عاد من عمله إلى البيت ،وقبل أن يلقي التحية كعادته ، وقبل أن يجلس سأل زوجته : ماهو غداءنا اليوم ؟ قالها بتعجرف ،ردت عليه زوجته، بكل رهبة وهي ترتجف :سامحني .. اليوم أصبحت مريضة، ولم استطع أن أفعل شيئا !!
رد عليها بقساوة مفرطة كإدمانه للتدخين ، وبغلظة شديدة ، ودون أدنى مراعاة لمشاعرها الإنسانية ،وهي التي كانت تنتظر منه كلمات رقيقة حانية تخفف عنها أوجاعها ..لكنه فاجأها بتفوهه وسخافته هذه المرة بأن ألقى عليها يمين الطلاق !! وعلى عجالة تركها ، وغادر البيت متصورا أنه قد انتقم لرجولة وفحولته هكذا قد تربى ،..وكيف لا وذاك هو مفهومة عن قوامة الرجل وان عليه أن يستغل هذه الرخصة تأديبا وانتقاما ..انخرط الصغار في البكاء ، وكأنهم قد اجترعوا مرارة الموقف المؤسف والخطير وهم الذين لا يدركون أي شيء عن الحياة سوى اللهو واللعب !! ولما حل المساء ،رجع للبيت في ساعة متأخرة ..دخل غرفة النوم وأنار السراج فرآها ....نعم رآها ..كانت نائمة على سرير الأحلام ، والآمال ..كانت تكتم في حناياها ألاما تكاد تفتك بها ..حتى وجهها الملائكي أصبح شاحبا هذه المرة ،و العرق يتصبب من جبينها كالشلال ..لمح في عينيها دموع ساخنة تنساب على وجنتيها ..تكاد تطارده.. تلفحه بلعنتها .... تشبثت قدماه بالأرض ،كما مخاطيف السفن في عرض البحر ..واختلجت أضلعه .. حاول أن يدنو منها بخطوات ولو وهمية .. لكنه لم يستطع..حاول أن يمد يده بقوة دافعا بذراعيه عسى أن يلمس وجهها فيجفف دموعها بيده ، كم تمنى بأن يوقظها ويضمها إلى صدره بكل حنان ،ودفء لكنه برؤيته الضيقة أصبحت منطقة محظورة الاقتراب ،واللمس كحقول الألغام !! خرج من الغرفة بسرعة ، يجرجر قدماه حتى لا يشعر بالضعف أكثر فيقترف أثما كبيرا تلك كانت مخيلته عن الطلاق أن عليه قبل أن يراجعها لابد أن يتم ذلك عن طريق المأذون الشرعي ..جلس في غرفة الصالون وأشعل التلفاز ،والسيجارة في آن واحد عسى أن يخفف الدخان المتطاير همومه فيحملها لأعلى نحو الفضاء عبر نافذة غرفته المفتوحة ..أراد أن يبحث عن مخرج لكن بلا جدوى .. أدار زر القنوات الفضائية وعلى أحدى تلك المحطات كان هناك شيخا يتحدث عن جهل كثير من المسلمين بأمور دينهم وعدم فهمهم لما يتعلق بأمور الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله حيث استمع بشغف وبلهفه لكلام الشيخ والذي قال أن الإسلام قد أجاز للزوج أن يطلق زوجته طلقة واحدة رجعية ،تعتد فيها الزوجة في بيت الزوجية مدة تقارب ثلاثة أشهر تقريبا وأنه يستطيع الزوج خلال هذه المدة أن يراجعها إليه من غير مهر ولا عقد ولا شهود ولو لم ترضى ....ما أن سمع ذاك الزوج وإلا قد ارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة ،صار كغريق ٍ التقطه طوق النجاة.. أسرع صوب الغرفة يكاد يسابق الريح ، وما أن اقترب من زوجته.. وإلا وحملها بين زراعيه ،وأخذ يجفف دموعها وهو يطوف بها أرجاء الغرفة كان يردد بكل ندم : بل أنت ِسامحيني !!