أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إنتاج المواقف ذاتها التي مازالت تنتهجها الدولة العبرية الصهيونية بالنسبة للقضية الفلسطينية ولمسارات الحلول السياسية التي يجري التعامل معها من خلال العملية التفاوضية التي عاودت الانطلاق نهاية يوليو الماضي بعد توقف طويل دام عدة سنوات. فقد كان خطاب بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والستين الأخيرة في نيويورك (18 ــــ 29 سبتمبر 2013) خطاباً صهيونياً بامتياز وإن مرَرَ بين سطوره عبارات جميلة عند الحديث عن معنى السلام وأهميته وذلك بعد انتقاله من التركيز على الموضوع الإيراني إلى الحديث عن الموضوع الفلسطيني.
فقد كانت الصحف العبرية قد سَرَبَت ونَشَرَت مضمون كلمة نتانياهو قبل سفر الأخير إلى نيويورك وإلقائه الكلمة إياها من على منبر الجمعية العامة وهو ماسمح للمتابعين بقراءة الموقف «الإسرائيلي» بشكل سريع ومسبق.
الحالة الدولية, وعبر لقاءات واجتماعات الجمعية العامة بدورتها الأخيرة كانت مُنشدّة تمام الانشداد لملفات «جديدة - قديمة» وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، والملف السوري، إلا أن الموضوع الفلسطيني كان هو الآخر عنواناً حاضراً وإن كان هذه المرة أقل سطوعاً في حضوره في دواخل وكواليس اجتماعات الجمعية العامة، حيث شهدت تلك الكواليس جهداً أميركياً من أجل تخفيف حضور الموضوع الفلسطيني انطلاقاً من المقولة الأميركية الجديدة التي تتحدث عن انطلاق العملية التفاوضية بين الطرفين برعاية وتوجيه الوزير جون كيري وبالتالي ضرورة تجنيب المجتمعين في الجمعية العامة من الدخول في تفاصيل عملية سياسية تسير بديناميات مدعومة وتحت رعاية الإدارة الأميركية. ومع هذا، نستطيع أن نُسجّل واقعتين إيجابيتين في إطار أعمال الجمعية العامة بالنسبة لفلسطين، أولاهما انعقاد جلسة عمل وزارية هامة جداً للدول الممولة لوكالة (الأونروا) بحضور الأمين العام للأمم المتحدة. وكانت ثانيتهما إلقاء الرئيس محمود عباس كلمة فلسطين وجلوسه في مقعد رؤساء الدول لأول مرة منذ الخطاب التاريخي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من على منبر الأمم المتحدة في ديسمبر 1974م.
وعليه، ففي الواقعة الأولى فقد عُقِدَ على هامش تلك الدورة للجمعية العامة الاجتماع الوزاري الزاخم في حضوره ونقاشاته لشركاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والذي أوصى بتقديم المزيد من الدعم المالي للوكالة، مع التشديد على أهمية المحافظة عليها والتزام الدول المعنية بتزويدها بدعم طويل الأجل وذلك بحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي وبحضور رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله والمفوض العامة للوكالة فيليبو غراندي ووفود عالية المستوى من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومن الدول الداعمة الأساسية لوكالة الاونروا.
ويذكر في هذا السياق أن الدفاع ومن على منصة المنبر الدولي الأول عن وجود وكالة (الأونروا) واستمرار عملها، هو دفاع عن القضية الفلسطينية وعن قضية اللاجئين التي تُشكّل جوهر المأساة الفلسطينية، فوجود الوكالة واستمرار عملها تعبير سياسي عن اعتراف والتزام المجتمع الدولي بالسعي من أجل الحل العادل للقضية الفلسطينية وعلى رأس تلك القضايا قضية حق العودة. عدا عن أهمية وجود الوكالة بالنسبة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين وما تقدمه الوكالة لهذا المجتمع من خدمات الإغاثة الاجتماعية والصحية والتعليم منذ قيامها عام 1949 بقرار أممي. فسجلات وكالة الأونروا تشير إلى أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين لديها فقط ملاحظة: هناك لاجئون فلسطينيون غير مُسجلين في سجلات وكالة الأونروا لأسباب شتى بلغ نحو خمسة ملايين وثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني حتى الأول من يناير عام 2013 من أصل 12 مليون مواطن فلسطيني يُشكّلون التعداد العام للشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية وفي الشتات، وهو الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين. فاللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية والمُسجلون لدى الوكالة يُشكّلون ما نسبته 17.1% من إجمالي اللاجئين المسجلين لديها، مقابل 23.8% في غزة. وفي الأردن بلغت حوالي 40% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، في حين بلغت النسبة في لبنان 9.1%، وفي سوريا 10.0% حيث يعيش فلسطينيو سوريا في الوقت الراهن تحت وطأت ظروفٍ ومحنٍ قاسية في حين تقوم الوكالة بتقديم يد المساعدة لهم على أكثر من جانب بما يفوق ماتقدمه حتى الجهات الفلسطينية الرسمية في إطار منظمة التحرير وعموم القوى الفلسطينية.
أما بالنسبة للواقعة الثانية، فقد جاءت عبر كلمة الرئيس محمود عباس من على منبر الجمعية العامة، وجلوسه في مقعد رؤساء الدول بعد قبول عضوية فلسطين المراقبة في الأمم المتحدة كدولة تحت الاحتلال. فقد كَشَفَت الكلمة إياها الاستعصاءات والمطبات التي مازالت تعترض عملية التسوية، وعلى رأس تلك الاستعصاءات انفلات غول التهويد والاستيطان الزاحف في مناطق مختلفة الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع رفض منطق الحلول الموقتة، ورفض الاشتراطات «الإسرائيلية» المتجددة كل يوم. وقد ووجهت كلمة عباس بحملة إنتقاد «إسرائيلية» صهيونية كان أبرزها إنتقادات وزير الشؤوون الاستراتيجية والاستخبارات «الإسرائيلي» وأحد عتاولة التطرف وقوى اليمين في الدولة العبرية يوفال شتاينتس الذي قال بأن «إسرائيل» كانت تنتظر من محمود عباس كلمة «أكثر إعتدالاً تعترف بيهودية دولة إسرائيل ولا تتجاهل ذلك» على حد قوله . الذي أضاف تعقيباً على ما قاله الرئيس الفلسطيني من أن النكبة كانت حدثاً تاريخياً لم يسبق له مثيل من حيث انعدام العدل، قائلا «إن النكبة هي نتيجة محاولة العرب تدمير دولة إسرائيل فور إقامتها». وبالطبع فإن منطق الوزير الاستخباراتي «الإسرائيلي» اليميني المتطرف هو منطق مُتهافت يقفز عن وقائع الأحداث والتاريخ القريب ويسعى لتزوير الحقيقة التي تقول بوقع نكبة فلسطين الكبرى بفعل عمليات التطهير والاقتلاع الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني على يد عصابات الحركة الصهيونية وأجنحتها العسكرية التي قامت ونهضت بفعل التواطؤ الدولي وتواطؤ سلطات الانتداب في حينها.
وخلاصة القول، إن الصوت الفلسطيني من على منبر الأمم المتحدة وإن كان دبلوماسياً «زيادة عن اللزوم» عبر طراوة كلمة الرئيس محمود عباس عند الحديث عن العملية التفاوضية، لكنه أمرٌ على غاية من الأهمية لجهة تكريس حضور فلسطين الوطن والأرض والهوية، ولجهة فضح وتعرية مسار العملية السياسية التي تديرها الولايات المتحدة بمسار أمني مقابل رشوة اقتصاديّة ومن دون مسار سياسي سوى المسار الذي يتناسب مع القبول باستئناف المفاوضات من دون أسس ولا مرجعيّة ولا ضمانات وبلا أوراق قوة، فالمفاوضات الفلسطينية مع حكومة نتانياهو تدور في طريق مسدود على امتداد الجولات الثمانية التي تمت منذ نهاية يوليو 2013 حتى الآن، حيث غياب جدول أعمال محدّد وملموس، وتناول للعموميات فقط، فيما يركز الجانب «الاسرائيلي» على مايريده. فشروط نتانياهو جعلت «المفاوضات مرجعية نفسها»، وعطلّت دور الأمم المتحدة والرباعية الدولية بالانفراد الأميركي.
بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن القطرية
الأربعاء 2/10/2013