نَجَحَت وكالة الأونروا هذه المرة في إختبار العمل المباشر على الأرض، من خلال دورها الفعّال نسبياً وحجم المساعدات التي قدمتها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قياساً لما قدمته الأطراف الفلسطينية مجتمعة وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية
فقد قَدَمَت الوكالة المساعدات العينية والنقدية لعموم العائلات الفلسطينية المقيمة في سوريا، وقَدَمَت كذلك المساعدات للعائلات الفلسطينية التي غادرت سوريا بإتجاه لبنان، والتي أقامت في التجمعات الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية كمخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا ومخيمات بيروت، إضافة لمخيم البداوي قرب طرابلس شمال لبنان.
وإستنادا لآخر إحصائية نشرتها وكالة الأونروا في منتصف شهر آب/أغسطس 2013، فإن ما يقارب من (45,000) لاجئ فلسطيني قد وصلوا من سورية إلى لبنان نتيجة الوضع الراهن. كما أن لاجئي فلسطين من سورية والذين يصلون إلى لبنان يعتمدون بشكل كبير على المجتمع المضيف من أقاربهم في لبنان وعلى وكالة الأونروا وهم في حاجة إلى المساعدة الإنسانية في قطاع واسع من المجالات، بما في ذلك الحماية والمعونة النقدية لأجل الغذاء والسكن والملابس الشتوية والمواد غير الغذائية والرعاية الصحية والتعليم الطارئ والدعم النفسي الاجتماعي والصحة البيئية.
دور الأونروا المشكور، هو دور أممي مُفترض وضروري ولازم، يَحمِلُ معنى ومغزى سياسي كبير، يؤشر على مسؤولية المجتمع الدولي عن الظُلم الكبير الذي لحق وأحاق بالكتلة الأكبر من الشعب الفلسطيني من الذين هُجّروا من أرض فلسطين عام النكبة بفعل عمليات التطهير العرقي الصهيونية، وهم يشكّلون الآن أكثر من (65%) من عموم أبناء فلسطين في الداخل ودياسبورا المنافي والشتات من أصل العدد الكلي للشعب العربي الفلسطيني والبالغ نحو (12) مليون نسمة.
إن دور وكالة الأونروا تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين عموماً وإن طرأ عليه تراجع لجهة تقديم الخدمات على ضوء الشح المتواصل في ميزانية الوكالة وتراجع مداخيلها، وتزايد الأعباء عليها مع تزايد أعداد اللاجئين الفلسطينيين وتزايد حاجاتهم الفعلية، إلا أن دور الوكالة كان مُلفتاً هذه المرة تجاه فلسطينيي سوريا، وهو دور مازال بالرغم من ذلك يحتاج للمزيد من النهوض والتقدم في ظل المحنة الكبرى التي يتعرض لها فلسطينيي سوريا نتيجة الوضع القائم في البلاد وحلى التشتت الجديدة التي بات يعيشها أكثر من (70%) من فلسطينيي سوريا البالغ عددهم نحو (530) ألف لاجئ فلسطيني يحمل مُسمى (فلسطيني سوري).
إن مايزيد من أعباء المرحلة والمهام المطروحة أمام عمل وكالة الأونروا عاملين إثنين: أولهما تزايد إحتياجات مجتمع اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين، من إغاثة وصحة وتعليم، مع النمو السكاني الطبيعي، خاصة وأن المجتمع الفلسطيني واللاجئين منه على وجه الخصوص يتمتع بدرجة عالية من الخصوبة تتجاوز (7,5) وهو رقم مرتفع بقياسات النمو السكاني في العالم. وثانيهما في ضرورة سد الحاجات التي ولدتها الظروف الصعبة لبعض مواقع اللجوء الفلسطيني وتحديداً فوق الأراضي السورية وكذلك اللبنانية حيث الفاقة الكبيرة والعوز المتزايد مع القوانين والتشريعات اللبنانية التي لاتتيح فتح فرص العمل والإنتاج أمام اللاجىء الفلسطيني. فضلاً عن مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة وأوضاعها المتدهورة في ظل وجود الإحتلال وسياساته المتواصلة.
وهان لابد من الإشارة إلى أن وكالة الأونروا من أقدم وأكبر وأوسع المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، ترعى بذات الوقت أقدم اللاجئين على كوكب الأرض في حياة ليس فقط الأمم المتحدة بل وعصبة الأمم التي سبقتها في الميلاد. فقد لعبت دوراً مهماً على صعيد تقديم الخدمات لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين بجوانبها الثلاثة (الخدمات الصحية، الخدمات التعليمية، خدمات الإغاثة والعمل الاجتماعي)، وفوق كل ذلك لعبت دوراً رئيسياً قد يتقاطع الرأي بشأنه عند الكثيرين في الحفاظ على الشخصية الفلسطينية وتوحيد شمل الشتات الفلسطيني وشتات الداخل الذي لجأ إلى مناطق الضفة والقطاع والقدس الشرقية. وبذا ساهمت وكالة الأونروا في إستمرارية وحدة الشعب الفلسطيني أمام محاولات مستميتة بذلت طوال عقود لإنهاء وشطب هوية الشعب الفلسطيني في الشتات وهوية اللاجئين على أرض فلسطين. وأعتقد بأن هذا الدور الكبير لا يقل أهمية عن الدور الخدماتي الذي أنيط بالاونروا منذ تأسيسها. ولا يقل عن الدور اللاحق الذي مثله إنبعاث منظمة التحرير الفلسطينية كشخصية إعتبارية كيانية أعادت صيانة وحفظ الهوية الوطنية لعموم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات .
في هذا السياق، من المهم الإشارة للإجتماع الهام والزاخم والإستثنائي الذي عَقَدَهُ شركاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) على هامش إجتماعات الدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بحضور وفود كبيرة على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) والمفوض العام للوكالة (فيليبو براندي) والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، وبحضور رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله ووفود عالية المستوي من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومن الدول الداعمة الأساسية للأونروا، وقد ركز الاجتماع على الوضع المالي الحالي الحرج الذي تعيشه وكالة الأونروا والمتأتي بسبب تنامي الطلب والضغوط على خدماتها، وأيضا عن تنامي الصعوبات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة على وجه الخصوص والاضطرابات الإقليمية التي أثارتها الأزمة السورية وماتسببته من أوضع صعبة فَرَضَت نفسها على اللاجئين الفلسطينيين المُسجلين في سوريا.
وفي الإجتماع المشار إليه أبدت الدول المعنية عن إستعدادها لتقديم الدعم المالي المطلوب منها لصالح عمل وإستمرار وكالة الأونروا وتزويدها بدعم طويل الأجل ويعتمد عليه، وزيادة تمويل موازنة الوكالة. وهنا يقع على عاتق الدول العربية والإسلامية المعنية الإيفاء بتعهداتها بتقديم الدعم المالي للوكالة أسوة بباقي دول العالم.
أخيراً، إن الدفاع عن إستمرار وكالة الأونروا وعن إستمرار دورها وواجبتها تجتاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين هو دفاع عن قضية فلسطين وعن قضية حق العودة. فقارار إنشاء الوكالة عام 1949 ربط بين إستمرار عملها بالحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال عودتهم إلى أرض وطنهم فلسطين حيث تم إقتلاعهم من حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وصفد وطبرية ...
--
بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن العمانية
تاريخ الخميس 3/10/2013