الإخوان والإسلاموقراطية


في الأسبوع الأخير من شهر أيلول المنصرم عقدت قيادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين اجتماعين ، الأول في مدينة اسطنبول التركية ، والثاني في مدينة لاهور الباكستانية ، بهدف إعادة تنظيم الصفوف وإعادة ترتيب الأوراق وتقييم الأوضاع خاصة بعد ما آلت إليه الأمور على جماعتهم في مصر وإسقاط حكمهم من خلال الإرادة الشعبية المصرية .
وفي كلا الاجتماعين يلاحظ مما ورد في وسائل الإعلام المختلفة بأن البحث تركز حول ضرورة الإجابة على سؤال :-
( ما هي التحركات العملية لإنقاذ الإخوان في مصر ، وما هي الآليات اللازمة ، وكيف يمكن
تحقيق ذلك ؟؟ ) .
والمتتبع لنتائج وتوصيات الاجتماعين ، يرى بأن توصيات اجتماع ( لاهور ) الذي عقد برعاية " الجماعة الإسلامية " الباكستانية ، قد تركزت في أربع نقاط :-
1/ إنشاء صندوق مالي لدعم جماعة الإخوان المسلمين في دول الربيع العربي .
2/ تشكيل لجنة فكرية لتقييم وضع الجماعة الإسلامية والاستفادة من الأخطاء ، خاصة بعد ما حصل بمصر .
3/ تشكيل لجنة دولية إسلامية لحقوق الإنسان .
4/ تشكيل لجنة تحضيرية لإطلاق تحالف دولي لمناصرة الحريات والديمقراطية .
أما في اسطنبول ، فقد عقد المؤتمر الذي لقي اهتمام حكومي رسمي ، تحت عنوان ( العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب ) ، بإشراف " منتدى المفكرين المسلمين " وبالتعاون مع " مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان " و " الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين " و " المجلس التنسيقي الإسلامي العالمي " ، وقد تركزت محاور نقاشه على ثلاث نقاط :-
1/ التجربة الديمقراطية في البلاد الإسلامية .
2/ الموقف الدولي من التحولات الديمقراطية في دول الربيع العربي .
3/ مستقبل الحريات والديمقراطية في العالم العربي والإسلامي .
والملاحظ بأن توصيات مؤتمر اسطنبول لم تخرج عن إطار توصيات اجتماع لاهور ، بل جاءت مطابقة لمضمونها مع إضافة بند يتحدث عن (( تشكيل صندوق دعم ل- ضحايا الانقلاب في مصر - )).
من هنا نلاحظ تركيز التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ،في مختلف توصياته في الاجتماعين ، على مفهوم " الديمقراطية " و " حقوق الإنسان " ،، فهل حقاً يؤمن الإخوان المسلمين وغيرهم من الأحزاب ذات الأفكار الشمولية بالديمقراطية كمفهوم وثقافة وممارسة وأسلوب حكم ؟؟ ... أم هو مجرد استغلال لمفهوم يتعارض أساساً مع بناءهم الأيديولوجي ، بغرض تحقيق السيطرة على المجتمع المدني !! ... والتعامل مع ألفاظ ومصطلحات بطريقة مجردة وجعلها وسيلة للوصول للسلطة المطلقة التي تتناقض وطبيعة الممارسة الديمقراطية ؟؟
وما هي رؤيتهم لمفهوم " حقوق الإنسان " في ظل ممارساتهم التي خلقت مناخاً من العنف والسلوك السياسي الصدامي ؟؟ ... والشواهد على ذلك كثيرة خاصة في مصر وفلسطين .
وهل يتساوق وينسجم عنوان مؤتمرهم الاسطنبولي " العالم في ظل الانقلاب على إرادة الشعوب "
مع ما يحدث في مصر وفلسطين ؟؟؟ وما هو تفسيرهم لمفهوم الانقلاب ؟؟؟.
أوليس الإرادة الشعبية في مصر هي من قررت إسقاطهم بعد سنة من الحكم مورست فيها كل ألوان الإقصاء للآخر وتدهور الوضع الاقتصادي والسلم المجتمعي ؟؟؟ .
وهل ممارساتهم في قطاع غزة المختطف تتماشى مع مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التفكير والتعبير والرأي ؟؟؟ .
وانطلاقاً من سلوكهم في مصر وفلسطين نتساءل : هل الانتخابات وصندوق الاقتراع هي المركب الوحيد في مفهوم الديمقراطية ؟؟؟ ... أم هي مجرد ركن أصيل من أركان الديمقراطية !!.
وهل التفويض الانتخابي نسبي أم مطلق ؟؟؟ .
لا شك بأن الإخوان المسلمين وامتدادهم الطبيعي حركة حماس ، يتعاملون مع مفهوم الديمقراطية بصورة مجتزأة والنظر لصندوق الاقتراع والتفويض الانتخابي بأنه يتم لمرة واحدة وللأبد ، وبمجرد استلامهم زمام السلطة ومقاليد الحكم تبدأ عملية الإحلال والإقصاء للآخرين من منطلق أنهم الحاكمين بأمر الله على الأرض .
فكيف بإطار يتبنى الفكر الشمولي ، وينظر لمفاهيم مثل " الديمقراطية " و " حقوق الإنسان " بأنها أفكار مستوردة وألفاظ غربية علمانية ، ووسيلة من أدوات السيطرة الأجنبية ، ومن يدعو لها فهو كافر وعماني ،
أن ينادي ويطالب بها ؟؟؟ .أليس هذا التناقض بعينه !!.
فمن جهة يطالبون بحماية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان ، ومن جهة أخرى يمارسون كل أصناف الاستبداد ضد معارضيهم ، فهل بذلك تستقيم الأمور !!.
وليس أدل على ذلك التناقض لدى جماعة الإخوان المسلمين ، ما كتبه ذات مرة " راشد الغنوشي " رئيس
" حركة النهضة الإسلامية " التونسية في مقال تحت عنوان "دروس من تجربة الحركة الإسلامية" نشرته مجلة "الإنسان" الصادرة في فرنسا (العدد التاسع، كانون الأول (ديسمبر) 1992) ويأتي به على تناقض الإسلاميين فيذكر "أن الإسلامي بصفة عامة واقع في مفارقة عجيبة، فهو من ناحية ضحية القمع والإقصاء العلماني ولذلك فهو يطالب بالحرية وقد يعتمد حتى على مبادئ حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية في الضغط على الحكام المستبدين ولكن كأني به هو الآخر يحمل عقلية اقصائية لخصومة أو هو يخشى تلك الحرية التي يطالب بها ولذلك بمجرد أن يظفر بها حتى يخنقها ويضيق نطاقها" ، ويتابع الغنوشي ، حتى لترى كثيراً من الإسلاميين كأنهم لا يشعرون بالتناقض بين مطالبتهم الأنظمة العلمانية أن تعرف لهم بحق العمل الحزبي وحريات التعبير والتنافس على السلطة بينما هم لا تقر كتبهم بتلك الحقوق لمواطنيهم العلمانيين" (صفحة9). ويرى الغنوشي أن ذاك الموقف "لا أخلاقي، كيف أطالب العلمانيين بحق احرمهم منه لحظة التمكن ؟" (صفحة 10).
حقيقة يحتاج الإخوان المسلمين وامتداداتهم المختلفة بالوطن العربي للديمقراطية كوسيلة للوصول إلى سدة الحكم فقط ، ومن ثم الانقلاب والانقضاض عليها حالما سنحت الفرصة ، لأنها تتناقض مع تركيبتهم الفكرية الأيديولوجية وتلغي وجودهم ، لأنها تؤسس وترسخ الليبرالية الفكرية وحرية الفكر والمعتقد ، ناهيك عن وقوف طروحاتهم الأيديولوجية على نقيض من الديمقراطية ، كونها تنادى بنظرية الشورى ، وقيام الحكم وتنصيب الحاكم من خلال المبايعة والقسم على البيعة والسمع والطاعة ،،، وما الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذا المجال سوى وسائل سياسية لتحقيق ذلك ، مع إتباعهم لمنهج " المراوغة " للوصول لأهدافهم .
أضف لذلك أن بناءهم الأيديولوجي يقول بأن مصدر الحقوق جميعاً مبني على أن السيادة والحاكمية لله عز وجل ، وتلك الحقوق تطبق في إطار الأحكام الشرعية وفي منظور المقاصد الشرعية ، ولا مانع من استخدام العنف كرادع ضد المعارضين لذلك .
فالديمقراطية ليست مجرد شعار يرفع ، فهي ثقافة وتنشئة وسلوك ، ومنهج سياسي يساعد على بناء مجتمع مدني ويساهم في عملية التمكين المجتمعي ، يحترم الحريات والمعتقدات ويصون الحقوق الفردية والجماعية ، ويرسخ العدالة الاجتماعية والسلم الأهلي ، وهي نتاج طبيعي لحالة التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يكرس مبدأ المشاركة السياسية والتعددية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الأقليات ، والارتهان بالحكم لأصل الديمقراطية بأن الشعب مصدر السلطات ولا بد من العودة إليه وقت الأزمات ليقرر ما يريد
لأن السيادة الشعبية فوق السيادة البرلمانية .
وما هذا التعامل السطحي من قبل الإخوان المسلمين مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاولة اجتثاثها عن مصادر انبعاثها والفكر الذي أنبتها ، ما هو إلا تكريس لمفهوم " الظاهر والباطن " الذي يستندون إليه ، ومحاولة لخلط الأوراق واستنبات مفهوم ( الإسلاموقراطية ) في بيادرهم السياسية ، والسير به كنهج مستحدث لتحقيق الغايات الحزبية والأهداف الإخوانية العالمية .
وما فكرة تشكيل لجنة دولية إسلامية لحقوق الإنسان ، وتشكيل لجنة تحضيرية لإطلاق تحالف دولي لمناصرة الحريات والديمقراطية ،التي انبثقت عن مؤتمراتهم المذكورة سالفاً ، سوى آليات ممنهجة للإستقواء بالخارج
ولتشكل عاملاً ضاغطاً ومساعداً لهم وتحديداً ضد الحكومة الانتقالية في مصر .
لذلك على من يدعو لمناصرة الحريات والديمقراطية أن يمارسها داخل إطاره أولاً ، ويلتزم بها كإطار ناظم للحياة المجتمعية بتفرعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ثانياً ، وتكريسها كمنهج وأسلوب حكم ثالثاً ، لا أن تكون مجرد مطية للوصول إلى الحكم وقمع كل من يعارضه .
ويبقى السؤال :- هل تتساوق وتنسجم نتائج وتوصيات الإخوان المسلمين في مؤتمراتهم في لاهور واسطنبول ، وخاصة ما يتعلق بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان مع ممارساتهم على الأرض في مصر وفلسطين ؟؟؟.
وهل من يخطط ليل نهار لزرع الفوضى والفتنة المنظمة وزعزعة الاستقرار الداخلي وتهديد السلم المجتمعي وتحديداً في المناطق المذكورة ،لغايات سياسية حزبية من منطلق ومفهوم ( الجماعة فوق الوطن والحزب فوق المواطنة ) ، قادر على تطبيق الديمقراطية وتبعاتها وبناء مجتمع مدني مزدهر !!! .

6/10/2013