تقدير موقف /اعمار غزة : سياق الأزمة وخيارات الخروج من المأزق

بقلم: فادى عيد


تعتبر قضية إعادة اعمار قطاع غزة، بعد التدمير الهائل الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي على القطاع من الملفات الصعبة والشائكة, حيث يتقاطع عندها عناصر متعددة ومتشابكة منها الإنساني و السياسي والاقتصادي , إضافة للتداخلات المحلية والإقليمية والدولية , إذ بعد اثنين وعشرين يوما من الاعتداء ، بدا أن غزة وفي ظل هذا الدمار البالغ مقبلة على أوقات عصيبة ، فالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد جاء بعد حصار شديد على القطاع منذ يونيو عام 2007، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلي أسوأ حالاته .

فبعد انتهاء الحرب طرحت قضية إعادة اعمار غزة كاستحقاق إنساني واقتصادي ذو أولوية عالية، لكنه جاء في ظروف سياسية محلية ودولية شائكة وغير مواتية لتنفيذ أية خطط أو برامج لإعادة الاعمار ، لذلك سوف نقوم بدراسة ازمة اعادة اعمار قطاع غزة من خلال تسليط الضوء علي :

حجم الاضرار والخسائر الناجمة عن الحرب، ومدي الاستجابة الدولية لإعادة اعمار غزة وتطبيقها، و بالإضافة الي معرفة حجم التمويل والخطوات الاولية لجهود الاعمار، وما هي معوقات جهود الاعمار، خيارات وحلول للخروج من المأزق .

_ حجم الاضرار والخسائر الناجمة عن الحرب _

تسبب هذا العدوان الإسرائيلي في دمار كبير للبنية التحتية في القطاع، خاصة المياه والكهرباء والطاقة والصرف الصحي والطرق والمؤسسات الحكومية المدنية والأمنية. كذلك لحق بالقطاع الخاص سائر فادحة وصلت إلى تدمير العديد من المصانع والشركات والمزارع، الأمر الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد المحلي على نحو شبه كامل.

على الرغم من أن تحديد الخسائر الناجمة عن العدوان الإسرائيلي يشكل المدخل الصحيح لإعادة الاعمار، إلا أن التقديرات الصادرة حول الموضوع لا تتفق على أية أرقام حول تفاصيل الخسائر أو الرقم الإجمالي لها.

فقد قدرت السلطة الفلسطينية الخسائر المباشرة بمبلغ 1.346 مليار دولار والخسائر غير المباشرة بمبلغ 0.750 مليار دولار . بينما قدرت حكومة حماس ذلك بمبلغ 1.704 ، 0.214 مليار ، على الترتيب لكل منهما. كذلك قامت الاونروا بإعداد تقديراتها الخاصة عن الخسائر، وكذلك فعل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP. وقد لوحظ أن معظم هذه التقارير قد أعدت على عجل، ويعزى هذا تباين تقديراتها إلى اختلاف المنهجيات المتبعة في تقدير الخسائر، إضافة إلى قصر الفترة الزمنية التي تم فيها انجاز هذه التقديرات والتي لم تتجاوز الشهر بعد نهاية الحرب.

_ مدى الاستجابة الدولية لإعادة الإعمار وتطبيقها _

لقد تابع العالم بأسره مجريات ووقائع الحرب لحظة بلحظة واستنكرها بشدة وتلاقت جهوده نحو اعادة اعمار غزة و إن إعادة الإعمار هي عملية إنسانية بحتة ملحة وغير قابلة للتأجيل ولا للدعاية والنظرية، بل بحاجة للبدء حالا، فغزة لا تزال مدمرة وسكانها لا يزالون رهائن لعمليات إعادة الإعمار ، فصارعه العالم الخارجي في عقد المؤتمرات من اجل الانطلاق في اعادة الاعمار فعقد عدد من المؤتمرات والقمم بهدف تنظيم الجهود وتمويل عملية إعادة إعمار غزة والنهوض باقتصادها بعد الحرب المدمرة في ديسمبر 2008م، ومنها مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في (2- مارس 2009م) حيث جمع نظريا 5.2 مليار دولار وطالب المؤتمرون بضرورة فتح الكيان الصهيوني المعابر المؤدية إلى قطاع غزة و أن يتم التنفيذ عبر آليات البنك الدولي وآليات بنك التنمية الإسلامي والآلية الموحدة (بيغاس) كل هذا بالتعاون مع المؤسسات المحلية الشريكة في عملية التنفيذ ، غير أن هذا الكرم كان نظريا وبقي إلى الآن بعيدا عن التنفيذ مرهونا بشروط سياسية ومرهونا بالقبول الإسرائيلي الذي لا يزال يحاصر غزة ويمنع دخول مواد البناء ومتطلبات إعادة الإعمار الي ان عقد مؤتمر اسطنبول الذي نظمته "الهيئة العربية الدولية لإعمار غزة" والذي أكد على تبني جميع المشاريع الواردة في دليل مشاريع الإعمار وبقيمة 350 مليون يورو، أي ما يعادل نصف مليار دولار أمريكي.

وقد قامت الهيئة بإعادة إعمار عدد من العيادات الصحية والمستشفيات والمدارس والمساجد وغيرها في قطاع غزة غير أن نشاطاتها لم ترتق إلى فداحة الدمار ومثلت نسبة يسيرة من احتياجات إعادة الإعمار، وبعد ذلك جاءت قمة الكويت التي أقرت إعادة إعمار قطاع غزة ولابد تحقيق المصالحة الفلسطينية

_ حجم التمويل والخطوات الاولية لجهود الاعمار _

لقد افرزت الاستجابة الإقليمية والدولية لما حدث في غزة تعهدات مالية من الدول المانحة تقدر بميلغ مالي 5 مليارات و200 مليون دولار وقد جاء أكثر الدعم من دول الخليج العربية (السعودية مليار دولار, قطر 250 مليون دولار) تليها الولايات المتحدة الأمريكية (900 مليون دولار, يخصص منها 300 مليون دولار لإعادة اعمار غزة. أما الباقي, فيخصص لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية في إصلاحاتها الاقتصادية وعجز موازنتها), ويلي الولايات المتحدة المفوضية الأوروبية (552 مليون دولار تخصص لإعادة اعمار غزة ودعم السلطة الفلسطينية في تنفيذ خطتها الشاملة للإصلاح والتنمية). كما تعهدت أيضا دول أخري بتقديم مساهمات, مثل: إيطاليا 100 مليون دولار والجزائر 100 مليون دولار والإمارات 174 مليون دولار, واليابان 20 مليون دولار, وبريطانيا 43 مليون دولار, وفنلندا 40 مليون دولار, والصين 15 مليون دولار, والنمسا 3.5 مليون دولار, وهولندا 2.5 مليون دولار, وقبرص 1.6 مليون دولار, ولبنان مليون دولار.

فبعد تخصيص والتزام الدول المانحة بالتعهدات المالية من اجل اعادة الاعمار بدأت خطوات التعامل مع أَضرار الحرب بقيام السلطات المحلية بتقديم الاغاثات العاجلة والطارئة للمتضررين تخفيفا عنهم كمساعدات نقدية أو عينية، وذلك بشكل فوري وأثناء الحرب ذاتها ، ووضع خطط الطوارئ لمواجهة مختلف الاحتمالات.

تلي ذلك القيام بحصر شامل للخسائر والأضرار من جانب جهات محلية ودولية لتقدير الضرر الذي لحق بالاقتصاد الغزي.

وذلك بجهود الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزارة الأشغال العامة والاسكان، ووزارة التخطيط ، اضافة إلى جهود وكالة الغوث الدولية "الأونروا" ، وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي UNDP، ومؤسسة CHF وغيرها من الجهات الدولية والمحلية .



_ معوقات جهود الاعمار _

هناك العديد من المعيقات التي تعترض سبيل تنفيذ مهمة الاعمار منها معوقات فنية وأخرى سياسية ، فالمعوقات الفنية تتمثل :في ضخامة المهمة و عدم ضمان كفاية التمويل واستمراريته ومعوقات تثبيت الملكية المتعلقة بعدم وجود أوراق ثبوتية لدي مالك المنزل أو المنشأة المهدمة لأسباب متعددة و معوقات تقدير الممتلكات غير التقليدية و معوقات مستوي الدقة في تقدير الأضرار والتي من المتوقع حدوث مثل هذه المشاكل حول تقدير قيمة الأضرار .

وأما المعوقات السياسية فهي متمثلة في اغلاق المعابر والانقسام الفلسطيني ، حيث فتح المعابر جميعها وبشكل كامل شرطا ضروريا آخر لنجاح عملية إعادة الإعمار التي تحتاج لمواد البناء وكل متطلبات الإعمار كاملة من الخارج و بات من واضح أن المجتمع الدولي من الصعب أن يتعامل جديا مع قضية اعمار غزة في ظل هذا الانقسام الحاد في الوضع الفلسطيني, وعليه فان المصالحة الوطنية تمثل شرطا ضروريا

_ خيارات وحلول للخروج من المأزق _

أن عملية إعادة الاعمار فرصة لتنفيذ خطة وطنية شاملة، تتجاوز البعد الاقتصادي والإسكاني المحدود، لتشمل كافة الأبعاد الاجتماعية والسياسية بل والبيئية، بحيث تضع هذه الخطة رفاهية المجتمع الفلسطيني ومصالحه في جوهر الأهداف والسياسات ويجب أن تتوفر متطلبات لا يمكن بدونها البدء بعملية الاعمار فضلا عن تنفيذ خطة تنموية شاملة، ولذلك لا بد من تحقيق الوحدة الوطنية بحكومة واحدة وخطة تنموية واحدة، وبرنامج وطني واحد يحقق مصالح الشعب الفلسطيني و أن يقوم المجتمع الدولي بدوره ومن خلال الالتزام بالقوانين الدولية لتأمين رفع الحصار، والضغط على إسرائيل من أجل ذلك، وضمان فتح جميع المعابر كليا، وإلغاء كافة القيود على تدفق السلع استيرادا وتصديرا بالإضافة الي ربط جهود الإغاثة المقدمة من كافة الجهات للفئات المتضررة الفقيرة بخطة التنمية الشاملة وأهدافها وتحديث المخطط الإقليمي لقطاع غزة، بحيث يشمل معالجة المناطق العشوائية والتعديات على الأملاك العامة، ومراعاة البعد الجمالي لعملية إعادة الاعمار، والالتزام بالمعايير الصحية والاقتصادية والبيئية الملائمة.



أنتهى ...


أعداد : أ. عبد الرحمن صالحة