دماء جديدة فوق سفينة النكبة ..

بقلم: مازن صافي

منذ فترة لم أكتب .. أمور كثيرة تعبر بالإنسان تجعله يصمت أو يبتعد أو يهمس للقلم لأن يستريح قليلا .. لكن خبر الفلسطينيين المهاجرين في السفينة الغارقة والضحايا الشهداء استفزني جدا .. وملخص الحكاية كما قرأتها في وكالات الأنباء " ان عصابات ليبية خارجة عن القانون أطلقت النار على السفينة التي انطلقت من شواطئ طرابلس الليبية يوم الجمعة الماضي 11 أكتوبر،وتسببت في إغراقها قبالة السواحل المالطية .وقالت المصادر أن سمسارا ليبيا حجز المهاجرين 48 ساعة في منازل مهجورة بليبيا بلا طعام وتم نقلهم إلى السفينة بحافلات زجاجها اسود وحصل من كل راكب على 1300 دولار ."

لم تكن الهجرة من فلسطين رحلة سعيدة، بل هي حكاية النكبة والتشريد و.. قصة الوطن المغتصب ولعبة العالم ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا ودمائنا ..

وتستمر رحلة الآلام في بلاد الغربة والتشريد وعناوين النكبة وفي سوريا تحديدا اليوم، رحلة طويلة شاقة ومتعبة جدا .. مرهفة والهدف بعيد ويبتعد .. الفرح والعيد مصادر في حياة الفلسطيني ..

حكاية أهلنا في اليرموك ككل حكايات الذين تشردوا أجدادنا والأطفال الذين كبروا وأصبحوا أجدادا لأطفال سيكبرون في عواصم تنكرهم وتقتلهم وتطلق عليهم رصاصات الموت وتدفعهم ثمن الفاتورة الكبرى بعيدا عن العدالة ... أبناء شعبنا تم تهجيرهم قسراً .. وعدوا بالعودة خلال أيام وأسابيع إلى بيوتهم وأرضهم والجيوش العربية تغني " خلي السلاح صاحي " .. أهلنا في اليرموك النكبة الجديدة انتظروا يوم العودة منذ عشرات السنوات البعيدة .. وانتظروا الفرج في وسط معمعة الحرب الدائرة في سوريا اليوم .. لكن الأمر طال بالأمس واليوم .. وعاشوا وكأنهم في معسكرات الاعتقال الواسعة .. هذه الحكايات ليست وليدة اليوم ولا مصادفة ولن تكون الأخيرة .. أطفال وكبار يسقطون بلا ذنب .. رحلة الأحلام للنجاة من الدمار والدماء والظلم تحولت إلى رحلة الآلام والغرق والموت .. طريق لا ينتهي .. وجوم ودمدمة ملأت وهيمنت على العقول والقلوب والعواطف .. وكأننا في حلم لا نريد أن نصدقه .. كابوس فلسطيني جديد .. عملية مؤثرة جدا .. البحر تحول إلى مقبرة ... والكاميرات التقطت صور حزينة وموجعة وجارحة .. مشهد إنساني يطرق أبواب العالم ويصرخ في آذانهم التي أصابها الصمم .. نودعهم وهم جزء منا ولا بد أن نعلن الحداد عليهم في كل مكان يرتفع فيه العلم الفلسطيني في كل العالم ويجب أن نكشف للعالم الحكاية أمامهم لكي يأخذوا القرار السليم لحماية شعبنا المشرد واللاجئ والمعذب وتنتهي سنوات الاحتلال البغيض .. المشهد اكبر مما نتوقعه .. رهيب ومعقد ومربك .. ويجب الا يمكر الحدث بعاطفة تسكب فيها الدموع وتقال فيها الكلمات المؤثرة ومظاهرات التضامن .. بل يجب ان نتجه إلى الفعل الدبلوماسي السريع والناجح .. علينا ان نحمي شعبنا .. البكاء لم يكن يوما من شيمتنا .. لكنه بكاء الفراق الذي أجازته أحزان النكبة الأولى واستمر واستمرت ..

إلى أين ذاهبون .. وكيف سيكون المصير .. وكيف سيكون التكيف مع الواقع الجديد .. أسئلة تلقائية ومشروعة تجوب داخل من كانوا على متن السفينة المدمرة .. كان الجواب صراخا ورصاصا وقتلا وتدميرا .. مجزرة جديدة ضد الوجود والهجرة الفلسطينية ..

إنني ومن خلال مقالي هذا ومهما حاولت سهب الكلمات السريعة لن استطيع التعبير عن حزني الشديد وتأثري وما يجيش في صدري وما يحمله وجداني من مشاعر .. إن في أعناقنا جميعا جماهير وقيادة أمانة كبيرة نسأل عليها أمام الله أن نحافظ على دماء شعبنا وحياته في الشتات وان نعمل كل ما يمكن نحول عدم تكرار ذلك ووجوب التدخل الفوري لإنقاذهم والحفاظ على بقاء أرواحهم وكرامتهم ومستقبلهم ..هؤلاء آبائهم وأجدادهم صنعوا ملاحم البطولة والصمود الفلسطيني في مراحل الثورة كلها وحتى اليوم واستمروا على درب الآلام أملا في الوصول إلى فلسطين المحررة والى قدسنا الشريف العاصمة .. إن هؤلاء الشهداء كانوا يبحثون عن الماء والخبز والحياة والكرامة .. كانوا يبحثون عن واقع أفضل ..

وانا اشعر بكل الحزن الآن وكل المحبة تجاه أبناء شعبي المظلوم .. وللشهداء الذين كتبوا قصتهم فوق سفينة العودة الجديدة وفي مياه البحر الذي عانقته دمائهم الطاهرة .. ندعو الله أن يرحمهم وان يتقبلهم وان يعوض أهاليهم خيرا وان ينهي المأساة وان يكرم شعبنا بالخلاص من الاحتلال وويلاته وكل آثار النكبات المسؤول عنها في أي مكان بالعالم .