" مصر أمل الأمة العربية الدائم "

بقلم: محمد علي الحلبي


حقيقة باتت تُظهرها،وتؤكدها يوماً إثر يوم الانفعالات أولا ً،ومن ثم العقلانية المرافقة للأحداث الجارية وفق طبيعتها على الساحة العربية معبرّة وبجلاء ووضوح عن الانتماء القومي للإنسان العربي تشده إليها فتموج مشاعره بحدّة بين السعادة والألم،وتنطلق من مكامن عقله التحاليل والبحث عن الحلول لأزمة لامست حياة أهله وأشقائه في قُطر آخر.


ظاهرة ليست جديدة....هي قديمة قدم تطور وسائل الإعلام وسرعة وصول الأخبار،بل لا نبالغ إن قلنا أنها اقدم لأنها تعبّر عن وحدة الماضي،والمصير،والمستقبل،والحكايات والقصص المعبّرة عن النخوة وإغاثة الملهوف عامرة بها كتب التاريخ،وحتى شتى أنواع الكتب القديمة ففيها روائع الكلم سواء على مستوى الحديث عن الفرد، أو عن المجموع.....جميعنا ينتشي حين نذكر صرخة المرأة الهاشمية المستغيثة بالخليفة العباسي المعتصم عام 223م وهي تُسحل إلى السجن في مدينة عمورية صائحة "وا معتصماه " ، وقد نقل أعرابي نداءها للخليفة،فوجّه رسالة فورية إلى أمير عمورية قائلا ً:"من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي" فلم يستجب له، فغزا المعتصم عمورية ورمى حصونها بالمنجنيق،فاستسلمت،ودخلها الجيش ، وأحضرت المرأة له،فقالت:"أعز الله أمير المؤمنين فحسبي من المجد أنك ثأرت لي،بحسبي من الفخر بأنك انتصرت لي،فهل يأذن لي أمير المؤمنين في أن أعفو عنه،وأدع مالي له،فأعجب المعتصم بمقالها،وقال لها:لأنت جديرة حقاً بأن حاربت الروم ثائراً لك وليعلم الروم أننا نعفو عندما نقدر".
ومن قصص الشهامة العربية وإغاثة الملهوف حكاية جرت بين اثنين الأول هو " حجاج بن فيصل ألخالدي " وهو من أبناء الجوف خرج كعادة أهله يبحث عن رزق له،وكانت بلاده يصيبها الفقر في بعض السنين،ووصل إلى الأزرق في الأردن،فأصابته حمى،فلم يستطع العمل،واشتد عليه المرض حتى أقعده عن السير،فأصبح سجينه، وإذ " بنزال قاضب البيالي السرحاني " النبيل في سلوكه وإبائه العربي فتعرف عليه وأدرك شدة آلامه،وحاجته فما كان منه إلا أن دعاه لمتابعة المسير فسأله:أين الراحلة؟!...فقال له:"هذا الكتف،فحمله وذهب به متحملا ًعوامل الطبيعة مستعينا أحيانا بوسيلة نقل يجدها عرضا في دربه ،ولما وصلا إلى دومة الجندل رفض أن يتقاضى منه أي مبلغ،وقد قال العديد من الشعراء أبياتاً في وصف هذه الشهامة والنخوة.
واليوم،وبعض اللاجئات السوريات اللواتي لجأن إلى صعيد مصر تقول إحداهن:"وجدنا الدين عند أهل الصعيد،فهم حقاً رجال بمعنى الكلمة لأنهم لم يبخلوا علينا بشيء،ويعطونا مما أعطاهم الله الكثير،والكثير"وأخرى تقول:"أن الصعيدي يتعامل معنا على أننا إخوة"ورئيس إحدى الجمعيات الخيرية يقول:"إن الجمعية تقدم كل يوم المساعدات المالية والعينية،وكل ما يحتاجه اللاجئ أو اللاجئة،وأهل الخير في الصعيد يقدمون لنا كامل الدعم لأداء واجبنا ".

