لم يسبق لدولة في تاريخ الأمم المتحدة أن أتيحت لها عضوية مجلس الأمن، دائمة أو مؤقتة، واعتذرت عنها، بل العكس تماماً تسعى جميع الدول غير الدائمة العضوية أن تحظى بمثل هذا الشرف، والجلوس بجانب الكبار من الدول العظمى، وتشاركهم القرار في تقرير مصير الأمن والسلم الدولي.
واليوم وبعد ثمانية وستين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، يأتي اعتذار دولة مؤسسة مثل المملكة العربية السعودية عن العضوية المؤقتة ((لمدة عامين)) في مجلس الأمن، ليشكل صرخة احتجاج قوية في وجه النظام الدولي، الذي وضع عقب الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي، والذي لا شك فيه أن الدول المنتصرة في تلك الحرب قد ميزت نفسها بالعظمى واحتفظت لنفسها بحقوق الدول العظمى، بأن تكون دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة، إضافة إلى حق النقض (الفيتو) على القرارات التي لا تحظى بموافقتها، أي يعني إعدام تلك القرارات، وشل فاعلية الجهاز التنفيذي الذي لم تتفق قراراته مع سياساتها ومصالحها، وبالفعل فقد تمكنت بعض الدول صاحبة هذا الحق من تجميد فاعلية المجلس إزاء العديد من القضايا وفي مقدمتها القضايا العربية وجوهرها ((القضية الفلسطينية)) التي ولدت تقريبا مع ميلاد الأمم المتحدة ومجلس أمنها الذي لا زال عاجزاً عن إتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لإقرار العدل والإنصاف في حق الشعب الفلسطيني وتمكينه من حقوقه المشروعة في وطنه فلسطين أسوة بكل شعوب العالم التي حظيت بالتمتع في حقوقها في أوطانها، كما أن حالة الشلل والعجز التي ظهر عليها مجلس الأمن وقت قررت الإدارة الأمريكية غزو العراق واحتلاله وتدميره في عام 2003م، واليوم إزاء معالجته للأزمة السورية حيث وقف مجلس الأمن مشلولاً عاجزاً، أمام تصاعد الأزمة السورية، وتواصل نزيف الدم العربي السوري لأكثر من عامين ونصف، تظهر هذه المواقف وهذه الحالات إلى أي مدى يتعطل مجلس الأمن عن القيام بدوره المنوط به في حفظ الأمن والسلم عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية بصفة عامة، والقضية الفلسطينية بصفة خاصة.
وبالتالي يأتي الموقف السعودي من عضوية مجلس الأمن ليمثل حالة احتجاج غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة، والنظام الدولي القائم، لتؤكد على ضرورة إصلاح نظام عمل مجلس الأمن بما يحقق ويكفل قيامه بواجبه إزاء حفظ الأمن والسلم الدوليين، سواء فيما يتعلق بالقضايا العربية، أو غيرها من القضايا الدولية، وهذا يفرض واجب أخلاقي، وسياسي، وقانوني، على كافة الدول، التي سبق وأن أظهرت تذمرها، من أنظمة ولوائح عمل مجلس الأمن ومؤسسات النظام الدولي، وسبق لها أن طالبت بإجراء التعديلات والإصلاحات اللازمة، لتتوافق تلك الآليات وواقع العالم المتغيرة اليوم، بعد مرور أكثر من ثمانية وستين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، التي تضاعف عدد الدول الأعضاء فيها عما كان عليه عند التأسيس، عدة مرات حيث وصل عدد الأعضاء إلى مائة وثلاثة وتسعون دولة عضو، وتشعبت المشاكل الدولية وازدادت تداخلا وتعقيداً، كما تعددت المجموعات الدولية المشكلة للنظام الدولي، التي لابد أن يكون لها تمثيل ودور وشأن في إقرار وصناعة الأمن والسلم الدولي، منها مجموعة دول أمريكا اللاتينية، ومجموعة الدول العربية، والافريقية وغيرها من المجموعات الدولية التي باتت مهمشة في صناعة القرار الدولي، عبر آليات عمل مجلس الأمن والهيئات المختلفة للأمم المتحدة.
يأتي الاعتذار السعودي في الوقت المناسب، من أجل إعادة النظر بتلك الصلاحيات وآليات العمل في مجلس الأمن، ليعطيه الفاعلية المطلوبة واللازمة، على أن يجري، تمثيل كافة القوى والمجموعات الدولية المشكلة للمنتظم الدولي فيه، وعدم ربط ذلك بحالة من ردات الفعل إزاء موقف معين أو قضية معينة، بل من أجل إرساء منهج صالح لضمان الأمن والسلم الدولي على مستوى العالم بكيفية تحقق ذلك على أفضل وجه ممكن.
د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 20/10/2013م الموافق 15/12/1434هـ