"ثأر كنعان"... الثقافة تقاوم!

في فلسطين كل شيء يقاوم.. التراث، التاريخ، العمارة، الحضارة، الثقافة، كلها تتخندق جنباً إلى جنب في خندق المقاومة لتقاوم الغدة السرطانية الاستئصالية التي تفشّت في القلب من جسد الأمة لتشكّل هذا الكيان المسخ المسمى "إسرائيل" على أنقاض وأشلاء فلسطين الهوية والعقيدة والانتماء...

على مسرح مركز رشاد الشوا الثقافي وبتوقيع من مؤسسة دوحة الإبداع للثقافة والفنون.. كانت الثقافة بكل ما تحمل الكلمة من معنى تقاوم في ثالث ورابع أيام "الأضحى" المبارك.. كانت فلسطين الحكاية والمعاناة والنكبة والمرارة تنبعث من جديد؛ لتستنهض وعي الأمة المغيّب والمسلوب؛ ولتصحح البوصلة باتجاه مركز الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل.. الحق المجلل بالتاريخ المعمّد بالدماء والحضارات، والباطل المدجج بالزيف والباطل والأراجيف.. فكانت.. "ثأر كنعان".. ملحمةً مسرحيةً اختزلت حروف القضية...

لقد جاءت "ثأر كنعان" الإبداعية في هذه المرحلة الحرجة من مراحل الأمة، حيث التيه وانعدام الرؤية وفقدان الدليل، لتدق ناقوس الخطر على جدار وعي الأمة الذي أصيب بالتصدّع نتيجة انعدام الثقة بالله أولاً، وتفرّد أصحاب المصالح الذاتية والضيقة بمصائر العباد والبلاد ثانياً، والقابلية للاستعباد والاستذلال والاستجداء عند شرائح عريضة من مجتمعات هذه الأمة المسلوبة الإرادة ثالثاً...

"ثأر كنعان".. أخذت شكلاً رائعاً من أشكال الإبداع الفني والثقافي الفلسطيني المقاوم المنحاز لهموم الأمة وآلامها وتطلعاتها، حيث امتزجت الصورة بالكلمة، والإيقاع بالفلوكلور، والإضاءة بعبق التاريخ، نالت إعجاب الحضور (معظمهم من الفتية والشباب- ذخر الأمة ومخزونها الاستراتيجي للمعركة الفاصلة قريباً) كثيرا، ولامست مشاعر الثورة الكامنة في وجدانهم.. وألهبت في نفوسهم حنين العودة لحيفا ويافا واللد والمجدل وقدس الأمة الرازحة تحت الاحتلال... فسالت العبرات من الحدقات.. وامتلأت القلوب بالحسرات.. وتنهدت الحناجر بالآهات.....!

لكن وأمام "ثأر كنعان" العمل الإبداعي والراقي المتفجّر وعياً وثورة والذي قدمته مؤسسة دوحة الإبداع للثقافة والفنون حديثة العهد والنشأة والتكوين... يبرز السؤال الأكبر عن دور مؤسساتنا الثقافية في إحياء ثقافة المقاومة والانتماء لهذه الأرض المباركة، وترسيخها واقعاً ومنهجاً وأسلوب حياة لدى الشرائح المجتمعية المختلفة من شرائح مجتمعنا المستهدف بقيمه وأخلاقه ووعيه؟! ولماذا لا تتضافر كافة الجهود من أجل تطوير هذا النوع من الأعمال الفنية والثقافية والانتقال بها لمخاطبة الأمة بأسرها لإحداث التغيير الفكري والتفكيري والثقافي المطلوب؛ بما يقود إلى حشد كل الطاقات باتجاه فلسطين "كنعان" التي تئن على مرأى ومسمع من أخواتها "سلمان" و"نعمان" و"قحطان".... فيما "جدعان" او "جدعون" اللص اليهودي كما جاء في "ثأر كنعان" يعربد ويسفك الدماء في كل شبر من أرض جدّنا كنعان...

ختاماً أبارك لدوحة الإبداع عملها المبدع بحق، وأدعو إلى مزيد من الأعمال الإبداعية التي تعيد شعبنا وأمتنا إلى وعيهما وصولاً إلى كل فلسطين.. فلسطين التي قال فيها سيد شهداء المقاومة الفلسطينية الشهيد المبدع والمفكر الملهم الممتلئ وعياً وإيماناً وثورةً وثقافةً د.فتحي الشقاقي في قصيدته "الاستشهاد" (1979م) والذي نحيا الآن ذكرى ارتقائه شهيدا هناك في أرض مالطا:

تلفظني الفاء... تلفظني اللام.. تلفظني السين.. تلفظني الياء.. تلفظني النون.. تلفظني كل حروفك يا فلسطين... تلفظني كل حروفك يا وطني المغبون.. إن كنت غفرت.. أو كنت نسيت!

 

بقلم/ توفيق السيد سليم