مما لا شك فيه ان مدة الخطاب المطول الذي القاه اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة غزة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة لحماس والذي استمر لمدة 90 دقيقيه ، يعكس بالدرجة الأولى صعوبة الملفات والظروف المعقدة التي باتت تعيشها الحركة جراء التحولات التي حدثت بالمنطقة ، والتي دفعت هنية اليوم لكي يقدم خطاب يحاول فيه ان يشرح تلك الظروف ، وهنا يطرح تساءلا هل كان المنتظر تقديم تفسيرات لما حدث ام تقديم حلول ومبادرات لتغير الواقع المعاش للفلسطينيين ككل ، وما هو جوهر خطاب هنية ؟.
ردود افعال الفصائل الفلسطينية جاءت سريعا حول خطاب هنية ، وقد ظهر تباين واضح بالمواقف فجزء اعتبره انه هروب ولم يحمل شيء جديد ولم يقدم حلول ، واخرون امتدحوا الخطاب واعتبروه اساسا يمكن ان يبني عليه لتغير الواقع الفلسطيني المؤلم فما هو رأي المحللين السياسيين .
الخطاب لا يلبي..
المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل ، رأى في حديث مع "وكالة قدس نت للأنباء" ان جوهر خطاب هنية ، اعادة صياغة الخطاب السياسي لحركة حماس ، وتقديمها بانها حركة مقاومة اسلامية وجهتها وانتمائها لفلسطينيين ، وليس مرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين وما يجري بالمنطقة .
واضاف " اذا كان المقياس لخطاب هنية مشكلات وهموم الشعب الفلسطيني ، فان الخطاب لا يلبي ، وهناك اربعة ملفات ، الموضوع الاول الانقسام الفلسطيني الداخلي ، وثانيا التهديد الاسرائيلي على القضية الفلسطينية ، ثالثا الاحوال المعيشية لسكان قطاع غزة ، رابعا ما يجرى في مصر ".
وقال عوكل " في ملف الانقسام ، لا اعتقد انني استمعت الى جديد ، العبارات نفسها المستخدمة في هذا الموضوع ، التأكيد على انجاز موضوع المصالحة ودعوة ابو مازن لتشكيل حكومة وحدة وطنية دون تحديد وقت زمني ، وهذا ليس بجديد ، وضرورة تطبيق اتفاق القاهرة للمصالحة رزمة واحدة وهو موضع خلاف بين حركتي حماس وفتح ".
وتساءل عوكل ، هل ستعود حماس لمناقشة موضوع الانتخابات مرة اخرى لتحديد موعدها ؟؟ مستدركا " بدون ان نستنتج ان من يعيق المصالحة حماس ام فتح ، وتحميل المسؤولية على طرف غير مفيد ، نحن بحاجه الى خطوات حقيقية لتطبيق المصالحة ".
واضاف " كل التحليلات تعتبر ان التغيرات التي حدثت في مصر ادخلت حماس في ازمة، وافقدت قدرتها على التمويل وتحمل اعباء حكم قطاع غزة ، ويتضح ان تعاملها مع الازمة يذهب باتجاه تصعيد المقاومة بكافة اشكالها ونقلها للضفة الغربية ، وليس المصالحة الفلسطينية ، وهو هروب الى الامام".
وقال عوكل " الدعوة الى انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية ، وتوقع حدوث انتفاضة عربية من اجل القدس ، والموقف من المفاوضات والاستيطان ، والحديث الطويل عن الاسرى ومناسبة ذكرى وفاء الاحرار ، والحديث عن النفق الذي تم اكتشافه ، وتنشيط المقاومة في الضفة ، كل ذلك يأتي في اطار نقل المعركة للضفة الغربية ، لكن دون ان يشمل ذلك مراجعة التهدئة الموقعة بين حماس واسرائيل وهذا هروب الى الامام ".
واردف قائلا " حماس تسعى لاستعادة بعض التحالفات ، عبر اعادة العلاقات مع ايران ، وكان ذلك جليا ً خطاب خالد مشعل الاخير بضرورة توجيه السلاح بسوريا الى اسرائيل ، كما حمل خطاب هنية رسالة الى الجانب المصري ان حركة حماس غير مرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين ، عسى ان يكون الخطاب مفهوم للجانب المصري ".
الجديد بالخطاب..
بدوره اعتبر المحلل السياسي اكرم عطا الله في حديث مع "وكالة قدس نت للأنباء"، خطاب هنية حزبي أكثر من ان يكون فلسطيني شامل ، فقد استعرض هنية خلال خطابه الاوضاع التي تمر فيها حماس ، والاحداث التي تعيشها المنطقة وموقفها من ذلك ، والهجمات الاعلامية التي تشن على حركة حماس .
واضاف " بالتأكيد الخطاب كان شاملا بكل ما يتعلق في حركة حماس ، لكن لا يمكن القراءة من الخطاب ان هناك استراتيجية جديدة ستعتمدها حماس بالتعامل مع الملفات التي تناولها هنية ، باستثناء ملف المصالحة الفلسطينية ".
ورأى ان الجديد بالخطاب جاء بخصوص ملف المصالحة ، وهو دعوة هنية لتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة ابو مازن ، وتحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني ، وهنا يوجد تراجع في موقف حماس بعد دعوتها المشاركة في ادارة حكم غزة ، وانتقلت من خلال الدعوة الجديدة الي الرغبة في الشراكة السياسية في اطار المشروع الوطني".
واوضح عطا الله " ان هناك رأيين فيما دعا اليه هنية ، الاول ينظر لدعوته على انها مناورة لا اكثر ، والآخر يرى ان حماس بالفعل في مأزق وتريد الخروج منهُ ، وانتهت لنتيجة مفادها ضرورة تطبيق المصالحة الفلسطينية " مضيفا " لابد من فتح حوار مع حركة فتح حتى تثبت النوايا لان السياسة تبنى على المواقف والافعال ".
وتابع " لا اتوقع من حركة فتح ان تتجاوب مع دعوة هنية لعدة اسباب ، منها انه في السنوات الماضية كانت هناك دعوات في ملف المصالحة واتضح فيما بعد انها تكتيك سياسي ، كما ان حركة فتح تعتقد ان حماس في ازمة وتريد ان تأخذها الازمة لنهايتها ، اضافة الى انشغال السلطة الفلسطينية بالمفاوضات بالوقت الحالي ".
سندرس الخطاب..
اول ردود حركة فتح على خطاب اسماعيل هنيه جاء على لسان الناطق باسم الحركة أحمد عساف الذي وصف الخطاب بالفضفاض ، قائلاً "إنه لم يأت بأي جديد خصوصاً فيما يتعلق بملف المصالحة الوطنية ".
و قال عساف في تصريح صحفي ، " لو كان هنية جاداً لأعلن عن جدول زمني لتشكيل الحكومة والانتخابات ، لكن ترك الأمور مفتوحة و تحدث بالعموميات دون الخوض في التفاصيل ".
واضاف " هذا ردنا الأولي ، و بطبيعة الحال سندرس الخطاب و نعطي موقفنا النهائي ، لكن الأمور واضحة ومعروفة ، على حماس التراجع عن انقلابها و الاعتذار للشعب الفلسطيني ".
ايجابيًا وشاملًا..
بدوره اعتبر احمد المدلل القيادي في حركة الجهاد الاسلامي ، خطاب هنية ايجابيًا وشاملًا، وهو محل دراسة واهتمام، حيث تطرق لقضايا وملفات مهمة تخص القضية الفلسطينية ".
وأوضح المدلل ، في تصريح صحفي، أن غياب قيادات حركته عن حضور الخطاب لم يكن متعمدًا، بل كان بسبب أخطاء فنية في عملية توزيع الدعوات.
التقاط خطاب..
فيما دعا رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التقاط خطاب هنيه الذي ألقه لما فيه من ايجابيات كثيرة والدعوة إلى الحوار الوطني الجدي من أجل وضع آليات لتنفيذ اتفاقيات إنهاء الانقسام لأنها ضرورة وطنية ملحة.
وقال مهنا في تصريح صحفي ،" ان خطاب هنيه كان ايجابيا وتحدث فيه بشكل جيد عن المقاومة وتحرير كل فلسطين وانتقاد المفاوضات والمطالبة بإيقافها"، مشيرا الى انه كان ينقصه بعض المطالب التي كنا نتمنى ان يتضمنها الخطاب.
واوضح مهنا ان خطاب هنية تحدث عن كل أشكال النضال المشروعة الدبلوماسية والسياسية والعسكرية لمقاومة الاحتلال. وما جاء في الخطاب يجب ان يبنى عليه ويتم تطويره ، مبيناً ان الشعبية ستجتمع مع القوى والفصائل الفلسطينية بما فيها حماس للاتفاق على آلية لتنفيذ ما جاء في خطاب هنيه.
انفصال تام عن الواقع..
في نفس السياق ، اعتبر محمود الزق عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني بان حديث إسماعيل هنية كان "مثالا للانفصال التام عن الواقع المعاش بكل تداعياته المأساوية التي يعاني منها شعبنا على كافة الصعد السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وذلك بمحاولة يائسة لتجميل واقع الانقسام الأسود و تبرير المعاناة وإلصاقها كما دوما بعوامل خارجية."
وأضاف الزق"هناك إصرار من طرف حماس على السير قدما في مشروع " دولة غزة "بدعوتها للقوى السياسية بالمشاركة في حكومة غزة بما يعنيه هذا من تكريس للانقسام و السير قدما نحو تصعيده لحالة انفصال بما يعنيه هذا من شطب للهوية الوطنية وضرب للكينونة الوطنية الموحدة ، وفتح ثغرة واسعة لمشاريع الإلحاق و الضم التي تسعى لها إسرائيل هروبا من استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ."
واضح "بان شعبنا الفلسطيني في سوريا و مصر و قطاع غزة دفع و لا يزال ثمنا باهظا للسياسات العدمية لحركة حماس بفعل مواقفها التي غلبت فيها الارتباط بحركة الإخوان المسلمين الدولية و اعتمدت مواقفهم كمرجعية ملزمة لها مما اضر وبشكل جدي بشعبنا و بقضيته الوطنية."
وطالب بضرورة "التحرك الجدي نحو المصالحة الوطنية وليس عبر حروف إنشائية و كلمات عامة و إنما فعل حقيقي ملموس يتم ترجمته باتخاذ إجراءات عملية لتنفيذ ما ثم الاتفاق عليه في إعلان الدوحة واتفاق القاهرة وعدم التذاكي في محاولات بائسة لفتح مسارات جديدة ومبادرات تعطيله لا تستهدف سوى الهروب من استحقاق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام و طي صفحته السوداء مرة وللأبد."
مبادرة متأخرة..
طلال الشريف مؤسس التجمع الثالث في فلسطين قال إنه" ومن موقعه في المعارضة الوطنية فإن خطاب اسماعيل هنية رئيس حركة حماس في قطاع غزة، كان شاملا ومعمقا في تناول قضايا تهم الواقع الفلسطيني".
ونوه الشريف في تصريح صحفي "بأن الخطاب حمل خطوات مبادرة هي متأخرة زمنيا ولكن أن تأتي مبادرة من حماس متأخرة خير من ألا تأتي وهناك ما يمكن البناء عليه فيها وخاصة فيما تم التأكيد عليه بالنوايا والجاهزية والجدول الزمني لترتيبات البدء في تطبيق بنود اتفاق القاهرة واتفاق الدوحة ".
واستدرك الشريف قائلا:" كنت أتمنى أن تأتي هذه المبادرة دون ضغط متغيرات الإقليم والمنطقة وتمنيت أن تأتي مبادرة هنية قبل زمن طويل استجابة لمعاناة شعبنا".
وأضاف الشريف قائلا :"من موقعي كمعارض أبعث بثلاث رسائل :
• الرسالة الأولى موجهة لجموع شعبنا بأن يطور خطواته في اتجاه الضغط على السلطتين واستعادة إرادته لضمان عدم انسحاب أو مراوغة أيا من الطرفين وكذلك دوره المراقب لآليات تطبيق بنود الاتفاق وخاصة المصالحة المجتمعية.
• الرسالة الثانية لحكام غزة ورام الله أنه كفي انقسام ومناكفات التي اذا استمرت أكثر من ذلك فإنها ستطيح بالقضية الوطنية والمشروع الوطني وأن تخلصوا النوايا وتحرروا ارادتكم نحو الاستجابة لما يريده شعبنا لتحقيق أهدافه الوطنية وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال والحرية والاستقلال
• الرسالة الثالثة للأحزاب والقوى الفلسطينية لابد من تطوير دوركم ومواقفكم سريعا في اتجاه المشاركة مع الجماهير في الضغط على الحزبين المتخاصمين لتنفيذ الاتفاق
وكان اسماعيل هنية قد القي خطابا في مركز رشاد الشوا الثقافي بمدينة غزة، اليوم السبت ، وذلك بحضور 1500 شخصية من القيادات الفلسطينية، طالب فيه بضرورة البحث العملي في آليات تطبيق اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام مع التركيز على الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية وتوفير الأجواء الداخلية والحريات العامة اللازمة لإجرائها، داعياً الرئيس محمود عباس لسرعة تشكيل الحكومة بناءً على ذلك ، كما تناول الممارسات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين والقدس والاستيطان وتطرق للمفاوضات و تحدث عن مجمل ما تمر فيه المنطقة .