الإغاثة الإجتماعية في وسائل الإعلام و دور المؤسسات

بقلم: آمال أبو خديجة


لا يكاد يخلو يوم دون أن ترى في إحدى وسائل الإعلام المكتوبة أو المسموعه أو المرئية إستغاثة من إحدى المواطنين الفلسطينين لطلب مساعدة إنسانية لمشكلة من مشكلات الحياة حيث تتنوع ما بين طلب مساعدة لأحد الأبناء المتفوقين لإكمال تعليمه الجامعي رغم تفوقه، أو مساعدة في توفير إحدى الأجهزة لإعاقة، أو إجراء عملية جراحية أو غيرها من الحاجات الإنسانية والإجتماعية الضرورية للإنسان الفلسطيني .
القانون وكرامة الإنسان
القانون الأساسي أكد على حق الإنسان الفلسطيني في الحياة الكريمة والتمتع بالحقوق والحريات وهذا واجب ملزم على مؤسسات الحكومة أن تقوم بالسعي نحو توفيره لكل مواطن حتى لا يلجأ إلى الطلب والحاجة من الناس فتهدر كرامته وإنسانيته ، كما أن غالبية القوانين الإجتماعية أكدت على حق المواطن الفلسطيني في الحصول على ما يسعى إليه القانون من تنظيم الخدمات سواء كان فرص العمل أو التعليم أو الصحة والعلاج أو غيرها من الحقوق المشروعة للمواطن كما أكدت عليها مواثيق حقوق الإنسان الدولية .
أسباب طلب الحاجة الإجتماعية
إن نظرة متفحصة للوضع الإقتصادي والمادي للشعب الفلسطيني سيجعلك تتوصل لمعرفة الأسباب وراء ذلك وكم حجم الأسر الفلسطينية التي لا تُحصى ضمن الأسر المحتاجة بحاجة إلى العوز والمساعدة، فالوضع الإجتماعي العام للمجتمع الفلسطيني يعاني من تدني في فرص العمل وزيادة البطالة وتدني في الأجور مما يجعل المواطن عاجزاً عن تلبية حاجاته الضرورية حيث نسبة البطالة حسب دائرة الإحصاء ما يعادل 37% وأغلبها للفئة العمرية ( 20-24 ) سنة وهم فئة الشباب وخريجي الجامعات، كما أن إرتفاع الأسعار وتدني فرص الإستثمار ونسبة المشاريع الداعمة في فلسطين أثرت على الإقتصاد الفلسطين ، ناهيك عن دور الإحتلال الإسرائيلي والإستيطان والإستيلاء على الأرض ومدخراتها وممتلكات المواطنين مما زاد من فرص الحاجة وعدم القدرة على العيش بالحياة الكريمة .
كما أن غالبية المجتمع الفلسطيني يعاني من آثار الإحتلال الإسرائيلي من خلال الإعتقالات لكثير من رب الأسرة أو إصابته بإعاقة أو إستشهاده مما حال دون توفر مُعيل أساسي للأسرة ويكون الإعتماد على الأم في هذه الحالة وما يقدم من قبل مؤسسات الحكومة من مساعدات مادية لا تكفي لحاجة الأسرة والأبناء .
ولكن التساؤل : لما هذا التزايد بإقبال المواطنين على وسائل الإعلام لطلب المساعدة المادية ؟
عندما يعجز الإنسان من الحصول على ما يريده بصورة سريعة وسهلة دون أن يلجأ إليها بل يجدها متوفرة من خلال ما وضعت الحكومة من خطط داعمة وميسرة لحياة الإنسان وما فرضت من قوانين تحمي حقوقه وتوفر له حاجاته الأساسية وتسعى إلى تلبية حاجاته الترفيهيه والإهتمام بتحقيق كرامته وسعادته عندها لا يجد سبيلآ آخرإلا اللجوء لوسائل بديلة ليرفع صوت الإغاثة للمجتمع لينقذه من مشكلات الحياة الكثيرة والمتزايدة .
أغلب الأحيان عندما يلجأ المواطن الفلسطيني المسكين إلى مؤسسات الحكومة أو الإغاثة بشكل عام داخل المجتمع الفلسطيني يحتاج لساعات وأيام ينتظر لعل صوت إستغاثته تلقى إستجابة سريعة لكنه يعود إلى بيته ليس معه شيء إلا خيبته بالإجراءات الطويلة للموافقة على طلبه أو عدم توفر الخدمة وقلة الموارد المادية أو عدم مناسبة ظروفه مع متطلبات صرف الحاجة مما يدعوه للجوء لصوت آخر لعله يجد فيه الضمائر الحية الأسرع قرباً لتلبية حاجته .
فالإعلام ووسائله الصوت الجرئ والأسرع في الإعلان عن حالة الإنسان المحتاج للملأ ليقدم أهل الخير في الغالب يد العون والمساعدة في لحظات بعد أن يتم نشر قصته وتداولها، فنجاح هذا الامر شجع الكثيرين مما يحتاجون للمساعدات ويمرون في ظروف إجتماعية صعبة للجوء إلى هذا الباب سريع الإستجابة لحاجاتهم بدل الإنتظار الطويل على أبواب المؤسسات ولعل لا شيء يأتي .
دور المؤسسات الإجتماعية
رغم دور الإعلام الكبير في المساهمة بالدعم الإجتماعي ومساعدة أفراد المجتمع وتسهيل أمورهم من خلال تشجيع التكافل الإجتماعي دون تنظيم إلا أن هذه الوسيلة في تقديم المساهمات والمساعدات الإنسانية للمحتاجين ليست هي الأنسب والأصلح لحل المشكلات الإجتماعية لأفراد المجتمع وذلك لما لها من أضرار نفسية وإجتماعية على المحتاجين وإهمال لدور المؤسسات المسؤولة عن ذلك والتي من الواجب أن تقوم بهذا الدور وتنظم عملية التكافل ووضع الموازنة المالية والصناديق الداعمة لرعاية أفراد المجتمع .
المؤسسات الإجتماعية القائمة على تقديم الدعم المادي للأسر الفقيرة سواء كانت على المستوى الحكومي أو الخاص لا تشكل سوى نسبة قليلة من المجتمع كما أنها تركز على فئة معينة بعد أن يتم مسحها إجتماعياً والتأكد من وجود حاجة فعلا لهؤلاء الأفراد ضمن معايير محددة لعل بعض منها بحاجة لمراجعة في التقييم للحاجة الإجتماعية وتقديم الدعم لا يكفي لقوت أيام قليلية كما لا تراعي وجود أفراد داخل الأسرة لهم حاجات خاصة يجب أن تعمل على تمويلها مثل التعليم والرعاية الصحية وغير ذلك ، كما أنها تركز على الدعم المادي فقط ولا تقوم بتقديم حلول جذرية للأسره الفقيرة من خلال تشجيعها على عمل مشروع خاص يؤدي لتوفير الدخل الشهري أو رفع مستوى المعيشة داخل الأسرة ، كما أن عدالة التوزيع من قبل المؤسسات على الأسر والمحتاجين لا ترتقي للمستوى المطلوب حيث هناك من هم بأشد الحاجة للمساعدة ولا يتم النظر إليهم وتقديم أي مساعده لهم تحت حجج كثيرة وذرائع ليس لها أي قيمة .
آثار فقدان العدالة
إن عدم سعي الحكومة ومؤسساتها إلى التخطيط الجاد نحو التنمية الإجتماعية والإقتصادية التي تحقق الحياة الكريمة للإنسان والمواطن الفلسطيني سوف يؤدي لوجود عواقب سلبية على المجتمع خاصة في ظل ظروف يزداد فيها تدني الأمن الإجتماعي والغذائي والإقتصادي وغيره ويتراجع فيها مستوى قدرة الفرد على تلبية متطلبات الحياة الأساسية مما سيؤدي لبعض الأفراد نتيجة الضغط النفسي والكبت الداخلي للإنحراف عن سلوكه السوي في المجتمع فيسعى نحو عمل غير قانوني من خلال السرقة والإحتيال والنصب والقتل في حالات معينة كما أن وجود كبت المشاعر وشعور الحرمان من الحقوق سيؤدي بالفرد إلى سرعة الغضب والإنفعال عند وجود أي مؤثر خارجي أو إختلاف في الرأي مما يؤدي لردة فعل تفوق الحدث لعلها تؤدي لإرتكاب الجريمة في بعض المواقف الإجتماعية وإرتفاع نسبة الطلاق أو العزوف عن الزواج .
كما أن الشباب سيلجأ إلى المخدرات وإلى طرق عمل غير مشروعة ومنها استغلال الإحتلال لهم لتجيشهم نحو العمالة أمام المغريات المادية كما سينتشر الإنحراف السلوكي والإعتداء على الحقوق وجرائم التحرش الجنسي والإغتصاب لعدم قدرتهم على الزواج أو وجود ما يفرغ طاقتهم الشبابية نحو العمل و النشاطات الترويحية والرياضية .
ومنها أيضاً زيادة التسول على الطرقات أو الإقبال على طلب المساعدة من الآخرين من أفراد المجتمع الموسيرين من أجل سد حاجة معينة سواء بتبني طالب علم أو علاج مريض أو تغطية نفقات أجهزة وغير ذلك أو اللجوء لإرهاق المواطن بالديون والقروض البنكية التي ستبقى الهم الأكبر عليه ولعلها تكون سببا لخسارته لصحته وحياته .
والخشية أن يصل المواطن لشعوره بالحرمان والقهرعندما يقارن مستوى حياته مع دول أخرى متحضرة تهتم بمواطنيها وتوفر كافة الحاجات الأساسية لهم مجاناً مما سيفقد البعض إحساسه بالمواطنة والإنتماء والثقة بأصحاب القرار .
العدالة الإجتماعية للجميع
إن الدول المتحضرة اليوم هي من تعطي الأولية للإنسان داخل مجتماعاتها وأهيمة توفير الحياة الكريمة حتى وصلت إلى توفير كل أساليب الترفيه عن النفس كي يكون الإنسان إنسانا سويا يسير نحو التطلع للغد ويرتقي بمجتمعه ومؤسساته ، لذا نجد معظم الدول الغربية المتطورة لديها نظام إجتماعي قائم على العدالة للجميع حيث تضع صناديق داعمة للإنسان في كل مراحل حياته منذ أن يكون جنيناً إلى أخر مراحل حياته وشيخوخته ، حيث يحظى بالرعاية الصحية ومخصصات البطالة والتعليم المجاني وتوفير الحاجات الخاصة لذوي الإعاقة وغير ذلك من خدمات ومخصصات تصرفها الحكومة على مواطنيها في مراحل حياتهم المختلفة ، لذا نجد أنهم يسيروا باستمرار نحو التقدم وتحقيق الرضي الإجتماعي لمجتماعتهم وتوفير النمو الإقتصادي من خلال ما يتم من تفاعل وتشارك ما بين المواطن والحكومة لتطوير الدولة والإرتقاء بين المجتمعات الأخرى .
إننا نطمح أن نرى دولتنا فلسطين قد إرتقت لمستوى هذه الدول المتطورة في تعاملها مع أفراد المجتمع وتوفير حقوقهم وتعزيز كرامتهم وتنظيم أمورهم بما يرتقي بإنسانيتهم والتعبير عن إبداعاتهم وتنمية قدراتهم لينمو المجتمع معا في كل الميادين وتحل مشكلاته تدريجيا بالمشاركة والتفاعل بين المواطن ومؤسسات الجكومة .
لعل البعض يقول أن الموارد قليله والإحتلال عقبة في طريق ذلك ولكن أعتقد أن هذا وهم وعذر أقبح من ذنب لا يُعطي مبرراً أن لا توضع خطط إستراتيجية واضحة وحقيقية تهدف إلى بناء الإنسان والإرتقاء به بدأ من التعليم وإنتهاء بمرافق الترفيه المختلفة ولكن نحتاج إلى عقول نيرة ومخلصة تحرص على مصلحة المواطن فوق كل شيء .

آمال أبو خديجة


جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت