تقرير : (قطاع غزة) في ضوء المفاوضات الجارية

يعتبر قطاع غزة نواة الدولة الفلسطينية الموعودة التي يتم التفاوض عليها الآن ، والتي يطالب الفلسطينيين بقيامها على حدود 1967م ،وتتكون من الضفة الغربية وقطاع غزة وبتحديد القدس الشرقية عاصمة لها ، وهو ما يشكل فعليا 22% من أرض فلسطين التاريخية. ويقطنها قرابة 40% من الشعب الفلسطيني في العالم.

ويشكل القطاع ما نسبته 1،33% من مساحة فلسطين التاريخية ،بمساحة تقدر 360كم مربع ، وحسب آخر الإحصائيات للمؤسسات الرسمية فإن عدد سكان القطاع بلغ نحو مليوني نسمة ، ولقطاع غزة اهمية قصوى لقيام الدولة الفلسطينية لما تتوافر فيه عناصر مقومات قيام الدولة، ففيه مخزون بشري هائل ويعتبر ميناء بحري مهم لتواصل الدولة الفلسطينية الموعودة مع باقي دول العالم ، كما ويعتبر مكانا ذو اهمية اقتصادية بعد ان تم اكتشاف الغاز قبالة سواحله .

واذا ما افترضنا ان المفاوضات الجارية ، سوف تفضي الى قيام دولة فلسطينية ، فما هي القضايا التي يمكن للمفاوض الفلسطيني ان يطرحها والتي تخص القطاع ، وهل قطاع غزة مطروحا في أروقة المفاوضات التي بدأت نهاية شهر يوليو/ تموز من العام الجاري في واشنطن، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات ، وما موقف حركة "حماس" الحاكمة في القطاع من اي اتفاق تفضي إليه المفاوضات ..؟

الخبير في الشؤون السياسية ووزير الثقافة في السلطة الفلسطينية سابقا ابراهيم ابراش ، يقول " ان المفاوضات تتناول مستقبل الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967م ، وبالتالي لن يكون تميز بين قطاع غزة والضفة الغربية ، ولكن لأن مشكلة الاستيطان موجودة في الضفة الغربية سيتم التركيز على الاستيطان وقضايا قطاع غزة لن تطرح الا بعد التوصل الي اتفاق نهائي .

ويضيف " اذا ما تم التوصل الى اتفاق نهائي على قيام دولة فلسطينية آنذاك سوف يطرح كيف سيتم التعامل مع قطاع غزة ، وفي هذه الحالة يكون مطلوب من الرئيس الفلسطيني بحث مشكلة القطاع ، وامكانية توحيد غزة والضفة حتى يتم تنفيذ الاتفاق المتوصل إليه ، وهذه هي مشكلة سياسية فلسطينية داخلية ".

ويتوقع ابراش في حديث مع "وكالة قدس نت للأنباء" ، بانه اذا ما كان هناك بوادر للوصول الى اتفاق (فلسطيني –اسرائيلي) ، فإن اتصالات ستبدأ لإنهاء حالة الانقسام الموجودة في قطاع غزة ، ولا يمكن الحديث عن اتفاق على قيام دولة فلسطينية ثم تصبح غزة هي العائق امام قيام هذه الدولة ، لكن هذا الأمر إلى الآن مازال سابق لأوانه.

ويرى " ان عملية تنفيذ اتفاق او تفاهمات يصل إليها الجانب الفلسطيني والإسرائيلي سوف تأخذ سنوات طويلة لأن الامر يتعلق في قطاع غزة ومنطقة الأغوار ومتعلق بان هذه الدولة ستكون منزوعة السلاح "، ويتابع " حتى لا نقع في موقف فجائي يجب ان يتم انهاء الانقسام قبل انتهاء فترة المفاوضات اذا ما كانت سوف تفضي للتوصل لقيام دولة فلسطينية ".

 

قطاع غزة وتبادل الاراضي..

يقول ابراش في هذا السياق ، ان قضية تبادل الاراضي جرى الاتفاق عليها منذ زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات ، وكان الحديث آنذاك يدور حول نسبة 1% ، والآن اصبح الحديث ربما عن نسبة تبادل تصل 3% ، والاراضي التي تريدها اسرائيل هي المستوطنات الكبرى حول القدس ".

