(جون كيري) ورحلة "الوفاء إلى إسرائيل"!

بقلم: مصطفى إبراهيم


ما أن أنهى وزير خارجية أمريكا، "الظهر والسند للتيار السياسي الظلامي عربياً"، مؤتمره الصحفي مع الوزير الروسي "الداهية" (سيرغي لافروف) حول صفقة السلاح الكيماوي السوري، حتى سارع ليستقل طائرته متوجهاً إلى مطار (تل أبيب)؛ رحلة قد يقول بعض من "عُربان أمريكا ومناصريها" أنها كانت "مخططة مسبقاً"، وهي كذبة ليست ذكية لأن واشنطن طلبت من (نتنياهو) أن لا يحضر إلى أوروبا للقاء (جون كيري) وتأجلت إلى ما بعد الانتهاء من وضع إطار "الصفقة الكيماوية"، وسـفر (جون كيري) لدولـة الاحتلال دون أن يُفكر بزيارة أي دولـة عربيـة تخضع للهيمنـة الأمريكيـة، تحت أي مسـمى هي رسـالـة سـياسـيـة بإمتياز، تكشـف أولاً مدى إحتقار الإدارة الأمريكيـة لتلك الأطراف العربيـة المرتميـة بالحضن الأمريكي دون وعي أو تفكير، وثانياً أنها توضيح قاطع أن كل "دول المنطقـة كوم ودولـة (إسـرائيل) كوم..."!!!

زيارة (كيري) لدولة الاحتلال جاءت من أجل بحث تفاصيل الصفقة الكيماوية، وطمأنة (تل أبيب) إلى هذه الصفقة وإزالة "الشكوك حول تنفيذها"، خاصة وأن تصريحات المسؤولين في دولة الكيان، رحبت من حيث المبدأ بالسيطرة والرقابة على "السلاح الكيماوي السوري" إلا أنها أيضاً لم تخلُ من تحريض صهيوني ملازم دوماً لهم ضد أي دولة عربية ترى بها خطراً محتملاً، حذروا من مناورة النظام السوري وبطئ التنفيذ والتهرب أو الخداع، عبارات تحذيرية تتطابق كثيراً وتلك التي سبق وأن أطلقها التركي طيب أردوغان وبعض قادة المعارضة السورية المرتبطة بالمحور التركي – القطري، وحدة حال في الموقف بين هذه الأطراف...

(كيري) طمأن نتنياهو أن المسـألـة جادة والاتفاق سـيتم تنفيذه، وأن السـلاح الكيماوي سـيُصادر كلياً، وبالتالي حاول أن يُقدم "رسـالـة طمأنـة شـاملـة للدولـة الإحتلاليـة"، ولكن هل تقف الرحلـة السـريعـة والخاطفـة للوزير الأمريكي عند حدود شـرح تفاصيل اتفاق الصفقـة الكيماويـة، أم أن هناك ما اسـتوجب البحث خارج الإطار الإعلامي، منها كيفيـة الاسـتفادة من المخابرات الإسـرائيليـة وأجهزتها الرقابيـة في مسـاعدة أمريكا لتحديد مواقع السـلاح الكيماوي السـوري، إلى جانب بقاء "الاسـتنفار التجسـسـي الإسـرائيلي" بحالتـه القصوى، فقد تكون أهم وسـيلـة لمطاردة السـلاح ومواقعـه تأتي من (تل أبيب)، كما أن الاتفاق لا يعني أن الضغط الأمني – العسـكري على النظام السـوري قد انتهى، لذا سـتكون دولـة الاحتلال محطـة هامـة جداً في مسـتقبل آليـة الضغط على النظام، بطرق مختلفـة...

إلا أن القضية التي قد تكون أكثر جوهرية في رحلة (كيري) ما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، وبعد أن أعلن الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) أنه تبادل رسائل حول هذا الملف مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، ما يُمثل بداية لعملية "إختراق سياسي" للملف المغلق منذ سنوات، خاصة وأنها المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف بتبادل الرسائل بين رئيس أمريكي وإيراني؛ فالمسألة النووية الإيرانية تُشكل قلق دائم لدولة الاحتلال، وتضعها على رأس أولوياتها، وتفوق كثيراً أهمية السلاح الكيماوي السوري بالنسبة لها، بل أنها لم تتعامل كثيراً مع أخطار ذلك السلاح، فما قد يبدو أنه ربح عسكري لإسرائيل في صفقة جنيف، إلا أن الصفقة الأهم والأخطر ستكون "الملف النوي الإيراني"...

دولة الاحتلال قد تكون أكثر قلقاً واضطراباً مما يعتقد بعض المتسرعين بتسجيل فرح دولة الاحتلال بمصادرة أو تدمير أو "اعتقال" السلاح الكيماوي، لأن إدارة الصفقة الكيماوية أعادت مركز ثقل الفعل إلى روسيا الاتحادية، وقد أثبتت موسكو أنها تملك من الدهاء السياسي ما يفوق ما كان لها زمن الاتحاد السوفيتي، وتحوّلت من عنصر معطل لأي قرار لا يتناسب ورؤيتها إلى فاعل إيجابي بل ومحدد لقضايا دولية وإقليمية، وهو ما يُمثل مصدر قلق حقيقي لدولة الاحتلال مع البدء في بحث "الملف النووي الإيراني"، حيث بات واضحاً أن النتيجة التي سيكون عليها ذلك الملف لم تكون "نصراً أمريكيا" تحت أي ظرف، وبالتالي ما ليس هو "نصر أمريكي" سيكون بالقطع خسارة لدولة الاحتلال، ومن هنا تبدأ الحكاية الجديدة التي تُثير توجس قادة (إسرائيل)...

هكذا بدأت رحلة "الوفاء الأمريكي" فوراً لوضع قادة (إسرائيل) فيما كان من جوهر وتفاصيل الصفقة التي تمت، والأهم فيما تحمل الأيام القادمة من بحث جاد للملف النووي الإيراني، خاصة وأن الرسائل بين واشنطن وطهران بدأت بعد انتخاب روحاني وتصريحاته التي منحت أملاً بنهاية إيجابية لملف معقد وحساس...

هل تُدرك بعض قيادات العرب وأدواتهم الإعلاميـة أنهم لا شـيء في الحسـاب الاسـتراتيجي للمصالح الأمريكيـة.. وأنهم ليسـوا أكثر من مموولين لأي عمل تريده واشـنطن ضد الآخرين، ومصدر لتعزيز وتحسـين الاقتصاد الأمريكي في ظل أزماتـه..!!؟؟

ربما هناك من بدأ يُدرك ولكنـه لا زال مُصراً على أنـه يرى ما لا يراه غيره.. العناد جزء من منظومـة الغباء دوماً!!

16/09/2013
كتب حسن عصفور