كان لفوز الرئيس حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية خلال شهر يونيو الماضي، رغم ثقل منافسيه؛ العديد من الدلالات، لا سيما في ظل ما يروج له روحاني من شعاراته الانتخابية، المنادية بالانفتاح على الغرب، والتصالح مع دول الجوار، طبعا حسب المصلحة الإيرانية وتوطيد علاقات التحالف،
. كان أهم هذه الدلالات هو بداية حقبة جديدة من التفاعل الإيراني مع العالم، وفق أجندة جديدة رسمها نهج روحاني قوامها الحوار أولا ، وليس الشوفونية والغطرسة والعنجهية السابقة ،ومن ثم المصالحة، ثم المشاركة البناءة مع القوى الليبرالية والفاعلة محليا وعالميا، ذلك المصطلح اعتمده روحاني في مقال له بصحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية ..
جاء إقبال الجماهير الإيرانية إلى نهج روحاني الذي أوضحه في خطابه الانتخابي كوسيلة لإصلاح ما أفسده سلفه على مدى ثماني سنوات من انسداد الأفق مع الغرب حول الملف النووي، مما نتج عنه عقوبات اقتصادية خانقة، وعلاقات متوترة مع دول الجوار، زادت معها عزلة إيران إقليميًّا ودوليًّا .
وبالموضوعية ممكن القول أن روحاني استطاع خلال وقت قصير تغيير النظرة السائدة حول إيران، من خلال تبنيه خطابًا انفتاحيًّا ،ويتضح ذلك من خلال المحاور التالية :
- بوصفه المملكة العربية السعودية بالدولة الصديقة،
- إعلانه نية التفاوض على المشروع النووي لبلاده بما يطوي الخلاف مع الغرب،
- كما تبرأ من نفي سلفه أحمدي نجاد حدوث الهولوكوست،
- تهنئته الإسرائيليين بالعام اليهودي الجديد.
- إجراء محادثة هاتفية بينه وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما أثناء تواجد روحاني في نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يعد التواصل الأول على المستوى الرئاسي بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية.
ثمة تطورات مهمة على صعيد السياسة الخارجية للنظام الإيراني لابد ان نعى دلالاتها وتوقيتها منها نذكر منها على سبيل المثال لا حصر :
- اتخاذ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قرارًا بتفويض روحاني للدخول في مفاوضات مباشرة مع أمريكيا بعد قطيعة منذ عام 1979.
- تكليف الرئيس روحاني وزارة الخارجية بإدارة مفاوضات الملف النووي مع دول العالم ، وتكليف الوزير محمد جواد ظريف بتمثيل إيران في المفاوضات، بدلا من سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي.
مدركات وتغيرات سياسية إيرانية جديدة :
وتعكس هذه التطورات في مجملها حالة من الإدراك الإيراني لمقتضيات فقه الواقع الجديد، سواء في الداخل الإيراني، أو على مستوى التطورات التي يشهدها الإقليم بصفه عامة، والتطورات التي يشهدها حلفاء النظام الإيراني في المنطقة بصفة خاصة، فمع اشتداد وطأة العقوبات الأمريكية والأوروبية على الاقتصاد الإيراني بات المجتمع الإيراني على وشك الانفجار، لا سيما وأن تردي الوضع الاقتصادي لم يعد مبررًا لدى المواطن الإيراني الذي طالما تحمل العزلة الاقتصادية طوال السنوات الماضية كتكلفة مباشرة لهدف الحفاظ على الهوية الإيرانية وتحقيق حلم النووي الإيراني، بالإضافة إلى ما اعترى حلفاء النظام التقليديين من ضعف خلال الفترة الماضية ومواجهة الحليف السوري لخطر ضربة عسكرية وإن كانت محدودة بهدف إسقاط نظام الأسد.
في الوقت نفسه، تتشكل فيه تحالفات المنطقة بما شهدنه من تطورات موجات الثورات العربية بما يبدو وكأن إيران بعيدة عنها، فضلا عن تعرض النظام الإيراني ذاته لضغوط الحديث عن إمكانية القيام بضربة عسكرية ذكية أمريكية - إسرائيلية لمواقعه النووية، أو حتى إسرائيلية منفردة.
فلا يمكن إغفال الدافع وراء اتخاذ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قرارًا بأهمية إعطاء الضوء الأخضر للرئيس بمباشرة حوار مع الولايات المتحدة، وبالتالي عرض روحاني المساعدة على الأخيرة في حل بعض القضايا الإقليمية، وأشار مباشرة إلى الأزمة السورية، وأكد دخول إيران المفاوضات حول ملفها النووي بروح جديدة متعاونة، ولعل قراره نقل تبعية الملف النووي إلى وزارة الخارجية، وتكليفه لوزيرها محمد جواد ظريف؛ إشارة إلى جدية ما في هذا الإطار، نظرًا لتوجهات ظريف المعتدلة وقربه من روحاني،.
تأسيسا لما سبق السؤال الأكثر إلحاحا ، ما هو مصير الأحزاب والحركات التي ترتبط بعلاقة مصيرية ولوجستية مع إيران فى ضوء هذه المتغيرات ؟
هل ممكن أن يتم تدجينها ، وإخضاعها لإملاءات سياسية وشراء بعض المواقف لصالح أمريكيا وحلفائها ، نظريا السياسة والمصالح لا دين لها ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، أصبح كل شيء في واقعنا يخضع للاقتصاد ! بمعنى آخر من اجل البقاء والحفاظ على الامتيازات ربما كل شيء يتغير حتى المبادئ ، وقد تكون هناك اتفاقات غير معلنة ، لكسب ماء وجه البعض ، وإعطاء تصريح ( لا مانع من الجعجعة الإعلامية للاستهلاك المحلى للمواطنين )
اتمنى ان تشهد التطورات القادمة خطأ فرضيتي د ناصر إسماعيل اليافاوي