ويتابع " هناك عدة افكار طرحت في موضوع تبادل الاراضي ، منها ان تكون الاراضي التي تمنح للفلسطينيين في منطقة الجليل ، ومنها ان يأخذ الفلسطينيين من اراضي النقب ، لكن الى الآن يقول المفاوض الفلسطيني انه اذا حدث تبادل للأراضي ستكون بنفس القيمة والنسبة ، ولا اعتقد انه يوجد اراضي تساوي قيمة الاراضي المحيطة بالقدس وان حدث ذلك سوف يكون خلل كبير".

ويضيف ابراش " عملية تبادل الاراضي يمكن ان تأخذ طابعا اقليما وتشارك فيها مصر والاردن بالإضافة الى الأمم المتحدة ".

يذكر ان كثير من كبار الكتاب السياسيين في الوطن العربي تناولوا في الفترة الاخيرة موضوع تبادل الاراضي وعلاقة قطاع غزة فيه ، واشاروا الى ان اسرائيل تسعى جاهدة للتوصل لاتفاق مع الجانب المصري بإعطاء جزء من الاراضي في سيناء للفلسطينيين لتوطين اللاجئين فيها او اقتطاع جزء من اراضي النقب وضمها للقطاع على حساب اراضي في الضفة الغربية ، وهو ما اكده الرئيس المصري السابق حسني مبارك في تسجيل له نشره مؤخرا موقع "اليوم السابع" ، وقال مبارك في التسجيل ان هذا الموضوع تم طرحه من قبل اسرائيل علي شخصيا ورفضته رفضا قاطعا .

 

حماس ترفض..

صلاح البردويل القيادي في حركة "حماس" ، اكد ان "حركته لن تعترف بأي حال من الأحوال في أي نتائج تترتب عن المفاوضات الجارية تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني لا سيما ان حركته منذ البداية لم تعترف في نتائج المفاوضات التي افضت إلى اتفاق اسلو باعتبارها انها اعترفت في الكيان الصهيوني" .

ويضيف البردويل في حديث عبر الهاتف لـ "وكالة قدس نت للأنباء " كل شيء يؤول بالاعتراف في الكيان الصهيوني او التنازل عن ذرة تراب من فلسطين هو امر مرفوض تماما بالنسبة لحركة حماس."

ويتابع " بالإضافة الى موقفنا الرافض نحن نجيش الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية لرفض اى نتائج كارثية قد تودي بالحقوق الفلسطينية ولا سيما المقدسات ، وبالتالي نعتبر اى اتفاق تفضي إليه هذه المفاوضات كأن شيئاً لم يكن ".

ويعتبر البردويل ان " السلطة الفلسطينية ليس لديها تفويض بأي شيء ، ولا يجوز لها ولا يمكنها ان تنفذ او تفرض على الشعب الفلسطيني حلا ينتقص من حقوقه ".

ويقول " نحن نعتقد ان هناك اتفاقيات جرت ولكن ما يتم الاتفاق عليه بين (السلطة واسرائيل ) ، هو عملية اخراج ما اتفق عليه الى حيز الواقع ، وذلك اما عن طريق تمريره عبر الضغوط على القوى الرافضة له وتوجيه ضربات موجعة للمقاومة بالاتفاق بين الاطراف التي تريد ان يمرر وتدعم الاتفاق ويكون هنا نوع من التآمر بين دول عربية وعالمية وبتعاون مع السلطة الفلسطينية ."

ويضيف القيادي في حماس" الآن يبحثون عن مخارج لهذه المأساة (..) وما يتم تمريره من خلال الخداع اللغوي وعن طريق الحديث على ان هذا الحل تكتيك وتحت بند لنحصل على ما نستطيع تحصيله من حقوق الشعب الفلسطيني ، والاستعانة في حركة فتح باعتبارها انها الحركة الداعمة لهذا الاتفاق، هو من اجل حمايته والترويج .."

ويتابع البردويل حديثه "ان منظمة التحرير منذ عام 1992م ، اعترفت بحق اسرائيل بالوجود وتنازلت عن فلسطين التاريخية والآن يجري التفاوض عن 22% من اراضي فلسطين والكارثة وقعت منذ ذلك الحين وما يجري الآن هو تنازل عن ما بقى من التنازل الأول ."

ويقول " انا باعتقادي ان السلطة لديها ارتباطات خطيرة جدا خصوصا الذين يفاوضون منهم وفي موجب تلك الارتباطات لا يستطيعون الافصاح عن أي شيء لأن العدو الصهيوني يمسك عليهم زلات معينة وبالتالي هم يريدون ان يمرروا تصفية القضية الفلسطينية دون ان يواجههم الشعب الفلسطيني مواجهة عنيفة ".

يذكر انه في صيف عام 2007م وقع الانقسام الفلسطيني الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيطرت حركة "فتح" على حكم الضفة فيما سيطرت حركة "حماس" على الحكم في غزة، وذلك بعد فوز الاخيرة في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006، ونشوء أزمة سياسية ارتبطت بعراقيل الانتقال السلمي للسلطة داخلية وخارجية، وخضوع أجهزة السلطة الفلسطينية للفصيل الذي كان تقليديا ومنذ توقيع إتفاقية اوسلو يمسك بزمام الحكم الذاتي الفلسطيني وهو حركة "فتح".

 

اتفاق يضمن لها أمن..

بدوره يرى المحلل السياسي اكرم عطا الله ، ان" اسرائيل تريد اتفاق يضمن لها أمن اسرائيل وما ينطبق على الضفة الغربية بالتأكيد ينطبق على قطاع غزة من ناحية توريد الاسلحة وقوة الفلسطينيين التي يمكن ان تكون في حال قيام دولة فلسطينية ، بجانب البحر والحدود المائية والصلاحيات الفلسطينية في البحر وملف المعابر وموضوع الممر الآمن الذي يربط قطاع غزة بالضفة الغربية وهذا مهم ."

ويضيف " قبل كل شيء لابد ان يكون قطاع غزة ، مرتبط بالضفة الغربية ويجب الحديث حول كيفية هذا الربط ، هذه مسؤولية على الجانب الفلسطيني وبدون هذا الشيء لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية، وقد طرح بالسابق ان يتم الربط من خلال ممر آمن ، يجب ان ينتبه المفاوض الفلسطيني من محاولة تفرد اسرائيل بالحديث عن الضفة الغربية باعتبارها وحدة مستقلة عن قطاع غزة".

ويشير عطا الله الكاتب في صحيفة "الايام" الفلسطينية، الى موضوع سرقة مياه قطاع غزة ، قائلا "سبق وان قيل ان اسرائيل تسرق مياه قطاع غزة ، وهذا الامر يجب ان يكون جزء من المسائل المطروحة مع الجانب الاسرائيلي ، بالإضافة الى قضية الحدود ".

ويوضح في قضية الحدود مع قطاع غزة، بانه قد سبق وتم مناقشة الموضوع اثناء الاخلاء الإسرائيلي من القطاع في عام 2005م ، وجرى حديث ان اسرائيل لم تنسحب في حينها من كل اراضي قطاع غزة ، وقيل من جانب الفلسطينيين،ان معبر بيت حانون (ايريز) الاسرائيلي شمال قطاع غزة يقع في منطقة فلسطينية بامتياز، فيما ردت اسرائيل بتقديم مستندات تبين فيها انه عندما وقعت التهدئة التي تمت عام 1984م، كانت اسرائيل تتقدم في بعض الاراضي شرق مدينة خان يونس، وجرت مقايضة الامر مقابل انسحاب القوات المصرية من مناطق كانت تتقدم فيها في جنوب اسرائيل قريبة من بيت حانون .

يذكر ان قطاع غزّة خضع للسيطرة المصرية منذ حرب 1948، واستمر ذلك حتى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حيث سيطرت إسرائيل على قطاع غزة لمدة 6 أشهر عادت بعدها السيطرة المصرية حتى عام 1967"حرب الأيام الستة"، فسيطرت بعدها إسرائيل على قطاع غزة، ومنذ اتفاقية أوسلو1993 وتطبيق الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا بدا الفلسطينيون يسيطرون بالتدريج على المناطق المسكونة من قطاع غزة.

