يعتبر سكان الاراضي الفلسطينية مهتمين بالزراعة وخاصة في قطاع غزة الساحلي، فرغم فجور الزحف العمراني الذي بدى يؤثر على البشر أنفسهم إلا ان المناطق الخضراء ما زالت تشكل جزء مهما من دخل الكثيرين، وتمثل الزراعة حالة اقتصادية مقبولة للقرويين والفلاحين الذي يقطنون المناطق الشمالية الشرقية للقطاع المحاصر من قبل اسرائيل منذ سنين.
ولكن في ظل عدم وعي المزارعين في قطاع غزة وتخوفهم من الخسارة في المواسم التي يتوقعون منها ان تدر عليهم مبالغ كبيرة من المال ، يلجأ العديد منهم (المزارعين) الى استخدام مبيدات ومواد كيماوية لتحسين انتاجهم، بما يشكل خطر على حياة السكان .
ومع ضمور الرقابة الحكومية على المعابر الاسرائيلية مع قطاع غزة وعلى انفاق التهريب مع جمهورية مصر العربية تتسرب بعض هذه المبيدات الى ايدي المزارعين على انها ستحسن من انتاجهم الزراعي ، ما يغريهم الى استخدامها بشكل مفرط، و من ضمن هذه المواد ما يعرف بمبيد "النيماكور" السام.
والنيماكور (Nemacur) هو مبيد عالي السميّة، يستخدمه المزارعون لمكافحة آفة النيماتودا "كائنات دقيقة الحجم تصيب كل أنواع النباتات"، وتؤدي لخسائر فادحة في المحصول كماً ونوعاً.
ويستخدم المزارعون إلا قليل منهم هذا المبيد دون رقابةٍ دقيقة من الجهات المعنية، ودون معرفةٍ كافيةٍ بطرق الرشّ السليمة، للحصول على مردود زراعي كبير والذي بدوره يجلب المال الأكبر، ولكنهم يجهلون ويعرفون عواقب هذه المادة على الانسان.
المزارع المخضرم ابو العبد (49 عاما) من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع يملك مساحة كبيرة من الاراضي الزراعية التي تنتج الفاكهة والخضروات يقول لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء إن " الوضع هنا لا يحتمل ان نقوم بزراعة طبيعة للأرض، وإلا ستكون الخسارة كبيرة والناتج ضعيف، لذلك نذهب للمواد الكيمياوية مثل النيماكور وهي مطهرة للتربة من الديدان".
ويوضح بأن :" هذه المادة مرخصة من وزارة الزراعة بالأصل، ولكن مربط الفرس ان المزارع يقوم بوضع المادة بصورة اكبر مما يغطى مساحة الارض الزراعية (..) حتى يجعل المحصول ينبت بسرعة فلكية والناتج ان يحصل على انتاج ملوث بمادة سامة وعائد مالي مغري.."
يضيف ابو العبد :" بعض المزارعين يفكر في نفسه وماله فقط ولا يعرف قيمة الاخرين للآسف ناهيك عن ان الكثير من المزارعين هم اميون لا يجيدون القراءة والكتابة مما يضعف حلقة التواصل معهم بصورة جيدة".
ويؤكد ابو العبد " ان هناك عدد من المزارعين الذين يقومون بزراعة خضروات لمنزلهم واسرتهم لا يضعون عليها مادة النيماكور في حين يضعها عندما يتعلق الامر بالمستهلك". ولكنه ذكر انهم قلائل.
لماذا تستخدم ..
يقول المزارع ابو العبد "ان الارضية الترابية والطينية لبلدة بيت لاهيا تعد معقل للديدان والحشرات التي تقضي على النبات مما يطر المزارع ان يقوم برش الارض بصورة كبيرة وغير مدروسة ليعتقد انه قضى على الحشرات في حين يقضى على حياة الانسان من حيث لا يدري او يدري".
ويضيف المزارع اللهواني " غالبا المزارعون يستخدمون هذا المبيد لزيادة كمية المحصول وتسريع نضجه؛ لا سيّما البطيخ والخيار والملوخية والخسّ والكوسا والطماطم والعنب والبقدونس، وهي من أكثر أصناف الخضار والفاكهة التي تُرشّ بمادة النيماكور لتحقيق المزيد من الربح السريع والسهل، فما يهم المزارع هو جيبه وليس صحّة الناس".
قلة حيلة..
مدير دائرة المبيدات الحشرية بوزارة الزراعة بحكومة غزة المهندس أحمد ابو مسامح اكد ان" الوزارة لا تدخر جهدا في تغطية ما تستطيع من ارسال مهندسين لكل شخص يريد ان يرش النيماكور على أرضه بل ان الوزارة تقوم بإعطاء تصريح لكل تاجر يؤخذ كميات النيماكور من المعابر ولا يسمح بتوزيعها الا بايعاز من وزارة الزراعة واخذ تفاصيل دقيقة لكل مزارع يريد ان يستخدم هذه المادة قوية التأثير".
وعن انتشار استخدام هذا المبيد بين المزارعين برر أبو مسامح هذا الاستخدام بـ"قلة حيلة الوزارة" في الوصول الى كافة المزارعين بسبب نقص الكادر وبسبب وضع الحكومة الذي وصفه "بالخاص " مما يصعب على الوزارة ان تقوم بعملية بحث لكل المزارعين في جميع المناطق".
ويكمل ابو مسامح حديثه خلال مقابله مسجلة مع" وكالة قدس نت للأنباء" أن "المبيدات التي دخلت القطاع خلال عام وصلت إلى 400 طن وأكثرها استخدامًا هي معقمات التربة ومنها مادة النيماكور، والسبب في زيادة دخول المبيدات لغزة بشكل كبير هو تخوف التجار من إغلاق المعابر وعدم سماح اسرائيل لدخول مبيدات لدواعي امنية، مما يدفعهم إلى شراء كميات مضاعفة منها."
ويوضح أبو مسامح أن "المزارعين يستخدمون مبيدات حشرية مخصصة لأنواع معينة من النبات ولكن في حالة أثبت هذا المبيد نجاحه في تسريع إثمار الشجرة فإن المزارعين يستخدمونه لكافة محاصيلهم، تيقنًا منهم بقوة وتأثير المبيد، وهذا يشكل خطرًا على المحاصيل الزراعية."
ويعلل أبو مسامح ذلك بالقول إن "المزارعون لا يتعاطون بجدية مع دروس وحلقات التوعية التي تعقدها الوزارة، وأكبر همهم هو الحصول على المساعدة أو المعونة، ولا يبذلون أي جهدًا في الحصول على أي معلومات قد تفيدهم في عمليتهم الزراعية وتحميهم من خطر المبيدات".
ويؤكد ان طرق تهريب هذه المادة وغيرها لا تأتي عن طريق الانفاق (التي شرعت السلطات المصرية بهدمها مؤخرا) فقط ، بل ان بعض التجار يقوم بتهريبها عن المعابر الرئيسية من خلال الايحاء بأنها مواد بلاستيكية ويتضح انها مادة النيماكور".
وعزى ابو مسماح كثرة التهريب "الى عدم وجود قانون رادع للتجار لمنعهم من تهريب مثل هذه المادة اذ ان اقصى عقوبة هي حرمانه من ادخال هذه المادة من المعابر او قد تصل الى سحب ترخيص وغرامة مالية".
شهادة..
ويحرم استخدام مبيد النيماكور في مختلف دول العالم باعتباره من المبيدات الفسفورية والتي ثبت خطورتها وسميتها الشديدة على الصحة العامة، ويعتبر أحد مسببات الأمراض السرطانية للإنسان.
وكان تقرير صادر عن مؤسسة "الضمير" لحقوق الانسان بغزة حذر في الاعوام الماضية من أن ظاهرة استخدام المبيدات الزراعية والحشرية تزايدت من قبل المزارعين والمواطنين دون اكتراثهم لآثارها الصحية والبيئية الخطيرة , مؤكدا على أن إسرائيل تعمل على تسهيل دخول أنواع مبيدات زراعية وحشرية خطيرة ومنتهية الصلاحية ومحرم استخدامها دولياً إلى قطاع غزة.
وذكر التقرير بأن 21 طفلاً فلسطينياً أصيبوا في الاعوام الماضية بالسرطان في مختلف مناطق القطاع جراء الاستخدام المفرط والمميت من قبل المزارعين لما يسمى بالمبيدات القذرة في الزراعة والتي يتم تهريبها وإدخالها إلى قطاع غزة عبر المعابر الإسرائيلية وعبر الإنفاق".
تقرير/ يوسف حماد