بعيداً عن شعارات " الشعب يريد " وما سمي " بالربيع العربي " وما صاحب نتائجها من لغط في بلدان مصر ، اليمن ، ليبيا ، وتونس ، وما نجم عنه من إسقاط رأس ماكينة القبلية والاستبداد ، وبعيداً أيضاً عن حُمى عدوى التقليد في صفوف الشباب الفلسطيني وما عرف عنه آنذاك بهبة آذار/ مارس 2011 لإسقاط حكم الانقسام ، حزيران 2007 وما نتج عنه من شرخ رأسي وأفقي للنسيجين الديموغرافي والاجتماعي وإعادة اللحمة الوطنية لشطري الوطن .
بدايةً يمثل الشباب في المرحلة العمرية ما بين (15 إلي 29) عام أكثر من ثلث سكان المنطقة العربية وهو ما يطلق عليه البعض بالطفرة الشبابية بمعنى أن مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات شابة يفترض أن تكون نابضة بالطموح والتطور والأمل لاعتبارات أن الشباب دائماً ينظر إليهم كطاقة ومحور للتغيير .
وبنظرة تحليلية شاخصة على واقع الشباب العربي والفلسطيني على السواء نستخلص أن واقعهم في أحسن أحواله لا يسر صديق ولا عدو ، هذا ليس تشاؤماً ولا تجنياً ، إنما واقعاً مُعاش مدعم بالدلائل الملموسة التي تبرهن بوضوح على حدة ما يعانوه في مجتمعاتهم ، حيث يعانون إلى حد كبير من نفس التحديات التي تعصف بكينونتهم كفاعلين ديناميكيين .
إن تفاقم معدلات البطالة وتنامي مؤشرات الفقر وانعدام فرص العمل ما زالت التحدي الأكبر أمامهم حتى في بلدان " الربيع " بمعني أن الربيع في بلدانهم لم يزهر بعد ، حيث ترتفع مستويات البطالة إلي أكثر من 35% بين الشباب العربي مقارنة بالمتوسط العالمي 12.6% ، وتتركز نسب البطالة بشكل كبير في أوساط الشباب المتعلم الحاصل علي تعليم عال ، حيث يمثل الشباب المتعلم نحو 95% من إجمالي الشباب العاطل عن العمل في العالم العربي وفق دراسات وإحصاءات دولية ومحلية ذات صلة ، إضافة لمحاولات طمس الهوية الثقافية والفكرية واختزال قيمة العقل ومدخلاته فيما تسمح به المنظومة التقليدية سواء البوليسية الحاكمة أو الاجتماعية أو حتى الدينية ، التهميش ، ارتفاع معدلات الهجرة والرغبة فيها ، التغييب والاستبعاد من الخارطة والمشهد بالعموم إذ كثيراً ما يسمع الشاب العربي ( في الحملات الانتخابية والمناسبات المختلفة) أصواتاً رنانة تنادي بتمكين الشباب وفتح الآفاق أمامهم وتدعو لمشاركتهم في الحياة بالمفهوم الشمولي إلا أن المحصلة في بلداننا أننا نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً .
فسرعان ما تتآكل المواقف في أول اختبار عملي لها ، فهناك في منظومة بلداننا فجوة عميقة ما بين المواقف النظرية والممارسة العملية وكلنا يلمس صدق ما أقول ، ناهيكم عن التنشئة الاجتماعية العاجزة التي مازلت مجتمعاتنا متمسكة فيها ورافضة لدعوات التحديث بدعوى التراث والحفاظ على إرث الماضي ، والتي بدورها لم تتوان عن قمع الطموح والحد من التطلعات وزرع مفاهيم إجهاض الإرادة من المهد وتغليب الشحنات السلبية على مكونات العقل والتفكير من خلال الأمثال اليومية الكثيرة " على قد فراشك مد رجليك ، واللي بيتطلع على المئذنة بتنكسر رقبته ، واللي بيتجوز إمي بقلوا يا عمي ، والحيطان إلها آذان ، وقرد موالف ولا غزال مخالف " ، هذا الواقع الاستعراضي وهذه التركيبة الغريبة لمجتمعاتنا العربية ذات التعقيدات الفريدة بالتأكيد لها آثارها الكارثية على الشباب والمجتمع ككل ، لأنه يكبح جماع الشباب ويحولهم إلى عجزة في عمر الشباب وهو في اعتقادي ما سعت إليه كل الأنظمة البوليسية العربية ، لأنه أقل ما يقال يعفيها من مسئولياتها والتزاماتها تجاههم وتجاه المجتمع ، الأمر الذي حوَل الشباب العربي إلى مستنقع راكد كبير يغرف منه كل حالم في الوصول إلى الكرسي ، نظراً لعدم نضوج وضعف دورهم وذلك يرجع إلى عوامل موضوعية تتعلق بالتحديات والمعيقات ، والأخرى ذاتية تتعلق بعدم جاهزية وسلبية الشباب أنفسهم ، وانقسامهم وعدم سعيهم الجاد إلى تنظيم صفوفهم والانتصار لذواتهم وطموحاتهم ... الخ .
إذن فالشباب العربي يعيش في مجتمعات تقليدية تكرس لدي المواطن منذ الصغر عبر الهياكل والبنى الاجتماعية ، الاقتصادية ، الثقافية ، والتعليمية قيم التلقي والخضوع حيث لا تسمح بالحوار الحر ولا تفتح من ثم الباب لحرية التفكير والنقد والمشاركة وهذا ما يعطيناً تفسيراً منطقياً لحالة الاغتراب والشعور بالإحباط ، فقر الإحساس بقيمة الحياة ، وانعدام الأمل والخوف من المستقبل ، وتراجع قيم المواطنة والانتماء لدى الغالبية العظمى من الشباب العربي على وجه العموم .
وعليه فإن الشباب العربي والفلسطيني ( الذين يعانون تحديات داخلية وأخرى خارجية متمثلة في الاحتلال والحصار أي من تهميش مزدوج وضع الحالة بمجملها في مأزق أعمق مما هو في المشهد العربي ) في اعتقادي مطالبين بالوعي والانفتاح والاستفادة من تجارب الشعوب والأمم ، بالإضافة إلى توحيد صفوفهم وبرامجهم التي تنتصف وتلتصق بهمومهم اليومية وتطلعاتهم ثقافياً ، سياسياً ، اقتصاديا ، واجتماعيا ، وأن ينبذوا الخطاب التقليدي بحقهم مواقف وممارسة ، والأهم أن يرفضوا التعامل الأمني من قبل القوى التقليدية مع قضاياه واحتياجاته وتطلعاته على قاعدة " الحقوق لا توهب وإنما تنتزع " ، هذا إذا أراد الشباب اجتياز حاضرهم الغابر إلى مستقبلهم المشرق بأمان ، وهذا يتطلب حراك فاعل يساهم في تبني إستراتيجية تنموية بديلة ، الأمر صعب وليس بمستحيل ، وعلى الشباب أن يقرروا .