بجانب قضية حدود قطاع غزة التي يمكن ان تطرح في المفاوضات الجارية، هناك قضية المعابر التي تربط قطاع غزة باسرائيل، وهي ستة معابر تسيطر القوات الإسرائيلية عليها وتغلقها جميعها باستثناء معبرين ، وهما: معبر بيت حانون (إيريز) مخصص للحالات المرضية الصعبة ، ويمر منه الدبلوماسيون والصحفيون والبعثات الأجنبية، ومعبر كرم أبو سالم مخصص للحركة التجارية وهو المعبر الوحيد الذي يسمح بفتحه حاليا في بعض الأوقات، معبر الشجاعية (نحال عوز) مغلق حاليا وهو معبر حساس فمنه يمر الوقود نحو القطاع ويقع تحت إشراف شركة اسرائيلية يناط بها توريد الوقود نحو غزة، ومعبر المنطار (كارني) مغلق حاليا ويعتبر أهم المعابر في القطاع وأكبرها، ومعبر القرارة (كيسوفيم) وهو معبر مخصص للتحرك العسكري حيث تدخل منه الدبابات عند اجتياح القطاع ومعبر العودة (صوفا) وهو معبر صغير مخصص للحركة التجارية ومغلق حاليا، وهناك معبر رفح البري بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية.

وينوه المحلل السياسي عطا الله في حديث مع "وكالة قدس نت للأنباء" الى قضية هامة ألا وهي قضية الغاز الذي تم اكتشافه قبالة سواحل القطاع ، ويقول، ان "قضية الغاز يمكن ان تشكل حالة خلافية مع اسرائيل ، لان اسرائيل بدأت اكتشاف حقول وتستخرج الغاز من مياه البحر ، وهناك حقول تدخل في منطقة السيادة الفلسطينية ، وبالتالي هنا حق فلسطيني باستثمارها ، وربما هذا يدخل في اطار المنافسة والصراع الاقتصادي مع اسرائيل ."

ومن المعروف ان السلطة الفلسطينية قامت في العام 1999 بمنح عقد حصري لشركتي "بريتش غاز" البريطانية واتحاد المقاولين للتنقيب عن الغاز في بحر غزة.

ومع بدء عمليات البحث والتنقيب التي لم تستغرق طويلا من قبل الشركتين المطورتين اكتشف في عــام 2000 حقلين من الغاز على بعد 30 كيلومتر من شواطئ غزة وعلى عمق 600 متر.

وأطلق على الحقل الأول اسم "غزة مارين" ويقع كليا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزة ، اما الحقل الثاني فهو الحقل الحدودي "مارين 2" والذي يقع ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزة وإسرائيل.

وحددت الشركة البريطانية الكمية الموجودة من الغاز في بحر غزة بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عاما، حسب معدلات الاستهلاك وفقا لصندوق الاستثمار الفلسطيني .

وكانت وسائل اعلام تحدثت ان مبادرة (كيري – بلير) للاقتصاد الفلسطيني، والتي تتضمن العديد من المشاريع لتحفيز الاستثمار المحلي والخارجي في فلسطين تهدف لنمو الاقتصاد الفلسطيني وتوفير فرص العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبحسب ما ذكر فإن الخطة الاقتصادية ضمن المفاوضات الجارية حاليا بين السلطة الفلسطينية واسرائيل تهدف إلى تطوير حقول الغاز قبالة شواطئ قطاع غزة والاستفادة من هذه الثروات الطبيعية .

وتحول السيطرة الإسرائيلية الفعلية على المياه الإقليمية دون قيام المطورين بتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية، إذ تتطلب عملية التطوير بناء أنابيب نقل عدة وإجراءات وموافقات من الجانب الإسرائيلي.

وكشفت صحف عبرية عن إسرائيل اشترطت مؤخرا استبعاد الجانب الفلسطيني ممثلا في صندوق الاستثمار الذي يشرف على إدارة استثمارات السلطة الفلسطينية من مفاوضات تطوير الغاز، وقصرها على الشركة البريطانية معللة ذلك بسيطرة حماس على غزة وشواطئها.

كما تشترط أن يتم نقل الغاز من حقوله البحرية في غزة بأنابيب بحرية إلى ميناء عسقلان وليس إلى الضفة الغربية وهو الأمر الذي يرى فيه مراقبون سيطرة إسرائيلية كاملة واستغلال لهذه الحقـول .

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -