ما أروع القيادة الفلسطينية وهي تصر على عدم وجود أي رابط بين الإفراج عن قدامى الأسرى وبين التوسع الاستيطاني! بل ما أروع قيادتنا الفلسطينية وهي تهزأ من قيادة الإسرائيليين وتقول: إن الحكومة الإسرائيلية تحاول امتصاص غضب اليهود، فتدعي كذباً أن هنالك علاقة وثيقة بين الإفراج عن قدامى الأسرى وبين التوسع الاستيطاني!
ولكن القناة العاشرة الإسرائيلية أفسدت روعة القيادة الفلسطينية حين أعلنت رسمياً، أن نتانياهو سيصادق على بناء 1200 وحدة استيطانية في القدس تزامناً مع الإفراج عن الأسرى، وأن نتانياهو ينوي بناء 5000 وحدة سكنية جديدة مقابل الإفراج عن الأسرى القدامى البالغ عددهم 104 أسيراً !.
وأفسد جون كيري روعة القيادة الفلسطينية حين قال: إن الرئيس عباس لم يشترط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات، وإنما طالب بإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، وتسديد ديون السلطة والبالغة 600 مليون دولار.
الإصرار الفلسطيني على عدم وجود رابط بين إطلاق سراح بعض الأسرى وبين التوسع الاستيطاني إصرار لفظي، يعتمد الكلمات البراقة والبيانات الإعلامية، بينما الإصرار الإسرائيلي على وجود الرابط هو إصرار عملي، يعتمد اللكمات، ويحرك الجرافات للفعل فوق الأرض.
الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي بين الربط وعدمه ستطوي صفحته، وسيفرح اليهود للتوسع الاستيطاني في الوقت نفسه الذي سيفرح فيه الفلسطينيون لإطلاق سرح الأسرى، وهذا هو الأصل الذي تقوم عليه المفاوضات، ولكن الأخطر من ذلك هو انقسام الحالة الفلسطينية بين مفزوع وموجوع، فأما المفزوع فهو المتحدث باسم حركة فتح أسامة القواسمي، الذي قال: إن الرئيس القائد العام أبو مازن قد وعد بحرية الأسرى القدامى، وقد أوفى بوعده !.
وأما الموجوع فهو الأسير كريم يونس، وهو أحد قادة فتح الذين نعرفهم في السجون، ويتساءل بحرقة: إلى متى سنبقى أوفياء لقيادة لا تعرف الوفاء، ونلمس تجاهلها ونسيانها وإهمالها؟ أليس من حقنا أن نتساءل بعد عشرين عاماً من المفاوضات الفاشلة العبثية، والاتفاقيات الزائفة، لماذا تم نسيان الأسرى؟ ولماذا تدوسون على ألامهم ومعاناتهم؟
لم يصدق الأسرى الفلسطينيون ما يقال عن وفاء القيادة، إذ كيف يصدق مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، والسعدي كلام الوفاء والقيود تتغلغل في أجسادهم؟ وكيف يصدق كريم يونس أن القيادة قد أوفت بوعدها، ولما يزل السجن يطبق على أنفاسه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولما تزل السلاسل تدمي معصم زملائه، فالموجوع لا يطرب لرقصة المفزوع ؟.
بمقدار فرحتنا لإطلاق سراح 26 أسيراً، هو حزننا لنسيان خمسة ألاف أسير.