رام الله - وكالة قدس نت للأنباء
قال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاسير أحمد سعدات إن "فريق السلطة" ليس مستعداً لاستخلاص دروس تجربة أوسلو، فها هو يتجاوز عملية البناء على الاعتراف الدولي لفلسطين كدولة بالعودة لنفس الأفق" العبثي" والخضوع للضغط الأمريكي.
وقال سعدات في رسالة سياسية شاملة سُربت من سجنه بمناسبة مرور عشرين عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، : " لا يوجد أي مبرر منطقي أو مشروع يجيز لفريق أوسلو استمرار المراهنة على المفاوضات، فالتجربة على مدار أكثر من عقدين أثبتت فشلها، ولم يتبقَ من هذا الاتفاق سوى سلطتين في الضفة والقطاع لا تستطيعان العيش خارج غرفة الإنعاش، ورزمة من الالتزامات الأمنية لحماية أمن الاحتلال، وعلى الأرض تستمر الإجراءات العدوانية لحكومة الاحتلال في إطار سعيها لفرض الحل الانتقالي أو طويل الأمد، والدولة بحدود مؤقتة فُرضت على شعبنا وعلى المجتمع الدولي".
وأضاف: " أن الصيغة التي وافق عليها هذا الفريق لاستئناف المفاوضات ليست فقط خارج الإجماع الوطني، بل وأيضاً تنفي الأسس التي يضعها للعودة إلى المفاوضات أو الارتهان للمفاوضات الأمريكية. وهذا يذكرنا بأن مسار مدريد – أوسلو بني على ضمانات مشابهة في حينه والتي لم تتطبق سوى على الطرف الفلسطيني، فالاستيطان سيستمر وستبقى المرجعية لقضية الأسرى رهناً في إطار اجراءات بناء الثقة وحتى النوايا الإسرائيلية".
وشدد على أن إقدام السلطة على انتهاك قواعد الإجماع الوطني لا يهدد فقط بنسف المصالحة بل وأيضاً وحدة التركيبة الراهنة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
واعتبر سعدات أن الدعوة لعقد المؤتمر الدولي حسب مرجعية الأمم المتحدة في إطار أولوية لالتزام إسرائيل باحترام القانون الدولي هو أحد محاور الرؤية السياسية البديلة لإدارة الصراع مع الاحتلال، "فهنا يأتي في إطار نقل ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة والمطالبة بالحماية الدولية لشعبنا ووضع الأرض المحتلة تحت إشراف الأمم المتحدة لفترة انتقالية يمارس شعبنا خلالها حقه في تقرير المصير وبناء مؤسسات دولته المستقلة وهي ترتبط بفك الارتباط بمدريد وأوسلو والمفاوضات العبثية".
وقال : " بهذا المعنى نرفع شعار نضالي ركائزه السياسية مقاومة شاملة وشعبية للاحتلال بمختلف الأساليب المتوفرة مع موازين القوى التي تحوله من شعار دعاوي اعتراضي تحريضي إلى آلية واقعية لتحقيق قرارات الشرعية الدولية".
وأضاف القائد سعدات بأن" صوابية هذه الرؤية لا تحتاج إلى الموافقة الأمريكية الإسرائيلية، فهو مشروع نضالي يستهدف كسر الاحتكار الأمريكي الإسرائيلي للعملية السياسية"، لافتاً أن "هذه الرؤية والدعوات ستظل دعوات تبشيرية أخلاقية حقوقية ما لم يتم إنجاز المصالحة ويستعيد شعبنا وحدته الوطنية"، مشدداً على أن الوحدة الوطنية تمد هذه الرؤية بأسباب الحياة والقوة عن طريق تحشيد شعبنا في كل مكان للاشتباك مع العدو تحت لواء قيادة متماسكة تعكس في تشكيلها قواسم الجبهة الوطنية العريضة.
وفي موضوع المصالحة، أكد سعدات أن إنجازها واستعادة الوحدة الوطنية لا يحتاج سوى امتلاك كل من فتح وحماس الإرادة السياسية لتحقيقها، لافتاً أن ما أنجز من توافقات في جلسات الحوار الوطنية الشاملة والثنائية يوفر أرضية كافية لتحقيقها.
وإشار إلى أن عدم الشروع بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإعادة بناء مؤسسات المنظمة والسلطة، وعدم الوقوف في وجه كل المناورات وأشكال الحرب الباردة التي تطفو على السطح كلما اقتربنا من المصالحة لا تعكس في حقيقة الأمر سوى وجود شرائح متنفذة في فتح وحماس مستفيدة من استمرار الانقسام، مشيراً أن ما يتبقى من مسائل خلافية غير جوهرية تحتاج لحوار موحد في حال توفير الإرادة السياسية لتحقيق المصالحة.
وأوضح بأن انجاز هذه المهمة المتفانية لا يتطلب منا موقف الانتظار وتراجع الاحتمالات بل العمل الدؤوب وتفعيل كل وسائل الضغط الشعبي على طرفي الانقسام من قبل كل الفئات والقطاعات الشعبية المنسجمة مع متطلبات المصالحة الوطنية العليا وإعادة الاعتبار لمركزية الصراع مع الاحتلال ووضعه على رأس أجندة عمل قوى شعبنا السياسية.
وشدد على أن "أي مساعي جديدة في الحديث عن المصالحة يقاس من خلال الشروع الفوري بتشكيل حكومة التوافق الوطني والتوافق على جدول زمني لإنجاز انتخابات مؤسسات السلطة والمنظمة، والإعلان عن الأطر القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا لشعبنا لحين عقد انتخابات مؤسسات المنظمة".
واعتبر سعدات أن تشكيل الحكومات أو تعديلها في رام الله وغزة لا يعكس أي سند شرعي فقط، بل وأيضا لا يعكس ادنى درجة من الشعور بالمسئولية تجاه قضية الوحدة الوطنية، مشيراً أن التغيرات الحكومية أو التعديلات لطرفي السلطة لا تشكل أكثر من محاولات لاحتواء تناقضات فتح وحماس الداخلية.
وأشار إلى أن الدعوة "الخجولة" التي أطلقها الرئيس أبو مازن عقب استقالة سلام فياض لتشكيل حكومة التوافق الوطني قابلتها حماس بفتور، في حين أن الرئيس يدرك أن مساعي كبيرة لاستئناف المفاوضات تملي عليه تأجيل الحديث عن انهاء الانقسام واستعادة الوحدة، كما أن حماس غير معنية باستحقاق إجراء الانتخابات لتحديث شرعية مؤسسات السلطة وهي أيضاً بانتظار ما قد تسفر عنه التفاعلات الجماهيرية الجارية في المحيط الإقليمي.
وحول جدلية الخلاف حول مفهوم الدولة الفلسطينية، أكد القائد سعدات أن" انهاء الاحتلال كجزء من فلسطين عام 67 يمكن أن يؤسس لتسوية انتقالية، لكنه لا ينهي الصراع أو يؤسس لسلام دائم، وإحلال ديمقراطي للصراع الفلسطيني الصهيون"ي، مشيراً إلى أنه قد سبق وأن جرب شعبي زيمبابوي وجنوب أفريقيا كل الحلول الجزئية لإنهاء الصراع ضد الحكومات والاستيطان العنصري، مشدداً على أن منطق الصراع والتناقضات أخذت طريقها لحمل الديمقراطية الشاملة فقط من خلال دولة المواطنة الديمقراطية التي تنبذ كل أشكال القهر والتمزق، مؤكداً أن مساحة التقاطع بين قضيتنا الوطنية وقضيتي زيمباوبوي وجنوب أفريقيا وصلت إلى مستوى قريب في الجوهر.
وأوضح القائد سعدات أن" هذا الطرح الذي يبدو طوباوياً وعصياً على الفهم في ظل موازين القوى الراهنة المحلية والدولية أو بسبب الدور الوظيفي للصهيونية ربيبة الامبريالية، سيظل هذا المفهوم منطقياً وستدفع كل هذه التناقضات للأزمة الموضوعية نحو أسس الدولة الديمقراطية الواحدة في عموم فلسطين التاريخية".
وحول قضية الأسرى، اعتبر القائد سعدات أن إدراج قيادة م.ت.ف قضية الأسرى في إطار الاعتراف المتبادل بين إسرائيل والسلطة، خطيئة حيث جرى تحويل قضية الأسرى إلى ورقة ضغط وابتزاز من قبل " إسرائيل" للفريق المفاوض من جهة ومن جهة أخرى بقاء المئات من الأسرى رهن الاعتقال لسنوات طويلة، بعضهم أمضى أكثر من 20 عاماً.
وشدد القائد سعدات على أن الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة غير عضو يفتح الباب مجدداً للعمل على تحرير ما تبقى من الأسرى وهذا يتطلب أولاً استكمال عضوية فلسطين في كافة مؤسسات الأمم المتحدة وبشكل خاص المحكمة الجنائية الدولية، وانضمام فلسطين إلى اتفاقية جنيف والتي تقوم وفق الآلية القانونية المناسبة لانتزاع اعتراف دولي يمّكن الأسرى بقانونية الاعتراف بهم كأسرى الدولة الفلسطينية المحتلة أراضيها كأسرى حرب مناضلين من أجل الحرية، وهذا يعطي الشرعية القانونية المطالبة بتحرير الأسرى على أسس اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة. وملحقها الموقع في روما عام 1977.
وأعرب عن أمله أن يتوقف دوران قيادة م.ت.ف حول نفسها لتعطي مصداقية للمطالب الداعية لتحرير الأسرى باعتبارها شروط أساسية للدخول في أي عملية هدنة أو مفاوضات، مؤكداً أن تحرر الأسرى ليس موضوعا تفاوضياً بل عملية يجب أن تسبق أي مفاوضات ( رغم موقفنا بأننا ضد منهج المفاوضات برمته).
وحول وضع الأسرى قال سعدات " دخلت الحركة الأسيرة خلال العامين المنصرمين بخطة نوعية جديدة فقد فتح اضراب الرفاق في أيلول عام 2011 ضد سياسة العزل الانفرادي للعديد من المبادرات الفردية احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري وتوجيه هذه المبادرات في شهر نيسان، 2012 الذي تكلل بالنجاح وحقق أهدافه الجوهرية بإنهاء عزل 18 مناضلاً وانتزاع حق أسرى غزة بزيارة ذويهم وتواصلت المبادرات الفردية ضد سياسة الاعتقال الإداري والتعسفي لمحرري صفقة شاليط التي تكللت أيضاً بالنجاح من خلال حالة الصمود الأسطوري خلال هذه المعارك والملاحم، ومن بينها إضراب الاسرى الأردنيين وإلى جانبهم الاسرى الإداريين".
وأضاف " احتلت قضية الأسرى موقعاً في قلب الحدث في إطار الاهتمام الشعبي الرسمي على المستويات الوطنية والعالمية، وفي ظل هذا المناخ المواتي لنضال الأسرى تتأهل أمام الحركة الوطنية الأسيرة مهمة البناء على هذه الانجازات وإعادة صياغة أوضاعها بالتوافق على برنامج ورؤية استراتيجية نضالية لإدارة الصراع مع مديرية مصلحة السجون وتصليب الجسم الاعتقالي وتشكيل قيادة مركزية صلبة ومتماسكة لتنفيذ مهام هذا البرنامج من أجل توطيد وتوسيع استجابتها وصولاً إلى تصويب مكانة الأسرى القانونية كأسرى حرب، ومناضلين من أجل الحرية على طريق تحريرهم وعلى الرغم من التحديات التي تطرحها سياسة مديرية مصلحة السجون أمام تحقيق هذه المهام فإن تراث التجربة الاعتقالية الطويلة ستدفع نحو استعادة الحركة الأسيرة لتماسكها كطليعة تتقدم صفوف شعبنا".
وحول ما يحدث في بلدان الوطن العربي، والحراك الشعبي فيه شدد القائد سعدات على أن المعيار الذي نستطيع من خلاله الحكم على مسار الحركة الشعبية العربية هو مدى اقترابها او ابتعادها عن مهام التحرير الوطني والديمقراطي وبمعزل عن محاولات أمريكا وعملائها في المنطقة لاحتواء الحالة الثورية.
وأشار إلى أن ثورات الشعوب التي التف حولها قطاعات من الشعب عبرت عن استجابة موضوعية لضرورة الاطاحة بكل نظم وأدوات القهر والظلم والاستبداد والالحاق والاستغلال، وأكد أن إسقاط رؤوس النظام في كل من مصر وتونس وانتزاع بعض المكاسب السياسية في كل من المغرب واليمن يشّكل خطوات في الاتجاه الصحيح.
وقال القائد سعدات " إذا شئنا تسمية هذه الحالة بالربيع علينا ألا نسقط من جانبنا بأن هذا الفصل يوفر المناخ المناسب للأعشاب المفيدة والضارة أيضاً، وبلغة السياسة فإن محصلة انجاز هذه الثورات وانجاز مسارها يتوقف على موازين القوى التي تتحكم فيها، فعملية الصراع أولاً مع بقايا النظام القديم ومراكز قوته التي يمكن أن تنقلب بعبارات أو شعارات الثورة من جهة، وبين خوامل الثورة وقوى التغيير من جهة أخرى".
وأشار إلى أن النتائج الأولية لمخرجات الربيع العربي وهيمنة قوى الإسلام السياسي بتفاوت على النظام السياسي الجديد يجب ألا تشكل فزاعة أمام قوى التغيير الديمقراطية، فالمناخ الديمقراطي المتشكل يفتح آفاقاً واسعة أمام هذه القوى لتوسيع صفوفها ومضاعفة قوتها، مشدداً على ضرورة ألا تسقط من حساباتها أي تناقض رئيسي للنضال الأولي ضد بقايا النظام القديم.
ودعا في ختام رسالته السياسية لضرورة أن تظل هذه الحقيقة رادعاً فهي ضمان لحماية قوى الثورة وأهدافها إضافة لأن الاوضاع الثورية الجديدة لا تسمح لأي فصيل مهما بلغ شأنه التفرد بقيادتها والهيمنة على النظام السياسي الجديد، مشيراً إلى أنه في كل الأحوال فالمنطقة تعيش حالة انتقالية مفتوحة على كل الاحتمالات ومع التأكيد احتمالية ان تتسم الثورات بالفشل أو الاندثار فإن أي نظام سياسي جديد يأتي لمصلحة حراك القوى السياسي الفاعلة ولن يستطيع العودة بالاوضاع للوراء.