هل تُرفع العقوبات عن إيران؟

بقلم: غازي السعدي

مقال تحليلي
هل تُرفع العقوبات عن إيران؟


كي لا تقع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالخطأ وتعود إلى سياسة (نجاد) الانعزالية وبذلك تقدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" طبقاً من ذهب لمهاجمتها، والمناداة بتشديد العقوبات عليها، وحتى ضرب مفاعلاتها، في أعقاب تحسين الأجواء بينها وبين الولايات المتحدة خاصة، والغرب عامة، والدفئ الذي يواكب التحرك الدبلوماسي الإيراني الناجح، فيما يحاول "نتنياهو" مواجهة حملة التودد بين الولايات المتحدة وإيران، في محاولة لإحباطها، فإن عودة إيران إلى سياسة الانغلاق، وإلى سياسة التشدد باعتبارها كانت تصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، كي لا تعود إلى هذا الخطأ يجب وقف الحملات المعارضة لخطوات روحاني التصالحية، فالانتقادات التي وجهت إلى الرئيس الإيراني "حسن روحاني" من داخل إيران، سوءا كان الأمر يتعلق بخطابه المرن في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أو بسبب المكالمة الهاتفية التي تمت بينه وبين الرئيس "باراك اوباما"، ومن خلال تحركاته ولقاءاته السياسية والإعلامية في أميركا، فإن هذه الانتقادات من قبل قوى الضغط الإيرانية، من شأنها نسف ما حققه الرئيس "روحاني" في الطريق لإلغاء العقوبات المفروضة على إيران، فالعودة إلى السياسة المعمول بها في الماضي، تندرج في أماني الحكومة الإسرائيلية، التي كانت تتمنى إتباع الرئيس الإيراني الجديد، سياسة سلفه الذي هدد بمحو إسرائيل من الخارطة، والانتقادات التي وجهت من قبل أجنحة إيرانية متصارعة، في محاولة لإفشال خطط روحاني لإخراج إيران من قرارات العقوبات المفروضة عليها، بالانفتاح السياسي والاقتصادي مع الغرب، فكما جاء في الأخبار، فإن قائد الحرس الثوري الإيراني "محمد علي جعفري"، يقود حملة ضد "روحاني" والذي قال بأنه كان على الرئيس "روحاني" الانتظار للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة، قبل أن يوافق على إجراء المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأميركي.

ضغوط إسرائيلية كبيرة على الكونغرس الأميركي للإبقاء على العقوبات ضد إيران، إذ أن الكونغرس هو الذي أقر العقوبات، وهو صاحب الولاية لإلغائها أو تخفيفها، فاللوبيات الصهيونية والإسرائيلية في الولايات المتحدة- وخاصة "أيباك"- يقومون بحملات إعلامية وضغوط على أعضاء الكونغرس، للإبقاء على هذه العقوبات، و"نتنياهو" في مقابلة مع بي بي سي باللغة الفارسية، ليس فقط وجه الاتهامات للرئيس الإيراني واتهمه بخداع الغرب، بل حمّل نظام "آيات الله" المسؤولية عن هذه العقوبات المفروضة على إيران، والتي أدت إلى تدهور وضعها الاقتصادي، وفي مقابلته مع شبكة الـ بي بي سي بالفارسية، وجه رسالة إلى الشباب الإيراني قائلاً:" لو كنتم أحراراً لارتديتم لباس الجينز، واستمعتم إلى الموسيقى الغربية، وشاركتم في انتخابات حرة"، غير أن أقوال "نتيناهو" هذه ارتدت عليه واستُقبلت بسخرية وسائل الإعلام العالمية منه، فهو يسعى للتأثير على الرأي العام الإيراني من الداخل، ومحاولا بدل فك الحصار عن إيران تشديده، كما أنه يسعى لعرقلة أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، إن لم يؤد إلى وقف كامل لإنتاج اليورانيوم، واشتراطات أخرى، إذ أن الهزة التي أصابت إسرائيل، والناجمة عن الانفتاح الأميركي-الإيراني، تسببت بتخبط إسرائيلي، والتي عادت إلى التلويح بضرب البرنامج النووي الإيراني، فرسالة "نتنياهو": نزع النووي الإيراني، أو ضربة عسكرية إسرائيلية"، بينما هناك انتقادات في وسائل الإعلام الإسرائيلية لتصريحات "نتنياهو"، خاصة لقوله بأن إسرائيل ستعمل ضد إيران، حتى لو بقيت لوحدها، وقوله أن إسرائيل لن توافق أبداً على وجود سلاح نووي لدى إيران، وما المناورات الإسرائيلية الجوية التي جرت قبل أيام، على مسافات بعيدة والتزود بالوقود جواً، إلا للتلميح بأن إسرائيل جدية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لكن هذا التلميح يندرج أيضاً في المزيد من الابتزازات الإسرائيلية من أميركا، فالمنتقدون يعترفون بأن مهاجمة إيران قضية معقدة وإشكالية، وفرص نجاحها ليست كبيرة حسب جريدة "معاريف 7-10-2013"، وأن خطأ إسرائيل-حسب باحثين إسرائيليين- في تضخيم وتعظيم التهديد النووي الإيراني كتهديد وجودي على دولة إسرائيل، فالباحثون يقولون أنه آن الأوان للكف عن التلويح بفزاعة التهديد الوجودي، والامتناع عن التصريحات العسكرية ضد إيران، التي تخلق آلية خطيرة من التصعيد والتطرف، وبينما يعتبر محلل إسرائيلي أن المحور الأميركي-الإيراني يُضعف إسرائيل، فالخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة في وجهات النظر من إيران، ووفقاً لجريدة "يديعوت احرونوت 5-10-2013"، نقلاً عن دبلوماسي أميركي، فإنه ليس لإسرائيل حق "الفيتو" في أي اتفاق أميركي-إيراني قد يتوصلون إليه، بينما هناك انتقادات حزبية إسرائيلية لتحويل "نتنياهو" القضية الإيرانية إلى قضية إسرائيلية خاصة، بينما سبق واعتبرت إسرائيل بأن النووي الإيراني مشكلة دولية، لتجنيد المجتمع الدولي ضد إيران.

إن شروط إسرائيل تقضي بتفكيك موقع تخصيب اليورانيوم في "بوردو"، ووقف العمل في "آراك"، وإخضاع المنشآت الأخرى للرقابة الدولية، ووقف تام لتخصيب اليورانيوم في إيران، وبنقل اليورانيوم المخصب الموجود لديها إلى دولة أخرى، بينما قد توافق إسرائيل على وجود كمية صغيرة من اليورانيوم في إيران لإقامة مركز أبحاث إيراني واحد، وترفض عملية التخصيب الإيراني بالكامل إضافة للكمية الصغيرة، أما الولايات المتحدة فهي تطالب السماح للمراقبين الدوليين بالوصول إلى جميع المنشآت النووية الإيرانية، وترفض السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بنفسها أكثر من 3%، وتطالب أيضاً بنقل جميع اليورانيوم المخصب الذي بحوزتها لدولة أخرى، في المقابل، تزويد الدول العظمى لإيران بوقود نووي لاحتياجات مدنية، بينما تُعلن إيران -حسب المصادر- استعدادها لفتح جميع المنشآت النووية أمام المراقبين الدوليين، وقد توافق -حسب المصادر- على إخراج اليورانيوم المخصب إلى دولة أخرى، لكنها لا تبدي استعداداً للتوقف نهائياً عن تخصيب اليورانيوم، كما لا تبدي استعداداً لتفكيك جميع منشآتها النووية، بينما أفاد موقع إسرائيلي إلكتروني بتاريخ 9-10-2013، -استناداً إلى مصادر دبلوماسية ذات صلة بالاتصالات الجارية بين إيران والولايات المتحدة- أن الإيرانيين خلال مؤتمر جنيف الذي سيعقد قريباً، يحملون معهم مجموعة من الاقتراحات، منها وقف عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتقليص أجهزة الطرد المركزية المستخدمة للتخصيب، والسماح لمراقبي وكالة الطاقة الدولية بدخول جميع المواقع النووية الإيرانية، مقابل تخفيف حدة العقوبات المفروضة عليها والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالاقتصاد الإيراني.

خلاصة القول، فإن المؤشرات بأن الولايات المتحدة ستشرع بإزالة العقوبات المفروضة على إيران بصورة تدريجية، إلا أن إسرائيل توصلت إلى استنتاج أن النظام الإيراني ملتزم مذهبياً ودينياً بتدمير إسرائيل، الأمر الذي يدعو لبذل إسرائيل جهودها لعرقلة أي تعاون بين إيران والدول الغربية، والمطلوب من إيران، التي تحتفظ بأوراق قوية أبهرت الدول الغربية، بأن تُصرـ في أي اتفاق تعقده مع الغرب- على ضرورة توقيع إسرائيل على المواثيق الدولية، بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل، وفتح مفاعلاتها أمام الرقابة الدولية، خاصة أن إسرائيل مهددة بعزلة دولية شبه كاملة، في أعقاب خطاب الساحر "حسن روحاني" بتشكيله تحدياً حقيقياً لإسرائيل، هذا الساحر الذي اصطحب معه إلى الأمم المتحدة برلمانياً يهودياً إيرانياً، أدى إلى إعادة خلط الأوراق، وفوت الفرصة على إسرائيل باتهام إيران باللاسامية والتحريض عليها، وخاصة أن "روحاني" لم ينكر المحارق النازية، كما كان عليه الموقف في الماضي، وقراره إلغاء الاجتماع السنوي الذي بدأته إيران منذ عام 2005 كمنبر إعلامي وسياسي وتعبوي ضد إسرائيل والصهيونية، هذه التحولات تعتبر فتح صفحة جديدة معتدلة وانفتاح نحو المجتمع الدولي، الذي يعيدها كعنصر فعال في الحلبة الدولية.