.....حماس حركة براغماتية تحركها مصالحها،وهي مستعدة أن تغير جلدها ومواقفها وسياستها إستناداً لتلك المصالح،المهم مصلحة حماس فوق الوطن وفوق المبادىء،وهي إمتداد لسياسة ورؤية وفكر الإخوان المسلمين تاريخياً،على إعتبار أن حماس جزء من هذا التنظيم العالمي،او لكونها ولدت من رحم هذا التنظيم،فنحن لا نريد الغوص في تاريخ الحركة او سياساتها،بل نريد أن نرصد من خلال الحقائق والوقائع،كيف ان حماس تجيد التلون وسرعة التغير والتبدل في الموقف والسياسة،وهذا التغير لا يطال التكتيك بل يمس ما هو جوهري واستراتيجي،وليس بالغريب هذا أو بالمفاجىء، ففي إطار التحليل الطبقي لموقع هذه الحركة،وكونها حركة برجوازية،يتكثف وجودها في فئة التجار والفئة الطفيلية من هذه البرجوازية،فمن الطبيعي ان تنحاز الى جانب مصالحها،وليس لمصلحة الآخرين.
فحماس التي دخلت على خط المقاومة الفلسطينية بعض الانتفاضة الشعبية الأولى- انتفاضة الحجر- اواخر عام 87 تعرضت كباقي فصائل العمل الوطني والاسلامي الى قمع وتعرضت الى تصفيات من قبل حكومة الإحتلال وأجهزة مخابراتها،وفي سياق المقاومة والفعل النضالي،أبعد اكثر من 400 مناضلا أكثرهم من حماس الى الجنوب اللبناني،وهناك احتضنهم ورعاهم حزب الله اللبناني وقوى المقاومة الفلسطينية وبالذات الجبهة الشعبية القيادة العامة.....ومن بعد ذلك وتوقيع اتفاقية اوسلو من قبل الجناح المتنفذ والمهيمن على القرار الفلسطيني وقيام السلطة الفلسطينية وما استتبع ذلك من عدم تقيد اسرائيل او التزامها بهذا الاتفاق المجحف بحق الشعب الفلسطيني واندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/2000،حيث استمرت حماس في موقع القوى الرافضة للاتفاق والداعية لإستمرار المقاومة،ولتجرى الانتخابات التشريعية الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الراحل ابو عمار مسموما وانتخاب ابو مازن بدلا منه ومن ثم في كانون ثاني /2006 تجري الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتفوز فيها حماس،وعلى ضوء ذلك حوصرت من قبل اسرائيل وامريكا وعربيا واقيليميا،ولم يقبل بها اقرب حلفائها من مشيخات النفط والحالم بالخلافة في اسطنبول،لأن هناك قراراً امريكيا بمعاقبة كل من يتعاطى معها،وسيدفع الثمن كل من يقدم على تلك المغامرة عربيا واقليميا.
ولنجد بأن سوريا تحملت كل تبعات القرار الأمريكي والأوروبي الغربي ،ولتوفر لحماس المكان والحركة والدعم على كل المستويات دون ان تطلب منها أي ثمن او تدخل في شؤونها،بل ساعدتها على توثيق وتدعيم علاقاتها مع ايران وحزب الله،فسوريا هي البوابة لهذا الحلف،بحكم علاقاتهما التحالفية والإستراتيجية،وكذلك عندما شنت اسرائيل عدوانها على قطاع غزة في اواخر عام 2008،لم تتوانى لا سوريا ولا ايران ولا حزب الله عن تقديم العسكري لحماس وفصائل المقاومة في القطاع.
ولكن بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي،ووصول حركة الإخوان المسلمين الى السلطة في اكثر من بلد عربي وبالذات مصر ،تلك"الثورات" التي ليس فقط تسلق الإخوان عليها وحرفوها عن أهدافها وجيروها لمصالحهم،بل تكشفت الامور على وجود اتفاق امريكي- اخواني يقوم على تمكين الاخوان من السلطة في العالم العربي،مقابل حماية مصالح أمريكا في المنطقة،وكذلك الإلتزام بالاتفاقيات مع اسرائيل وبالذات "كامب ديفيد" وحماية امنها.
ومن هنا بدأت مشيخات النفط والكاز والموكل لها دور ومهمة في هذا المشروع مشروع نقل الفتنة المذهبية والطائفية من المستوى الرسمي العربي والاسلامي الى المستوى الشعبي،وشيطنة قوى المقاومة العربية والإسلامية،حيث رأينا كيف ان سماحة الشيخ حسن نصر الله سيد المقاومة،اصبح حسن اللات والرافضي والمجوسي ....الخ،وكذلك ايران أصبحت الفارسية والمجوسية والرافضية،والتي كانت ايام الشاه سنية خالصة،"قلبها" على العرب والمسلمين،ولم يكتشف العرب مجوسيتها وفارسيتها وشيعيتها،إلا عندما وقفت ضد المصالح والمشروع الأمريكي في المنطقة،وكذلك النظام السوري،اصبح بعد خطابات مشعل التي كانت تشيد به وبمواقفه ودعمه واسناده للمقاومة،نظام نصيري وعلوي وارهابي وقاتل اطفال ومدعيا للمقاومة.. إلخ .
حماس الموعودة من قبل امريكا والقوى المتأسلمة الاخوانية التي وصلت للحكم في الأقطار العربية بأن يجري استيعابها ورفع حظر التعامل معها من قبل أمريكا والغرب الإستعماري،وأن تكون صاحبة الحل والربط في الشأن الفلسطيني،فتح شهيتها على تغليب مصالحها على المصالح الوطنية والقومية،تماماً كحال نظرائها في حركة الإخوان المسلمين،حيث عملت على نقل مقراتها ووجودها من سوريا إلى قطر،صاحبة مشروع تصفية القضية الفلسطينية،وصاحبة مشروع تدمير ركائز المشروع القومي العربي بالتعاون مع مشيخات النفط والكاز الأخرى وبالذات الوهابيين وكذلك الطامحين بالخلافة على حساب الدم والجغرافيا العربية في إسطنبول،وبدأت تشن حملة على سوريا وعلى حزب الله وايران،ولم يتورع رئيس مكتبها السياسي حماس عند زيارته لقطاع غزة من رفع علم الانتداب الفرنسي بدل علم سوريا العربية،في تعبير عن مدى النقلة النوعية التي حدثت عند حركة حماس،الانتقال من حضن معسكر قوى المقاومة والممانعة الى حضن من يريدون تصفية القضية الفلسطينية والمشروع القومي العربي.
ولكن التطورات اللاحقة،لم تكن كما تريدها حماس وحركة الاخوان المسلمون ولا مشيخات النفط والكاز المستميته في سبيل اسقاط النظام السوري،فالنظام المصري الاخواني أسقطته الجماهير المصرية،والنظام السوري صمد،بفضل التفاف الجيش والشعب حول النظام،وبفضل دعم محور طهران- موسكو- بكين- فنوم بن بالأساس،وتراجعت امريكا صاغرة عن توجيه ضربتها العسكرية لسوريا،وليترتب على ذلك خلق معادلات جديدة في المنطقة،حيث أن ايران ومن خلال الدورة السادسة والستين للجمعية العامة فرضت معادلات جديدة في المنطقة،ومن المتوقع ان حضورها الإقليمي والدولي والعربي همي وسوريا سيزداد،وكذلك روسيا تتجه لتسيد العالم،واقصت امريكا عن ان تكون قدر وشرطي هذا العالم.
هذه المتغيرات والتطورات،جعلت قيادة حركة حماس تعيد النظر في مواقفها وسياساتها،فهي تدرك بأن بقاءها ضمن هذا الحلف والمعسكر بعد سقوط النظام المصري،وهبوب رياح قوية على حكم وسلطة الاخوان في تونس وليبيا وتركيا،سيجعلها تنتحر سياسياً،فأخذت تعمل على ترتيب انتقال جديد لها الى حضن المعسكر الأول،حيث عادت لتشيد بإيران ومواقفها ودعمها للمقاومة،وزارت طهران على رأس وفد حمساوي كبير،وكذلك أجرت محادثات مع حزب الله،وهي تغازل دمشق من اجل العودة للشام.
ولكن هذه الإستدارة والعودة لا تعني بان دول ذلك المعسكر ستتعاطى بنفس درجة الثقة والأمان والاطمئنان بهذه الحركة،فهي ولدت من رحم حركة تربت على الاقصائية والتجارة وتغليب المصالح على المبادىء،فالعودة مرحب فيها ولكن على قاعدة لا ثقة ولا اطمئنان بهذه الحركة.
القدس- فلسطين
13/10/2013
0524533879
[email protected]