تداول الايام كفيلا بان يمحو الذاكرة الفلسطينية القديمة بعد وفاة من عاصروا تلك الايام ، حياة لم تكن كهذه الايام تماما من حيث الطعام والعادات والتقاليد والمنازل والعمل والثورة والنضال، تطورت الحياة تدريجيا ودخلت كافة التقنيات الحديثة التي كانت كفيلة بان تغير الواقع الفلسطيني .
حياة اجدادنا تنتهى بعد وفاتهم ، ولم نعرف تفاصيل النكبة الفلسطينية ولا الحياة البسيطة الا من حكاياتهم الجميلة ، ولكن الجيل الفلسطيني القادم كفيل بان يحمل التاريخ الفلسطيني وينقله بكافة الطرق المتاحة ليوصله للعالم ويجعله حاضرا معنا في كل الاوقات.
كرنفال الفن هو اسم لمجموعة شبابية مكونة من شباب وشابات اصروا بعدما انتهوا من دراسة التربية الفنية في جامعة الاقصى ان يعيدوا لنا التراث الفلسطيني في فن جديد لم نعهده في قطاع غزة ولم يدرسوه ضمن مساقات التربية الفنية في الجامعة.
محمد الشربيني (23عام ), ومحمد أبو لحية (23 عام ) ,و أبو بكر أبو حليب (28 عام )، و نجلاء ابو نحلة (22 عاما ) ، وسلمى شحادة (22 عاما ) ، وحسين شامية (22 عاما ) مجموعة جمعتهم اسوار جامعة الاقصى وجمعهم العمل ضمن فريق كرنفال الفن الذى اتقن فن التراث الفلسطيني على جدران المنازل والطرقات والجامعات ،و أن يضعوا بصمة في تجسيد التراث الفلسطيني في جميع لوحاتهم الخاصة والعامة وليكن الفن مصدر رزق لهم وأحياء للتراث المنسي بطرق جديدة .
محمد ابو لحية احد طاقم هذه المجموعة يسرد لنا بداية الفكرة ، قائلا " كنا نشاهد هذا الفن على جدران الطرقات وحاولنا تعلمه من غيرنا ولم نتمكن من ذلك ، وبدأنا نتعلم كيفية نقل عناصر التراث الفلسطيني على قوالب من الطين ومن ثم نقلها للوحة ضخمة على جدران الشوارع".
ويتابع " كنا نهتم فقط في نقل التراث الفلسطيني على الجدران ، ووجدنا اقبال كبير من المواطنين على هذا التراث الفلسطيني وحضوره داخل منازلهم ، حتى طلب منا المواطنين النحت داخل منازلهم ، وبدايتنا كانت بأول لوحة اسمنتية ضخمة تعلمنا منها الكثير وكانت نقطة البداية للمجموعة ".
ولتوجه العالم نحو التخصص في تكوين المجموعات توجهت مجموعة كرنفال إلى التخصص في التراث الفلسطيني بحيث لا تخلوا أي لوحة من انتاجهم من موجود تجسيد للتراث بعدة أشكال وهذا وفق المجموعة, ما جعلهم يقنعون العديد من الأشخاص بجمال التراث داخل المنازل ليقرروا تحويل العديد من اللوحات المطلوبة منهم إلى لوحات فنية تراثية , وإذا لم يستطيعوا تغير الفكرة يدخلون على اللوحات أشكلا تراثية عن طريق الدمج المتناسق بطريقة جميلة .
وعن هذا الأمر يقول أبو لحية " التراث الفلسطيني مليء بالزخارف والأشكال التي يمكن أن تستخدم لإنتاج أجمل اللوحات والجداريات , كما أننا نحاول عن طريق لوحاتنا الفنية أن نعزز ونحافظ على التراث ونعرف المجتمع فيه ، ولذلك ندمج في جميع لوحاتنا الفنية أشكالا مختلفة من التراث القديم وكذلك أحداث من القضية الفلسطينية " .
ومعنى كلمة كرنفال فهي تعني المهرجان المتنقل فأعمالهم ليست ثابتة في مكان واحد بل هي متنقلة ما بين الجدران وما بين المحافظات ففي كل مدن القطاع يوجد لوحة فنيه لهم أنتجت من يديهم أما رسما أو نحتا أو غيرها العديد من أشكال الفن المختلفة التي يتميزون بها ، فانطلقوا من جدران الشوارع العامة حتى نشروها في كافة شوارع القطاع وصولا لجدران المنازل الداخلية.
وتقول نجلاء ابو نحلة ان البداية كانت صعبة لهم لعدم تقبل الشارع الفلسطيني لعمل الفتيات في هذا المجال ، وأضافت " تقبلنا نحن الفكرة كفتيات للعمل في هذا المجال من رغبتنا في تعلم هذا الفن الجديد ، ولكن كانت نظرات الناس لنا نظرة غريبة بان تكون الفتاة في الشوارع العامة تنحت التراث ، او تقف على السلم لتكمل لوحتها "
كما انه ما زال المجتمع الفلسطيني لا يستوعب بشكل كبير القيمة الفنية لمثل هذه اللوحات الجدارية وغيرها مما يتسبب في تبخيس قيمة هذا العمل وتقليل التكلفة والتعامل مع الفنانين بأنهم مجرد عاملين بناء أو قصارة .
وعن عملهم ايام الحرب يتابع أبو لحية " كانت بداية عملنا في الحرب الأولى التي شنت على غزة عام 2008م ,وكان يجب أن ننهي عمل في وقت محدد فاضطررنا إلى المبيت بعيدا عن المنزل في الحرب ,كما كان انقطاع التيار الكهربائي يحدد فترت عملنا وأحيانا كان في فترة المساء إلى الصباح الباكر ، وأقتصر عملنا وقتها على طاقم الشباب فقط ".
ويتابع " ورغم ذلك كان لدينا إصرار وعزيمة على مواصلة العمل وتحدي جميع هذه الصعوبات وإنجاح عملنا لنعرف المجتمع بنا وإيصال رسالتنا الفنية والوطنية في المحافظة على التراث الفلسطيني ".
ورغم قلة الإمكانيات وارتفاع التكلفة والجهد عند تجهيز أي جداريه إلا أنهم يقومون في كثير من الأحيان بعمل جداريات ولوحات فنية على نفقتهم الخاصة في المناسبات مثل ذكرى يوم الأرض ويوم الأسير وذكرى النكبة وغيرها أو بتوفير تكلفة المواد بدون تكلفة الجهد .
وبحسب ابو لحية فان أعمالهم تهدف إلى خدمة القضية الوطنية والمحافظة على التراث الوطني وتعريف الناس عليها وإبرازها من خلال اللوحات والجداريات التي يتم رسمها في الشوارع العامة والطرقات أو حتى داخل المنازل التي يطلب أصحابها منهم رسمها .
ويضيف " معظم أفكارنا هي من حياة المواطن الفلسطيني القديم أو من الحياة التراثية المختلفة, كذلك ما يعانيه من حصار ومعاناة وطبعا نحدد بشكل اكبر الموضوع حسب المناسبة حيث نجتمع ونعطي الأفكار ويقوم شخص منا بتصميمها ومن يصممها يرسمها على الحائط".
ويكمل حديثه بما يخص طريقة أنتاج الجداريات " الرسم يكون بعد وضع الاسمنت وتمليسه من قبل قصير خاص ,ومن ثم نرسم عليه التصميم ونبدأ على الفور عملية النحت قبل أن يجف الاسمنت وبعد الانتهاء نقوم بتلوين اللوحة والصعوبة تكون في عملية التلوين أكثر من النحت بسبب طريقة الألوان الخاصة التي نقوم بها ".
ويعكف فناني مجموعة كرنفال للفن على استخدام أساليب جديدة لتوصيل التراث عن طريق الحرق على الخشب ورسم بقلم الرصاص والفحم والأعمال اليدوية والتطريز وسيتم التركيز من خلال هذه الفنون على القرى والمدن التي يحاول الاحتلال طمسها فبذلك يذكرون أبناء الشعب الفلسطيني بها وليحافظوا على الهوية الوطنية الفلسطينية كما سيتم تدريب أطفال من ذوي المواهب على هذه الفنون .
وبابتسامة ساخرة تسرد ابو نحلة بعض التعليقات التي سمعتها خلال عملها قائلة " كنا نرسم على مدخل مستشفى ناصر وسمعت من بعض المارين يقولون لي ولزميلتي شو خليتوا شغل للشباب ، وشاهدني اخر اعتلى السلم " السيبة " وقال بتفضحونا في الدنيا ويا ريت مستفيدين منكن شيء ".
وأضافت " بعض المسنين والرجال المثقفين الذين يشاهدوننا يشكرونا على نقل هذا الفن وتجسيده في لوحاتنا ويقفوا بقربنا مسرورين بعملنا ويقوموا بالتقاط الصور للوحاتنا ".
وبعد ايام حافلة في حب تعلم هذا الفن الجميل والعمل فيه ، اجتمعت قلوب محمد ابو لحية ونجلاء ابو نحلة ليكونوا رفيقا درب في الحياة ايضا وتزوجا بعد فترة من تعارفهم وعملهم في هذا المجال .
تقرير: اسامة الكحلوت