طالب ممثلو منظمات أهلية وحقوقيون ومحامون وخبراء واعلاميون ضرورة تحسين البيئة القانونية الداعمة للوصول للعدالة وخلق حالة من الحراك المجتمعي القانوني والاستمرار في تقديم خدمات العون القانوني للفئات الهشة من خلال تعزيز دور العيادات القانونية الموزعة جغرافيا أو تلك المتحركة في جميع أرجاء القطاع لإيصال الفئات الهشة لسبل العدالة ونيل الإنصاف العادل لمظالمها عبر تقديم خدمات العون القانوني المجاني ويرفع الوعي القانوني لديها.
وشددوا على أن صحة التشريعات والقوانين المخصصة لحماية فئة معينة تقاس فعاليتها على أساس أن العدالة تأتي على رأس المعايير التي تنضبط بها معادلة الحق والواجب بحيث تضمن سلطة الدولة القدر المعقول من القبول لتلك القواعد الحقوقية (القانون) في علاقات الناس فيما بينهم من جهة, وفيما بينهم وبينها من الجهة الأخرى وذلك في كل الأوقات التي تصاحب الصيرورة التاريخية للدولة.
جاء ذلك خلال المؤتمر التي نظمته شبكة المنظمات الأهلية بعنوان (دور منظمات المجتمع المدني في التمكين المدني للفئات المهمشة) والذي يأتي ضمن مشروع تعزيز دور المنظمات الأهلية في التشبيك والضغط والمناصرة لدعم سيادة القانون في قطاع غزة بالشراكة مع برنامج دعم سيادة القانون والوصول للعدالة UNDP.
وفي كلمته الترحيبية قال مدير الشبكة امجد الشوا أن هذا المؤتمر يأتي ضمن مشروع دور المنظمات الأهلية والتشبيك والضغط والمناصرة ودعم سيادة القانون في قطاع غزة هو شراكة متجددة بين الشبكة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام الثاني على التوالي مؤكدا أنه يهدف بشكل أساسي إلى تفعيل دور منظمات العمل الأهلي في تكريس سيادة القانون والدفاع عن حقوق الإنسان وبخاصة الفئات الهشة والمهمشة.
وأوضح الشوا أن في هذا العام قامت شبكة المنظمات الأهلية ضمن هذا المشروع الذي استهدف أكثر من 40 مشارك ممثلي عن مؤسسات لعمل الأهلي ومن قطاعات مختلفة بتدريبهم في مجالات مختلفة فيما يتعلق بسيادة القانون والتشريعات والمناصرة والضغط والقضايا واستراتيجيات التحرك بالدفاع عن حقوق الفئات الهشة بشكل خاص.
وأشار الشوا أن المشاركين بالمشروع قاموا بتنظيم حملتي مناصرة وضغط الاولى حول الحد من العنف في المؤسسات التعليمية سواء العنف اللفظي أو الجسدي والثانية عن تسهيل وصول الاشخاص ذوي الاعاقة الى مقرات العدالة والقضاء مشيرا إلي أن هذه الحملات حققت انجازا كبيرا .
من جهتها عبرت نوال الدغمة عضو الهيئة الادارية لشبكة المنظمات الاهلية عن اعتزازها بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / برنامج دعم سيادة القانون والوصول إلى العدالة مؤكدة إن هذه الشراكة التي نعتز بها والتي كان لها أثر مهم في تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في تمكين الفئات المهمشة والهشة قانونيا وكذلك تكريس سيادة القانون.
وقالت ان تنظيم هذا المؤتمر يأتي في ظل الأوضاع الصعبه التي يعيشها شعبنا في ظل الحصار والعدوان الإسرائيلي المتواصل وتداعياته على مختلف أوجه الحياة في قطاع غزة، وكذلك الانقسام السياسي وتأثيراته السلبية على قدرة شعبنا على مواجهة الاحتلال وصمود أبناء شعبنا.
واكدت إن شعبنا الفلسطيني يتطلع إلى إنهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الوطنية التي تعتبر خطوة مهمة من أجل تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال معتبرة إن الحملات التي نُفِذت في إطار هذا المشروع حققت بلا شك نقلة نوعية في توجه مؤسسات المجتمع المدني تجاه القيام بدورها الأساسي في الدفاع عن حقوق المواطنين وبخاصة الفئات المهمشة.
ومن ناحيته عبر نائب مدير برنامج دعم سيادة القانون إبراهيم أبو شماله في كلمته عن فخره بالشراكة مع شبكة المنظمات الأهلية مؤكدا أنها تمثل نموذجا فذا في كل الاتجاهات، لاسيما أن الشبكة تعمل على تعميم المعرفة في دعم سيادة القانون بالنسبة للفئات الهشة, موضحا أن الأفعال والتدخلات التي قامت بها الشبكة وشركائها مميزة بحق وعملت على تهيئة البيئة المناسبة لتقديم الخدمات للمواطنين في القانون.
ولفت أبو شماله إلى أن جميع المؤشرات تدل على أن الفقراء والنساء والفئات الهشة التي تتركز غالبا في خارج المدن فيما يسمى بالعشوائيات والمناطق الريفية أو مخيمات اللاجئين أو المناطق الحدودية يواجهون مشاكل كبيرة تتعلق بالسكن والبطالة والأحوال الشخصية.
وأكد أبو شمالة أن الواقع للفئات المهمشة يؤكد انه في غالب الأحيان تكون هذه الفئات إما غير مدركة لحقوقها أو لا تعرف الحلول القانونية المتاحة أمامها بسبب تدني مستوى الوعي القانوني والفقر وعدم قدرتها على إيفاء تكاليف التقاضي.
و في الجلسة الاولى للمؤتمر والتي ترأسها عضو الهيئة الإدارية للشبكة ومدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين نضال غبن شدد المحامي سامر موسى منسق برنامج المساعدة القانونية لدى مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في ورقة عمله والتي جاءت بعنوان (واقع حقوق الفئات المهمشة) على ضرورة وضع أنظمة فاعلة لإيجاد سبل بديلة لتسوية النزاعات ونشر الوعي القانوني بين الفقراء واستحداث أنظمة أكثر قوة وتوفير العون القانوني وتوسيع كوادر الخدمة القانونية عن طريق الاستعانة بالمساعدين القانونيين ودارسي القانون وإجراء إصلاحات هيكلية تتضمن مجموعات المجتمع المحلي لمجابهة المخاطر القانونية.
وأوضح موسى أن للمعوق حق التمتع بالحياة الحرة والعيش الكريم والخدمات المختلفة شأنه شأن غيره من المواطنين له نفس الحقوق وعليه واجبات في حدود ما تسمح به قدراته وإمكاناته، ولا يجوز أن تكون الإعاقة سبباً يحول دون تمكن المعوق من الحصول على تلك الحقوق".
ودعا موسى إلى إنشاء نظام حوكمة في إطار مؤسسي يتسم الكفاءة ويعنى بحقوق الملكية ودعمها بما فيها ضمان الحيازة مشيرا إلي ضرورة الاستمرار في تقديم خدمات العون القانون بالمجاني للفئات الهشة : من خلال تعزيز دور عيادة قانونية موزعة جغرافياً أو تلك المتحركة في جميع أرجاء قطاع غزة من رفح أقصى الجنوب وحتى بيت حانون في أقصى الشمال.
وفي الورقة الثانية حول التمكين القانوني (الإطار المفاهيمي) والتي قدمها نائب مدير برنامج تعزيز سيادة القانون والوصول إلى العدالة إبراهيم أبو شماله اشارت أن طريق التمكين القانوني طويل المدى حيث تتجلى في مشهد كثير التحديات لعل أهمها نظم الحياة الاجتماعية والسياسات التميزية التي تفضي إلى شيوع الحرمان من تلبية الحاجات والخدمات بما في ذلك الحرمان من المساواة في القانون، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالتنمية البشرية وإعمال معايير الحكم الرشيد في السياسيات الاجتماعية.
وقال أبو شماله إنه يتبين أن استخدام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كمداخل للتمكين القانوني للفقراء يواجه عوائق مهمة تشمل عزوف بعض البلدان العربية عن الانضمام إلى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع بقاء غالبية التشريعات الرئيسة دون موائمة مع نصوص العهد.
بدوره قال الباحث التنموي الدكتور علاء أبو طه في ورقة عمله (الإطار التنموي للتمكين القانوني) أن المسالة الفلسطينية في غاية التعقيد في تناول البعد التنموي لوجود ظروف موضوعية متمثلة بالاحتلال، وذاتية بعدم انجاز التحرير والدولة، مشيرا إلي أن البحث في التنمية في فلسطين يأخذ طابعا خاصا باعتبارها عملية أساسية وليست ثانوية في مسألة التحرر الوطني، وان تأجيل استحقاقات التنمية على مشجب المسألة الوطنية ليست أداة ناجعة لخدمة الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية.
وأكد أبو طه انه لا يمكن إعاقة التمكين القانوني بفعل العوامل المتمثلة في الاحتلال والمسألة الوطنية، بل يجب أن يتطور ويتحول إلى مشروع تمكيني فردي وجماعي يمتد ليشمل مفهوم "التقاضي الاستراتيجي" المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن العون القانوني مشروعا متكاملا ويجب أن ينمو ليصبح مشروعا وطنيا قادرا على تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه باعتباره كله فئة هشة ومنكشفة على المستوى الجمعي.
واعتبر أبو طه أن تحقيق التنمية لا يقتصر على المجالات الإنسانية والأخلاقية والأدبية وليست قاصرة على المنتديات الاجتماعية والأكاديمية بل امتدت لتطال الأبعاد الحقوقية من خلال صياغة مبادئ تنموية لها طابع الزامى وقانوني.
ودعا أبو طه إلي تطويع مفهوم التمكين القانوني ليتوائم ومتطلبات الحالة الفلسطينية وخصوصيتها من جهة فانه يدعم باتجاه ترسيخ الحقوق الفردية والجماعية الخاصة، وبتعزيز سيادة القانون وبناء المؤسسات من جهة أخرى، موضحا أن بناء جسور الدمج والتفعيل لهذه الفئات يعتبر حق لهم والتزام قانوني من الحكومات والمؤسسات.
وفي الجلسة الثانية للمؤتمر التي ترأستها منسقة برنامج المناصرة في مركز شؤون المرأة وسام جودة تحدثت منسقة مجلس العدالة الجندرية في شبكة عون وفاء الأشقر عن تجربة حملات الضغط والمناصرة في حقوق الفئات الهشة، قائلة إن التمكين القانوني هو مقدمة للتمكين الاقتصادي الذي يصل بنا إلى تنمية مجتمعية مستدامة، موضحة أن شبكة عون تعمل على ثلاث مستويات وهي تقديم العون القانوني المجاني للفئات الهشة استنادا لمعايير الهشاشة التي قامت الشبكة بدراستها بعناية، وتحسين جودة الممارسة عبر دعم ومأسسة برامج تدريبية في نقابة المحامين وخارجها، و تهيئة البيئة الحاضنة للوصول إلى العدالة من خلال دعم قدرات العاملين في قطاعات العدالة المختلفة.
وأوضحت الأشقر أن البيئة القانونية في فلسطين منذ عقود من تعدد القوانين الموروثة واختلاف مرجعيتها والتي لم تعد بأي حال من الأحوال تتوائم بأي حال من الأحوال مع تطور المجتمع ووحدته.
وتطرقت الأشقر إلى بدء فكرة شبكة عون القانونية موضحة أن مجموعة من مؤسسات المجتمع المحلي وكليات الحقوق في جامعات القطاع وعلى رأسهم نقابة المحامين أخذت على عاتقها تشكيل ائتلاف من 22 مؤسسة لدعم سيادة القانون وتعزيز وصول الفئات الهشة وخاصة الفئات الأكثر عوزاً والنساء للعدالة مشيرة الى نجاح شبكة عون في تطويع أدوات القانون لخدمة الفئات الهشة خاصة أنها عملت على ترسيخ ثقافة العدل وسيادة القانون ، من خلال توفير الخدمات القانونية المجانية، وعلى وجه التحديد الاستشارات والوساطة والتمثيل أمام المحاكم كافة للمجتمع في المدن والقرى والبلدات ومخيمات اللاجئين.
وأشارت الأشقر إلي العقبات التي واجهت عمل الشبكة هي عدم وجود بيئة مهيأة واتجاه المواطنين إلى القضاء العشائري كبديل عن القضاء الرسمي لتوفير المال والوقت ، فلم تكن الطريق إلى التمكين القانوني ممهدة ، والتوتر الأمني وغياب ثقافة المساعدة القانونية المجانية وغياب ثقافة العمل الطوعي لدى المحامين إضافة إلى انه لم تكن من تدخلات مرسومة على صعيد التمكين من الوصول للعدالة.
وأوصت الأشقر إلى أن تحقيق الأهداف المنتظرة من هذه العيادات يتطلب ضمان استمراريتها و بهذا فقط تحقق أهدافها ، إضافة إلى المحافظة على إلقاء البعد التنموي على المعونة القانونية، و أن يكون للعيادات القانونية في الأعوام القادمة دور في إنتاج الاستقرار والأمن والعدالة من اجل الوصول إلى دولة القانون التي تلبي الوعود المحلية والدولية واحترام حقوق الإنسان.
ومن جهته أكد منسق قطاع التأهيل في شبكة المنظمات الأهلية ومدير جمعية أطفالنا للصم نعيم كباجة في ورقة العمل التي تناولت " تجربة حملات الضغط والمناصرة في حقوق الفئات المهمشة" أن الفئات الهشة هي المجموعات التي تعاني من مختلف صنوف التمييز المقصودة وغير المقصودة، وتأتي على أشكال مختلفة تتراوح بين العزل والحرمان من التعليم والعمل ومن أهم هذه الفئات المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشار كباجة إلى واقع قطاع غزة والذي زاد من حدته الحصار الخانق على القطاع والانقسام ومحدودية الفرص وقلة الموارد فإن فعالية منظمات المجتمع المدني في تمكين الفئات المهمشة قد تقلص بشكل ملحوظ وذلك نتيجة لتعطيل بعض القوانين كقانون المعوق الفلسطيني وتعطيل عمل المجلس التشريعي باعتباره الجهة المسئولة عن إصدار التشريعات والرقابة عليها حيث أصبح من المستحيل استصدار تشريعات جديدة تعمل على حماية الفئات المهمشة وحقوقهم السياسية والاجتماعية والصحية والمدنية والاقتصادية.
وأوصي كباجة بزيادة التشبيك والتنسيق بين الحملات العديدة الناشطة على الساحة في قطاع غزة لزيادة فعالية وتكامل هذه الحملات، وتفعيل دور قطاعات شبكة المنظمات الأهلية وخصوصاً قطاعات التأهيل والمرأة والطفل والشباب وحقوق الإنسان والتنسيق المستمر بين القطاعات.
وبدوره تطرق المحامي في نقابة المحامين سعيد عبد الله في ورقته عن "تجربة التقاضي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية" قائلا إن حق التقاضي من الحقوق الأصيلة للأفراد لاسيما وانه حق للشخص في اللجوء للقضاء للاستيفاء حق له ولدفع اعتداء عن ذلك الحق، ارتبط بحق التقاضي جميع الحقوق الأخرى التي قررها الدستور وتنظمها القوانين ولعل أهمها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي تمثل الجيل الثاني من قائمة الحقوق والحريات والتي نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وأكد عبد الله أن التجربة الفلسطينية في مجال استغلال القانون لخدمة المصلحة العامة تعتبر تجربة فريدة من نوعها في العالم العربي، حيث تشكلت بطريقة مغايرة لتجارب الدول العربية الأخرى بسبب الواقع السياسي المعيش والمتمثل بالاحتلال الإسرائيلي المستمر لأكثر من ستة عقود.
وأوضح عبد الله أن للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة بأن تقدم لهم يد العون والمساعدة، وأن توفر لهم كل ما هم بحاجة إليه لكي يعيشوا حياة لائقة وكريمة. أما الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق والحريات السياسية والمدنية فهي لا تعدو أن تكون التزامات سلبية تفرض عليها ألا تضع العراقيل أمام المواطنين وتحول بينهم وبين تحقيقها. وهو ما يفيد بأنه ليس للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة سوى بأن تخلو بينهم وبين ممارسة حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية.
وبين عبد الله انه على الرغم من أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى انه من الملاحظ أن الاهتمام بها من الناحية القانونية والعملية قد جاء متأخرا على العكس من الاهتمام بالحقوق السياسية والمدنية على الرغم من أن الحقوق الأولى هي التي تعطي لهذه الأخيرة مضمونها ومحتواها