المفاوضات والتسوية الدولية في المنطقة

بقلم: عباس الجمعة

طغت التطورات المتسارعة في المنطقة على موضوع المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، بحيث لم يعرف بعد ما الذي حققته حتى الآن، خصوصاً ان وسائل الاعلام حولت اهتمامها نحو ما يجري في سوريا والمنطقة ولم تلاحق سير هذه المفاوضات وتخرق سريتها.
وفى ظل المعطيات القائمه والتطورات ألأقليمية التى تشهدها المنطقة يمكن القول أن هناك فرصة تلوح فى سماء المنطقة ، فالمفاوضات تأتى هذه المرة فى ظل تحولات فى موازين القوى التى تحكم علاقات المنطقة بغيرها من الدول ، والتى تحكم أيضا المصالح ألإستراتيجية للولايات المتحده فى المنطقة ، وتأتى أيضا فى ظل بروز قوى إقليمية جديده لا يمكن تجاهل دورها، وتأتى في ظل تعثر ما يسمى ثورات التحول العربى ، وفقدان بعض قوى الاسلام السياسي دوره ، حيث فقد الكثير من حلفائه بعد ثورة مصر الشعبية ، وتأتى المفاوضات وخيارات الحرب والتسوية السياسية تتراوح بالنسبة لسوريا ، والتي بلا شك ستكون لها إنعكاسات على مستقبل المنطقة ، وإعادة صياغتها ، ومفتاح كل هذه التحولات هى القضية الفلسطينية.
لهذا نرى ان الشعب الفلسطيني الذي يحدد خياراته بالتصدي لاي اتفاق ينقص من حقوقه ويتخلى عن ثوابته، ولن يكون إلا ما سيقرره الشعب الفلسطيني والذي لن يكون أقل من دولة كاملة السيادة بعاصمتها القدس مع ضمان حق العودة للشعب الفلسطيني الى دياره وفق القرار الاممي 194 .
ان ما يجري اليوم في المنطقة من إدارة الصراع تديرها دول الغرب الاستعماري وبعض الانظمة العربية تتطلب ممارسة أقصى درجات الحزم والصرامة في التعامل مع الجدول الزمني لالتزامات التسوية ، فتوازن القوى الفعلي على الأرض هو العنصر الحاسم ومن الضروري الانتباه إلى ان إقلاع التسوية يبدو محكوما بمعادلات قاهرة رغم المكابرة الأميركية والغربية التي تردع برفع سقف التحدي والانتباه لكل شاردة وواردة .
ان توازن القوى العالمي الجديد الذي سيترسخ ميزته بسقوط الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة التي تصرفت طيلة ثلاثين عاما باستعمال قوتها العسكرية في بلطجة دولية غير مسبوقة تعاملت خلالها مع الأمم المتحدة باعتبارها جهازا ملحقا بوظيفتها لتنفيذ القرارات والطلبات الأميركية والسير بالأمر بينما كان الشركاء الدوليون الآخرون وبالذات روسيا والصين في حالة انتظار وترقب واعتراض سياسي على العربدة الأميركية في أحسن الأحوال إلى أن أتاح انتصار المقاومة اللبنانية عام 2006 لهذين الجبارين التصرف على خلفية تبدل التوازنات العالمية من خلال ما توج واقعيا بمعادلة الردع الاستراتيجي دفاعا عن سوريا وهي معادلة ختمت عهد الحروب الأميركية والهيمنة الأحادية وردت ملفات النزاع في العالم إلى سلطة مجلس الأمن وتوازناته المحكومة بالفيتو.
ان العلاقات بين القوى الكبرى الفاعلة وبصورة خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا وكذلك بين الولايات المتحدة وإيران والصين وغيرها من مجموعة البريكس تستوطن ملفات نزاع وصراع وتناقضات كثيرة وهي تؤسس لمنافسة مفتوحة على الطاقة والموارد في العالم وعلى الأسواق التجارية وستبقى محركا مولدا للتناقضات وللاستقطاب الحدي على المستوى العالمي دون إتاحة انحدار الأمور نحو حافة المواجهات العسكرية الدولية وحيث سوف تتحكم من الآن فصاعدا في جميع الأزمات وعلى صعيد جميع دول العالم الثالث التوازنات المحلية بينما تلجأ القوى الفاعلة والمتحركة في أقاليم الصراع الدولي إلى أدوات التدخل غير المباشر في سعيها لترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك وهو ما يميز مناخ الحرب الباردة الجديدة التي لا يحكمها تقاسم ثابت لمناطق النفوذ على طريقة يالطا كما يهيأ للبعض ففي يالطا جرى تقاسم النفوذ بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على أساس خطوط التماس الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية الناشئة عن انتشار جيشي الدولتين الأعظم ودار بعد ذلك الصراع على النفوذ في الأقاليم الواقعة خارج تلك الخطوط أما في الظرف الحاضر فلا خطوط تماس واضحة لمواقع النفوذ بل تداخل وتشابك يشمل الكرة الأرضية في حركة المصالح والتحالفات وبالتالي لا تسويات جاهزة وشاملة لكل القضايا والصراعات بل قواعد جديدة للاشتباك والمنافسة في حرب باردة جديدة تشترك فيها القوى العظمى النافذة في العالم ومنها في منطقتنا إيران التي استطاعت بفضل صمودها مع حلفائها وتمسكها باستقلالها وتطورها الهائل اقتصاديا وتقنيا أن تفرض الاعتراف الأميركي بدخولها إلى نادي الكبار.
وفي ظل هذه الظروف نرى إن الوضع الدولي هو وضع معقد وخطير ، وخاصة في ظل الصراع على تقاسم النفوذ والثروات، أم من منطلق احتمال إمرار تسويات، لان الصراع بين هذه القوى العالمية الكبرى من جهة والولايات المتحدة وشركائها سيحكم الواقع السياسي الدولي وما جرى حتى الساعة وبعد تكريس انتهاء الهيمنة الأحادية هو مجرد رسم السقف المانع لانزلاق الصراعات نحو مواجهة عالمية عسكرية كبرى وفتح قنوات الاتصال والحوار الأميركية مع روسيا وإيران ، وما يجري حاليا هو في حدود تبريد خطوط النزاع وفتح قنوات التفاوض وفي المسارين السوري والإيراني سوف يجد السيد الأميركي نفسه مضطرا للتراجع انطلاقا من ميزان القوى الذي أنتجه المخاض الطويل والممتد لسنوات من الصراع وهذا ما يولد مأزقا كبيرا للحكومات المتورطة خلف الولايات المتحدة في التهديدات على سوريا وفي التحرك العدائي ضد إيران ، ولهذ نخشى أن تكون هذه التسويات على حساب شعوب المنطقة ، وخاصة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض الى الظلم والطغيان الدولي ، وبطبيعة الحال المستقبل سوف يكشف نقاط عن حجم وأبعاد هذه التسوية
من هنا يجب على السلطة الفلسطينية الحذر من الوصول الى اي اتفاق من اجل الادارة الامريكية الراعية للمفاوضات اي إنجاز ظاهري، تحت يافطة السماح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على مزيد من الأراضي في الضفة الغربية، والإفراج عن المزيد من الأسرى، وتطوير البنية الاقتصادية في الضفة الغربية، وتوسيع نطاق التنسيق الأمني بين الطرفين، والاستمرار في العمل انهاء المقاومة في الضفة، وخاصة ان هنالك أو تبدلات حقيقية في الخريطة السياسية وميزان القوة في المنطقة.
وامام كل ذلك نؤكد بان هناك خيارات إستراتجية مطروحة الآن أمام الفلسطينيين، وأبرزها الوحدة الوطنية، والعمل على خلق برنامج وطني مشترك لكل الفصائل، والتمسك بخيارات المقاومة بكل أشكالها، إضافة إلى الاستمرار بالذهاب إلى المؤسسات الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه والعمل على عزل الكيان الصهيوني دوليا.
ختاما : لا بد من القول ان القضيه الفلسطينية قضية حية وهي قضية حقوق واهداف وان صمود الشعب الفلسطيني وتواجده على أرض وطنه، يتطلب اعتماد إستراتيجيه جديدة تستند الى الحقوق والوحدة والمقاومة الشعبية بكافة اشكالها ، فالمرحلة ليست مرحلة تسوية متوازنة وإنما مرحلة تشديد النضال.
كاتب سياسي