكني برؤيتي المتواضعة ،وبدون أدنى تكلف إذا تخيلنا أن السودان بدون أدنى انتقاص من شأنها ،أنها سوف تضرب أمريكا في عقر دارها ،فعندئذ يمكنا فقط التسليم بضرب الأمريكان لسوريا أو شن أي عدوان عليها ..!!،فالحرب إذا كانت وكما تعلمنا من تاريخ الحروب بأنها خدعة ،ففي خفايا السياسة البغيضة ألف خدعة ،وخدعة ..فالحال أشبه بالتهديدات المزعومة مثلما يحذر اليوم رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل قد تتدخل عسكريا قبل الولايات المتحدة ضد البرنامج النووي الإيراني ،ولكن هل توقف المفاعل النووي الإيراني لعمل مفاعل البلوتونيوم،أو هل من الممكن أن يتوقف..؟! طبعا الرد المنطقي هو لا.. لم ،ولن يتوقف المفاعل عن العمل فالقطار قد غادر المحطة ،والقطة التي من المفروض أن يذبحها العريس قبل دخوله في ليلة الزفاف قد أمسكت سكينا بمخالبها ،لتطعن كل من يجروء المساس بها ،فكم من تهديدات أمريكية وإسرائيلية وكم من تهديدات دولية بضرب إيران لكن تلك القرارات الكاذبة سرعان ما تتبخر كما تتبخر فطيرات المياه من إبريق الشاي الساخن ،بل تتبخر بسرعة كل تلك الوشايات كما يتبخر الكحول أوالبنزين، فهل يعقل أن تُضرب سوريا لأن نظامها الفاشي قد قتل المئات من الأبرياء بالسلاح الكيماوي المحرم دوليا؟!! ،وهل هذا الحراك الأمريكي الوهمي يعني أن أمريكا هي حامية الديار ،وصائنة الأعراض لما تحمله من شفقة ورحمة بالإنسان ،والإنسانية ؟!!
إذا هي مغازلة سياسية ففي السياسة يا أحبائي يمكنا التوقع بكل شيء وعلينا أن نصدق في عالم السياسة إذا قيل لنا .. أن النملة قد أطاحت بفيل ،وأن الحمل الوديع قد افترس الذئب ،وأن الأسماك تعيش فوق قمم الجبال ..وأن الفئران قد انتهكت أعراض الأبقار ..!!
إن تلك المغازلة تذكرني عندما تتم التوصية على أحد الطلاب في الكليات العسكرية ، لايقصد بها زيادة حصة الطالب من العقاب بل على النقيض من ذلك لكن لمن كانت له التجربة في هذا المضمار يدرك جيدا مدى خطورة التوصية والتي قد تتسبب في أغلب الأحيان في لجوء الطالب للفرار بلا رجعة،من فوق أسوار الكلية ..!!
ولذلك لا تتعجبوا يا أحبائي ،وإن كان قولي هذا ليس بجديد ،ولا هو بابتكار وإنما من خلال قراءتي وتأملي لأحداث التاريخ أقول لكم لا تنبهروا إذا قلت لكم أن هناك علاقة حميمة ودبلوماسية مرموقة فائقة الانسجام بين إسرائيل وإيران من جانب ،وبين أمريكا وإيران من الجانب الآخر ..!!،يعني ذلك رياضيا أن إيران صديق مُشترك لكلا الدولتين ،وإلا ماذا يمكن أن نسمي وبعد فوز ريجان في انتخابات الرئاسة، تم التوصل في مطلع عام 1981 لاتفاق في لندن، أفرجت إيران بموجبه عن الرهائن الأمريكيين، واستمرت الولايات المتحدة في تزويد الجيش الإيراني بالسلاح وقطع الغيار والعتاد، وتولى تنظيم شحنات الأسلحة الكولونيل دومكان من الأركان العامة الإيرانية والكولونيل ياكوس مارفيدي من جهاز الموساد "الإسرائيلي"، علماً بأن الأخير لعب دوره كمالك لشركة خاصة تشتري السلاح الأمريكي في السوق السوداء..،وماذا يمكن أن نستنبط أنه ،وفي آذار - نيسان 1981، نقلت الطائرات من "إسرائيل" إلى إيران قطع غيار طائرات "اف-14" المقاتلة ومعدات عسكرية أخرى. وعبر "إسرائيل"، اشترت إيران في عام 1983 صواريخ أرض-أرض من طراز "لاتس"، علاوة على مدفعية بقيمة إجمالية بلغت 135 مليون دولار..وماذا يمكن أن نحلل أنه ،وفي تموز 1983 توجهت مجموعة من الخبراء التابعين لشركة "لوكهيد" إلى إيران بجوازات سفر إنجليزية لتصليح أجهزة الملاحة وأجزاء إلكترونية أخرى في الطائرات العسكرية الأمريكية..وماذا يمكن أن نفسر بتدريب خبراء إسرائيليين لرجال أعمال إيرانيين لوضع أيدلوجية اقتصادية تهتم بالتجارة الإيرانية ،وإرساء دعائمها ..!!
وماذا يمكن أن نسمي عندما كانت الحكومة الإيرانية تواجه، بعد اندلاع الثورة الإسلامية عجزاً حاداً في الأسلحة وقطع الغيار والإمدادات العسكرية التي تستطيع بوساطتها أن تحد من انتفاضة الأكراد الإيرانيين، وتخوض الحرب مع العراق التي بدأت في أيلول 1980. وكان الجيش الإيراني في تلك الفترة يعتمد بشكل أساسي على الأسلحة الغربية ،وكانت جميع طائرات سلاح الجو الإيراني أمريكية..!!
باختصار غاية في البساطة أن سوريا لن تضرب ليس لأنها دولة غير نفطية.. أو لأنها ارتكبت جريمة بحقوق الإنسان.. أو أن سوريا إذا ضُربت هناك مخاوف من ضرب إيران لإسرائيل أو لأنها أي سوريا من حلفاؤها المقربين روسيا .. أو أن هناك مخاوف من اندلاع حرب عالمية ثالثة تحرق الأخضر واليابس ..أو أن هناك تخوفا أمريكيا من تكرار تجربة العقدة الفيتنامية !! ،وإنما من منظوري الخاص الغير ملزم دائما انه لطالما أن إيران حليف رئيسي لسوريا ،وحزب اللات ،وبما أن العلاقة الإيرانية الإسرائيلية والإيرانية الأمريكية هي علاقة مصالح خاصة مشتركة إذا لن تضرب إيران ،ولن تضرب سوريا ،وأن ما يحدث حولنا ،وما تتناقله الأخبار هي وشاية ووهم وأكذوبة كبرى ..!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت