بعد ان أعلن حاكم قرطبة ووزير الأندلس ابو الحزم بن جهور بسقوط الدولة الأموية في الأندلس تدافع حكام الولايات وأصحاب النفوذ في حشد اقاربهم ومناصريهم لتأسيس ممالك ودويلات صغيره يقيمون فيها حكمهم المستقل كل منهم عن الأخر , فانقسم الأندلس الواحد الى 22 دويلة لتصبح كل دويلة ساحة من ساحات الصراع لتسابق على الحكم و المناصب مما سبب المزيد من الضعف فجعلهم لقمة سهله لأعدائهم في الشمال , فوصل بهم الأمر الى أن يستقوي كل منهم على الأخر بالاستعانه بالعدو الشمالي لهم (الملك ألفونسو السادس) ودفع الجزية له , فعرفت تلك الحقبة بملوك الطوائف.
وما يدور اليوم في وطننا العربي الكبير ما هو الا تكرار لما حدث في الماضي البعيد القريب , فعندما كنت اطالع أحد كتب التاريخ عن عوامل ضعف الأندلس و أسباب سقوطها لم أجد ذلك الشعور الذي يصاحبني دوما عندما اجهد نفسي في تخيل الماضي وطبيعة العوامل المحيطه به مع كل حقبة اطالعها فوجدت نفسي اشعر وكأنني اطالع التاريخ الحديث لوطننا العربي والواقع الذي نعيشه اليوم وكأن ذاك الزمان حاضر بين ظهرانينا , أو أنه تقدم بسائر الأمم وتوقف عندنا فالقتل وسفك الدماء والتسابق في الاستقواء بالعدو هو ذاته , فوطننا العربي الكبير قسم الى 22 دويلة وكل دويلة به عاجزة عن تحقيق امنها الكلي رغم ما تملكه من ثروات وعوامل طبيعية وجغرافية ثمينه بل وزاد الأمر في ذلك فأصبح هناك ضريبة يأخذها العدو على كل مورد تمتلكه الأمة....
والفرق بين ما كان وبين ما هو حاضر ان الأولى قسمتها عوامل الطمع والضعف الداخلي الناتج عن ترامي الأطراف البعيدة للدولة وعن غياب الحاكم الحازم المخلص والثاني ( واقعنا الحالي ) فقد خطط له من اغتنم الفرصة في ضعف الأولى اي الأندلس فجعل أعدائها السابقون يعيدون لوطننا العربي نفس السيرة والحكاية فقسمنا بعدد ما تقسم الأندلس وتكالب علينا جميع أعداءه .
فليس الهدف من ذلك هو سرد القصص والحكايات التاريخية وانما للنظر في الماضي لأخذ العبر في الحاضر وتجنبها في المستقبل وما يدور في ساحات وطننا العربي والدماء التي تسيل به تحتاج منا ان نتوقف ونتدبر لحقن الدماء من أجل ميلاد المستقبل المزدهر بعد المخاض الطويل الذي عصف بهذه الأمة .
, فتراشق الاتهامات والتخوين الذي نشهده بين مناصري الأنظمة ومعارضيها ما هي الا وسيله ليسد بها كلا الطرفين اذنيه لتكون هناك معركة من حوار "الطرشان" يغطي بها كل طرف اخطاءه ليلصقها بالاخر وان يتستر بها المجرم عن جرائمه تحت شعارات كثيرة منها "قتل المتأمرين" او "من أجل الحرية" ولكن يحب علينا أن نتوقف على السؤال الذي طرحه غاندي قبل عقود وهو : ماذا يهم الموتى باسم ماذا قتلوا، باسم الاستبداد، أو الحرية؟؟
فالأنظمة العربية تتحمل الوزر الأكبر لما يدور اليوم في ساحاتنا العربية إما لانها من يرتكب الجرائم و يسفك الدماء وإما لأنها كانت المسبب والعامل الأساسي بذلك بسبب سياساتها القمعية التي تستهدف معارضيها وكل صوت وطني حر شريف لتنتهي به دروب الحياة إما على اعواد المشانق او في دروب المنفى ليكتب و يصرخ كما يشاء حتى يداهمه الموت او تتغلب عليه امور الحياة , فأفرغت بذلك الساحات الوطنية من المعارضة الحقيقية ومن أصحاب الأيدلوجيات المدروسة والممنهجه لتغير الوضع الفاسد لتتسع الطريق أمام أعداء هذه الأمة والمتربصين بها في ان يستغلوا اموالهم ومنابرهم الإعلامية في سرقة الالم الذي كنا نتلوع منه لعقود طويلة وسرقة امال وطموح الشعب بالتغير والمحاولات المستمره في حرفه عن مساره بالتغير ليصبح نسخه بوجه أخر عن النظام الذي ثار عليه الشعب .
فيا ملوك الطوائف انسطوا لشعوبكم و لاتجعلوا من وطني الاندلس المفقود ولا تجعلوا منه ذاكرة تنحصر بين دفتي كتاب لا نتذكرها الا يوم ننفض الغبار عنها .
بقلم/أسعد عطاري
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت