فجأة كعادة الأمريكان رئيساً وإدارة وبدون مقدمات طرحوا أرضاً بكل دموعهم وأحزانهم على ضحايا الكيماوي من أطفال سوريا ، كما طرحوا بكل طقوس التمجيد لمقاتلي الحرية مما يسمى بالجيش السوري الحر وجماعات النصرة ودولة العراق الإسلامية ، كما طرحوا أيضاً بكل تعاطفهم مع قلق حكومات الأردن ولبنان وتركيا من مخاطر الكيماوي السوري ، هذا الكيماوي الذي لم يسبق أن سمع عنه أكثر من 90 % من المواطنين والمسؤولين في هذه الدول ... ولكن سمع به ويقلق منه 100 % من قادة الكيان الصهيوني والمستوطنين الذين استجلبهم على مدار قرن مضى ، ولتقريب المعنى والمضمون لعنوان لهذا المقال علينا النظر والتمعن في :
ـــ إن ما سبق الإفصاح عنه من حقائق حول استراتيجية أمريكا في تغيير الاتجاه التي أنتجتها ضخامة الخسائر المادية والبشرية للأمريكان ودول حلف الناتو وما أنتجته من آثار سلبية عميقة نتيجة غزوهم لأفغانستان والعراق ... هذه الاستراتيجية التي ترتب عليها : شـرق أوسط بدون إسرائيل وهي عبارة عن خلاصات لدراسة شاركت بها مجموعة من ستة عشر من مؤسسات الأبحاث الأمنية الأمريكية لتوضح الخطوط العامة لتوجهات سياسة الأمريكان والناتو المقبلة نحو التنفيذ لتلك الاستراتيجية ، وهي الدراسة التي كان التعمد في نشرها ما دعى هنري كيسنجر [ اليهودي الصهيوني ] الذي كان ضمن تلك المجموعة لإطلاق تصريحه التحذيري الشهير لمن يعنيهم الأمر من قومه وقال فيه بإن إسرائيل لن تكون موجودة بعد العام 2022 !!! .
ـــ مصطلح شرق أوسط بدون إسرائيل إنما يعني زوال الدور والوظيفة التي أُنشيء لأجلها هذا الكيان ، ولا يعني الزوال المباشر لمؤسسة الحكم والتجمع البشري لإسرائيل ؛ وإن كانت النتيجة النهائية لفقدان هذا الدور والوظيفة هو الضمور والزوال الفعلي لتلك المؤسسة والتشتيت للتجمع البشري ، وهي نهاية شأنها شأن كل الغزوات في التاريخ !!! .
ـــ أن كـل ما عشناه ونعيشه من الحريق العربي الذي جـُندت له الكثير من الأدوات البشرية والمادية والإعلامية لـم يكن سوى مخطط اعتراضي وضربة استباقية ضد هذا التوجه الجديد لسياسة أمريكا ودول الناتو أقدم عليها الكيان الصهيوني الذي يعرف معنى أن يصبح بلا دور أو وظيفة ذات قيمة ؛ وتحالف معه اللوبي الأمريكي الموالي له في أمريكا خصوصاً أؤلئك المحافظين الذين يعتقدون بعودة المسيح بعد المعركة القادمة لليهود في منطقة المجدل [ مجدو ] كي يتم التنصير لليهود بعدها ... وهي ضربة استفادت مما أنفقته أمريكا على برامج التغيير الديمقراطي لأنظمة بلداننا العربية التي اعتمدها الكونجرس والرئيس الأمريكي بل كلينتون عـام 1996 م ومجموعة من تحالفات العتمة مع قوى وجماعات يدفعها شرهها للسلطة لفعل أي شيء ولو بتدمير أوطانها ومقدرات بلدانها !!! .
ـــ إن كـل ما عشناه من لحظـات هذه الضوضـاء والهوبرة الإعلامية ... ثم ما نشاهدة من انعطافات في المواقف الأمريكية حول كيماوي سوريا هي معركة اعتراض أمريكية لتصحيح مسار الحريق العربي وتوظيفة لخدمة خطة الاستراتيجية الأمريكية في تغيير الاتجاه القائمة اساساً على التخلي عن عداوة الإسلام لتوظيفة بدلاً من ذلك في خدمة التوجه الجديد والانتقال بثقل المواجهة بكل أدواتها لأمريكا ودول الناتو إلى أقصى الشرق حيث التهديد المستجد والفعلي على حضارة الغرب ومصالحه !!! .
ـــ إن هذا الانتقال بخطوط المواجهة يعني أن الكيان الصهيوني لم يعـد اكثر من قاعـدة خلفية للإمداد ولكنها مهمة قياساً على التقلّـب في ولاءات الدول المحيطة به ولحماية هذه القاعدة لا بد من توفير معدلات كافية من الأمـان تتمثل اساساً في تضحيم تسليحها وإضعاف محيطها ، ومن هنا سنرى إلى جانب تفكيك الترسانة الكيماوية لسوريا استمرار دعم أمريكا ودول الناتو للأبطال المزعومين والمعلّبين من قيادات الحريق العربي لإداث المزيد من الإضعاف لدول وشعوب المنطقة وصولاً إلى تفكيك الجيش المصري على ايدي جيش البرادعي وجماعة الإخوان [ سبق أن أعلن البرادعي عن أمنيتة في تقليص الجيش المصري وتحويله إلى قوة محدودة لمكافحة الإرهاب بدعوى توفير نفقاته وتحويلها كمصادر لتنمية مصر ] ، أي أن يسير الحريق العربي ليكون جزءً من السياسة الأمريكية واستراتيجيتها الجديدة وليس وفقاً لرغبات الكيان الصهيوني ... وما يساعد الأمريكان ودول الناتـو على ذلك هو القرف المتنامي لشعوب هذه الدول من الأنانية الصهيونية وتحويل جانب كبير من ضرائبهم لخدمة مصالح هذا الكيان وليس لخدمة مصالحهم !!! .
أما كلمـة لكن التي انتهى بها عنوان المقال فتعـود إلى :
ـــ الروس والصينيين ومعهم السوريين وكذلك الفلسطينيين لم يكونوا غائبين عن حقيقة التوجهات لسياسات استراتيجية تغيير الاتجاه لأمريكا ودول الناتو ، ولم يكونوا غافلين عن التراجع المتتالي لقوى الحريق العربي على الأرض السورية خصوصاً بعد هذه الصفعة التي تلقتها جماعة الإخوان وسقوطها المدوي في مصر ، ولا عن السبب الحقيقي لسحابة الدخان الكثيف لكيماوي سـوريا في هذه اللحظة الزمنية ، ولأنهم [الروس والصينيين ومعهم السوريين وكذلك الفلسطينيين ] اصبحوا يدركون حقيقة العالم الجديد بقواه واقطابه ، وان هذه السحابة الكثيفة التي يتحرك تحتها الأمريكان اصبحت فرصة متاحة لتثبيت بعض الحقائق فمن المتوقع أن نرى في اليام القادمة مجموعة من الأحداث تتمثل في :
أولاً : أن التخلص من الكيماوي السوري سيكون مقروناً بالتخلص من جماعات تيارات الإسلام السياسي المتطرفة .
ثانياً : بقاء الدولة السورية موحدة وبنظامها القائم مع بعض التعديلات التي لا تـُخل بالدور الروسي ولا تنهي الوجود الغربي وحصته من استثمارات الطاقة المستجدة .
ثالثاً : بلورة المصير والمستقبل لدول المنطقة ستتوقف على الشكل الذي سيحسم فية الصراع الجاري على أرض مصر المحروسة بين القوى المتحالفة مع الجيش لتحقيق قدر من استقلالية القرار ولخروج من التبعية وبين من رهنوا انفسهم أتباعاً للأمريكان وحطباً لشرق بيريز ورايس الأوسط الجديد .
رابعاً : سـتفيق كل الأطراف على ذات الحقيقة ... حقيقة المصدر والسبب في كل حروب وأزمات المنطقة وحقيقة أن هذا المصدر ما زال حيّـاً وناشطاً ... حقيقة وجود الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين وحولها ؛ وحقيقة حقوقه غير القابلة للتصرف التي يـُصرّ على التمسك بها والحصول عليها .
وختاماً فإنه إذا استطاعت أطراف الصراع من التوصل إلى أولاً وثانياً ، وتباطؤوا عن ثالثاً فإن وديع مسـودة الطفل الفلسطيني ابن السنوات الخمس الذي اضطر الكيان الصهيوني تسخير ما يساوي كتيبة من الشرطة وحرس الحدود ... الطفل وديع وملايين الأطفال الفلسطينيين يعرفون اليوم المعنى الحقيقي لشرق أوسط بدون اسرائيل ويعرفون واجباتهم القادمة في زمن اصبح الاحتلال يعاني من تكديس في أسلحته ولا يجد ما يكفي من الصهاينة لحمله فاصبح يخيف المستوطنين في هذا الكيان اكثر مما يخيف الفلسطينيين ... واصبح الطفل وديع وكل أطفال فلسطين يعرفون لماذا كانت تهديدات أوباما بضرب سوريا تثير الرعب في الكيان الصهيوني بينما تثير السخرية في بـلاد الشام ومصر !!! .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت