قرار السعودية بين اللحظة والاستمرار

بقلم: صلاح صبحية

ليست المرة الأولى التي تفوز فيها دولة عربية بمقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي ، ولكن هي المرة الأولى التي ترفض فيها دولة عربية ممثلة لقارة آسيا مقعدها في مجلس الأمن ، وهذا الموقف بحاجة إلى جرأة في اتخاذه ، وإلى جرأة في أسبابه ودوافعه ، فهو قرار يعبّر عن مسؤولية دولية في مجلس دولي ، وإنّ اتخاذ السعودية قرارها برفضها الجلوس في مجلس الأمن على مقعد غير دائم إنما يؤكد مدى الخلل في اللائحة الداخلية لمجلس الأمن ، ومدى دور مجلس الأمن غير المجدي عبر تركيبته القائمة ، فالسعودية أصبحت عضوا غير دائم في مجلس الأمن إلى جانب كل من تشاد، وتشيلي، وليثوانيا ونيجيريا وذلك اعتباراً من بداية عام 2014 ولمدة عامين أي نهاية عام 2015 ، وأياً كانت المدة التي ستشغلها هذه الدول في مجلس الأمن ، فأنّ هذا لا يعني أن تكون مجرد رقم في مجلس الأمن والذي يشمل في عضويته بتاريخ 1/1/2014 كلاً من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا كأعضاء دائمين في المجلس إضافة إلى عشر دول هي الأرجنتين،واستراليا، ولوكسمبورغ،وجمهورية كوريا ورواندا التي تنتهي عضويتها في 31/12/2014 بالإضافة إلى كلِ من السعودية وتشاد وتشيلي وليثوانيا ونيجيريا التي انتخبت هذا اليوم بديلاً لكل من أذربيجان وغواتيمالا والمغرب وباكستان وتوغو ، فالعضوية في مجلس الأمن ليست متساوية بين الأعضاء الخمسة عشر الشاغلين لمقاعد مجلس الأمن ، فالعضوية الدائمة تملك حق الاعتراض ( الفيتو ) ، بينما العضوية غير الدائمة لا تملك حق الاعتراض .


وبذلك وحسب اللائحة الداخلية أو النظام الداخلي لمجلس الأمن فإنّ عضواً واحداً دائماً في مجلس الأمن يعترض على أي قرار يلقى تأييد أربعة عشر عضواً الآخرين فإنّ القرار عندئذ ٍ لا ينجح ولا يعتبر نافذاً ، وهذا أسوأ ما في مجلس الأمن ، إذ بدل أن يحافظ مجلس الأمن على السلم العالمي نجده من خلال طريقة التصويت التي يتبعها يعمل على توتير العديد من المناطق في العالم ، فهو مسرح لعبة الكبار الخمس عامة وأمريكا وروسيا خاصة ، حيث تؤكد طريقة اتخاذ القرار داخل مجلس الأمن على عدم فاعليته في الأمور التي تهم السلم العالمي .


فلذلك رأت السعودية أن وجودها داخل مجلس الأمن هو غير ذات جدوى لأنّ قرارات مجلس الأمن مرهونة بيد دول الفيتو ، وعلى هذا الأساس جاء في بيان وزارة الخارجية السعودية (اعتذرت المملكة العربية السعودية عن قبول العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن عن المجموعة الآسيوية لمدة عامين. حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين.) ، إذاً فالسعودية ترى وجود خلل في مجلس أمن يجب إصلاحه لكي يتمكن هذا المجلس من إداء واجباته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين ، هي الوظيفة الرئيسة لمجلس الأمن والتي لم يعد مجلس الأمن قادراً على تحقيقها في ظل تضارب المصالح بين دول الفيتو .


وقد نوهت وزارة الخارجية السعودية في بيان الاعتذار بما عانته القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن (إن بقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لـ65 عاما، التي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين لدليل ساطع وبرهان دافع على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته".) ، حيث أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت حق الفيتو في كل ما يخص القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني ، وهذا ما حدث في إيلول 2011 عندما رفضت أمريكا عرض مشروع قبول فلسطين دولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مجلس الأمن ، ناهيك عن عشرات القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي مارست أمريكا حق الفيتو عليها .


كما أشار بيان وزارة الخارجية السعودية إلى عدم قدرة مجلس في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل (أن فشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية ليعد دليلاً ساطعاً وبرهاناً دافعاً على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته..) وكنا نتمنى أن تشير وزارة الخارجية السعودية إلى الحقائق كاملة بخصوص امتلاك الكيان الصهيوني لأسلحة الدمار الشامل دون اقتراب مجلس الأمن من اتخاذ قرارات المراقبة والتفتيش لمفاعل ديمونة في صحراء النقب .


كما تطرق بيان الخارجية السعودية لتعامل مجلس الأمن مع الأزمة السورية عندما أشار بقوله إلى (السماح للنظام الحاكم في سوريا بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبدون مواجهة أي عقوبات رادعة لدليل ساطع وبرهان دافع على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته".) وهنا يكمن السبب المباشر في اعتذار السعودية لمقعد مجلس الأمن ، ومسارعة فرنسا إلى تفهم الموقف السعودي من عضويتها في مجلس الأمن ، بينما انتقدت روسيا هذا الموقف واصفة مبرراته بالغريبة .


أياً كانت الأسباب التي دفعت السعودية لاتخاذ قرارها هذا ، وأياّ كانت دوافع الدول المرحبة والمتفهمة أو المنتقدة لهذا القرار ، فإنّ مجلس الأمن الدولي لا يمارس دوره الحقيقي في تحقيق السلم والأمن العالميين ، وللخروج من المأزق الذي يعانيه مجلس الأمن رغم تفهم دول الفيتو لهذا المأزق والتعايش معه كلعبة أمم لا بد منها داخل المجلس ، فإنّ هذا يستدعي إعادة تركيبة مجلس الأمن أولاّ من حيث العضوية في المجلس بأن تكون عضوية متكافئة لجميع أعضائه وذلك بالتخلص من وجود أعضاء دائمين أو على الأقل التخلص من وجود حق الفيتو للأعضاء الدائمين ، وثانياً أن تتم الموافقة على القرارات داخل المجلس بأغلبية الثلثين بالمساواة بين جميع الأصوات ، ولتحقيق ذلك المطلوب من السعودية تحديداً إنجاز مشروعين ، المشروع الأول يتضمن إعادة هيكلة وتركيب مجلس الأمن ، والمشروع الثاني يتعلق بالنظام الداخلي لمجلس الأمن ، حيث يطرح هذان المشروعان على الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورة استثنائية خاصة بوضع مجلس الأمن الدولي ، وإذا لم تتحرك السعودية على هذا الأساس فإنّ اعتذارها عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن يكون مجرد فقاعة صابون وتنتهي في حينها ، فالحرص على القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني والمحافظة على السلم والأمن العالميين لا يتطلب مجرد بيانات وإنما يتطلب عملاً دؤوباً بين أعضاء الأمم المتحدة لتفعيل مجلس الأمن بما يخدم قضايا الشعوب والأمم والدول ، ويجب ألا يبقى القرار السعودي وليد لحظته بل يجب أن يتحول إلى عمل مستمر لكي يحقق هدفه بتحويل مجلس الأمن من مجلس مسرح لعبة الكبار إلى مجلس أمن دولي فعلي .
حمص في 19/10/2013 صلاح صبحية