ضمن هذه الأصالة،وفي الأجواء المتفاعلة حاليا المضطربة على أرض مصر العربية رمز العروبة والحضارة العريقة ، والتي قدمت العديد من فداء وتضحية عبر مراحل التاريخ قديمه وحديثه من أجل الأمة العربية تموج أوضاع شعبها بين شعارات لا تهز مصر في أركانها،بل وتهز حياة أبنائها،فمن الشرعية إلى الثورة،وإلى الانقلاب والتمرد،وخارطة للطريق،وحكومة تكنوقراط،وإضعاف للإخوان المسلمين،واعتقال قياداتهم وبعضا من أفراد تنظيمهم " وفي ذلك قمع للحرية السياسة حيث لا يجوز توقيف إلا المشتبه بهم بجرائم القتل أو الاعتداء على الأملاك العامة " وإن كنا ضد نهجهم وسلوكهم الاستئثاري بالحكم في كل جوانبه ناسين الأعداد الكبيرة للآخرين الذين لم يصوتوا لهم، و الذين لم يبدوا أي اهتمام بهم في انتخابات الرئاسة،أو التأسيسية، ومؤخرا اعترف القيادي في حركتهم " حمزة زويع " في قوله " الحكومة والرئاسة أخطأنا الخطأ الكبير هو أننا برغبة أو على غير رغبة وقعنا في فخ الانفراد بالحكم , ولو مضطرين " كما ونسوا كل المعالم الأخرى للعمل السياسي لاسيما الاقتصادي منها،وفي إطار التغيرات المتسرعة على الساحة المصرية راحت الآراء تشير إلى نمو حزب سياسي (التيار الحر) ومن ميزاته أنه أسس مركزاً للأبحاث والدراسات الإستراتيجية لمتابعة تطوير رؤاه الفكرية والتنظيمية والسياسية ،ومن برنامجه الرئيسي تنفيذ مشاريع إستراتيجية منها حفر قناة تمتد من طابا إلى العريش،وعند حفر هذا الممر المائي فسيسير بالتوازي مع قناة السويس،وستكون القناة الجديدة أكثر اتساعاً وعمقاً بحوالي ثمانين متراً إلى القاع مقارنة بالعمق الحالي للقناة البالغ24متراً مما سيسمح بمرور أنواع جديدة من السفن ،وهناك حزب جديد تحت اسم(الحزب المصري)كما أن(جبهة الإنقاذ الوطني)خسرت عدداً من قادتها غير مأسوف عليهم بدأ النسيان بطي (أمجادهم) والمساعدات العربية انهالت فبلغت12مليار دولار كما لم تتوقف المساعدات الأمريكية،ولو عدنا إلى الماضي وتحديداً إلى الواقع الاقتصادي لوجدنا أن الرئيس الأسبق حسني مبارك ورغم وعوده المتكررة منذ عام1982بتحقيق تنمية شاملة ومعالجة الأزمات المعيشية للمصريين الذين بلغ تعدادهم في تلك الفترة 63مليون نسمة لكن النتائج المخيبة للآمال كانت تؤكدها وتثبتها أرقام نسبة النمو السنوية للناتج المحلي فلم تتجاوز3,2%،أما الدّين العام الداخلي فبلغ في عام2000-47مليون دولار أمريكي تجاوزت نسبته50%من الناتج المحلي الإجمالي،وتجاوزت الديون الخارجية بقليل31%من الناتج المحلي،وسجلت أيامها التقارير الدورية أن ما يقرب من20%من المصريين أي ما يقارب من13مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر والمحدد بدولار أمريكي واحد كدخل لليوم الواحد،و25%على خط الفقر،واللافت للنظر التركيبة المستغلة المحيطة بنظام مبارك،ففي عام2000بدت بوادر تنمية كان حصادها الأول محصور بأغنياء مصر الذين يعادلون 10%من إجمالي السكان فقد استحوذوا على نسبة25%من الناتج المحلي الإجمالي،ومعدلات البطالة وصلت مؤخراً إلى أكثر من15%،ويجب أن لا ننسى عامل معدل الزيادة السكانية البالغ1,76سنوياً حيث وصل عدد السكان في هذه الأيام إلى83مليوناً،وزاد الطين بله الفساد ، وهذه ظاهرة مرافقة لأنظمة الاستبداد فأحد رجال الأعمال اللصوص حصل على قرض300مليون دولار أي ما يعادل1800مليون جنيه من بنك التنمية الإفريقي والغريب أن الضامن له كانت الحكومة المصرية،وحصل رجال أعمال الآخرين على141مليار جنيه من بنوك أربعة وبنفس النهج والأسلوب،والمؤسسات الدولية تشكك بأنها أصبحت من الديون التي يصعب تحصيلها .

حقائق أوردناها تستدعي من الجميع اعتبار أن الثورة بدأت في25كانون الثاني عام2011واستمرت في30حزيران في مناهضتها للإخوان الذين لم يقدموا كما ذكرنا ولو إسهاماً بسيطاً في الجانب الاقتصادي،ولتتحقق الشرعية بعيداً عن التمسك بالقوالب الجاهزة لابد من العودة إلى حالة من الهدوء بين جميع القوى،وفتح حوار سريع لتحقيق الشعار الأول الذي نادي به ثوار مصر عيش.....حرية.....عدالة اجتماعية.
المطلوب لقمة عيش مغموسة بالحرية، ومحاطة بعبق العدالة الاجتماعية تنتفي فيها الفروق الطبقية الحادة ، ويتوقف الفساد والطغيان والأساليب المبتدعة المموهة إنها الشرعية الوحيدة ولا شرعية غيرها.

محمد علي الحلبي


دمشق: 6 - 9 - 2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت