قصة قصيرة بعنوان "كيف تكون المحبة

بقلم: هاني زهير مصبح

قصتي اليوم هي عن الحب ولكن أي حب ،فلا يذهب تفكيركم بعيداً فأنا مثلكم بإنسان أحب ،أحب الله عز وجل الذي خلقني وأحب أمي التي أنجبتني وأحب أم لم تلدني اسمها "أمينة العلمي" تعيش في فرنسا وهي من البلد العربي الأصيل من المملكة المغربية حفظهم الله شعباً وملكاً وأكتب هذه القصة هدية لها .
وأحب أشياء كثيرة من حولي منذ أن ولدت وكبرت فكلنا وجدت فينا هذه النواه الجميلة منذ أن ولدنا ونحن نحب أشياء كثيرة من حولنا بعضها ملموس وبعضها غير ملموس وبعضها مرئي وبعضها غير مرئي وأيضاً هناك أشياء كثيرة من حولنا كمواقف نمر بها تجعلنا نستاء منها بعضها يصل إلي درجة الكره ولكن الله أنعم علينا بنعمة لا تقدر بثمن وهي نعمة النسيان ،فكثير من الأشياء التي تؤثر سلباً علي حياتنا وتتعلق بنا كأفراد أو كمجتمع مرتبطة بذاتنا عندما نكرهها مع الوقت قد نصفح أو نسامح أو ننساها ومثال علي ذلك الشعب الياباني العظيم والشعب الأمريكي بعد تدمير مدينتي "هيروشيما وناجازاكي " مع مرور الوقت لقد تسامح الشعب الياباني وتصالح مع أمريكا وأنا أعتبر الشعب الياباني من أكثر الشعوب محبة وتسامح ومن أكثر شعوب العالم حضارياً .
المحبة علي العكس من الكره فعندما نحب شيئاً فمن الصعب أن ننساه وحتي إن أصبح بعيداً عنا فهل وجدت يوماً إنسان أحب وطنة وغادر عنه بعيداً ومر علية سنوات من الدهر وترك محبته لوطنه ؟من المؤكد لا ،بل تجد محبته لوطنه قد زاد بمقدار كبير وأكثر ممن يعيشون فيه هذا علي سبيل المثال لا الحصر ،فالمحبة شيء جميل تجده في داخل كل مخلوق ليس الإنسان فحسب .
جميعنا ولدنا وكبرنا وفي حياتنا سلسلة طويلة من الذكريات من الماضي والحاضر وكلها ترتبط بشكل مباشر في نمط الحياة التي نعيشها وهي ليست بمعزل عن من هم حولنا من الأهل والأصدقاء والمجتمع ككل فنحن نعيش في دائرة واحدة ،فعلى المستوى الشخصي تكون دائرة حياتنا متعلقة في الأهل والأقارب والأصدقاء والزوجة وزملاء العمل وأكثر ما يختار الإنسان من هذه الدائرة هي الأم والزوجة وأنا عن نفسي أحب أمي كثيراً وأحب زوجتي فكلاهما نبض القلب ونور العين فعندما نجلس مع أنفسنا ونفكر بتمعن تتجسد عظمة الأم التي تعبت كثيراً وسهرت الليالي وتألمت كثيراً وأعطت بلا حدود وجاعت حتى نشبع نحن وسهرت حتى ننام نحن وتألمت لآلامنا فهي تعطي بلا حدود ليس ونحن صغار فحسب بل حتى وعندما نكبر نبقي في نظرها صغار ليس لأننا لا نستطيع الاعتماد علي أنفسنا وإنما لأنها مازالت تعطي وتعطي وتقدم كل ما لديها من عطاء بكل ما تملك من محبة وحنان ،وكذلك الزوجة التي منحت نفسها لزوجها وخليفته في رعيته وقائمة علي شئونه وتقوم مقام الأم لزوجها عندما يمرض ،فهل تجردتم من أخلاقكم وإنسانيتكم أيها الرجال وأصبحتم جاحدون بخلاء فهل نسيتم كل هذا العطاء اللامحدود ؟
أما علي صعيد الدائرة الكبرى وهي دائرة المكان الذي نعيش فيه ككل سواء كان وطنك الذي ولدت فيه أو المكان الذي تعيش فيه فعليك أن تمنح ذلك قدراً عالياً من المحبة والعطاء لكونك أنت جزء من هذا المكان الذي يقدم لك ويعطيك الكثير ،فعليك أن تكون محباً مخلصاً لوطنك وللمكان الذي تعيش فيه ،فهو المكان الذي تجد فيه ذاتك وعنوانك ويمنحك الكثير من الأشياء ،فأنا وأنت نحن المجتمع الذي يتشكل منه الوطن بكل مؤسساته وأطيافه فعلينا أن نبذل كل ما في جهدنا من عطاء ومحبة صادقة ليس من أجل أنفسنا فحسب بل من أجل من يأتون من بعدنا من تعاقب للأجيال فقد نغرس الأشجار ولا نقطف من ثمارها ولكن من يأتون من بعدنا هم من يقطفون ثمارها وهكذا فعل أسلافنا ونحن يجب أن نكون كذلك ،يجب أن نؤسس بصدق وفعل جاد ومحبه خالصة وتكون لنا إسهاماتنا الحقيقية في خلق بيئة صالحة ومجتمع ناجح فعال ،فأنا وأنت لسنا بمعزل عن النتائج التي تصل إليها مجتمعاتنا من نجاح وفشل فكم من البلدان كانت قديما لا تحظى بالرقي والازدهار وبإسهامات أهلها بلغت نجاحات ملموسة ورائعة وعلى سبيل المثال اليابان وسنغافورة وكثير من البلاد والمجتمعات وبالمقابل بلاد كانت مزدهرة وقد أخفقت وتحولت إلي مراحل بلغت حد الانهيار وليس فرداً واحداً هو المسئول عن ذلك الانهيار ،بل كل فئات ذلك المجتمع فالكل له دور في هذا الانهيار وعلى سبيل المثال الدولة الإسلامية في الأندلس بعد ثمانية قرون من الازدهار سقطت وانهارت وهذا قديما وكذلك هناك دول حديثة أوروبية قد انهارت مثل اليونان والبرتغال وكذلك هناك دول كثيرة إن لم يفكر أهلها جيداً ويعتبر كل فرد من أفرادها مسئولاً ويسهم في تحمل المسئولية فإنها حتماً ستسقط وتنهار .
هنا سوف أتكلم عن ذاتي قليلاً فمحبتي إن لم تكن لوطني فلسطين محبة كبيرة لا أقبل بها المنافسة فأعتبر نفسي ليس مخلصاً لوطني وهكذا يجب أن يكون انتمائنا لأوطاننا من محبه وعطاء ولكن وطني محتل ومغتصب وهذا يزيدني حباً واصراراً على تقديم تضحية أكبر من المحبة والعطاء فالمحتل دوماً يريد من الشعوب المغتصبة الرحيل وترك أوطانهم ،فقد يطرهم عنوةً كما حدث مع شعبنا شعب فلسطين عندما طردهم الاحتلال وهجرهم إلي شتي بقاع الأرض وتركز وجودهم في مخيمات الشتات واللجوء في دول الجوار في لبنان وسوريا والأردن وهم الآن يعيشون أسوء حياة ولو قابلت أحداً منهم برغم تلك الحياة تجدهم أكثر الناس محبة لأوطانهم التي مازالوا يحلمون بالعودة إلية ،ففلسطين وطن محبة وسلام فيها مسرى النبي محمد صلى الله علية وسلم "المسجد الأقصى "بمدينة القدس الشريف ،وفيها مهد المسيح عيسى علية السلام في مدينة السلام مدينة " بيت لحم " ففلسطين هي وطن ليس أي وطن ليس لأنني فلسطيني فحسب بل لأنها فلسطين .
وبعضهم يريد الاحتلال الاسرائيلي تهجيرهم بطرق عديدة من خلال ممارسات عديدة من تجويع وتشريد وحروب وحصار وأسر وقتل وتدمير وقد نجح الاحتلال في ذلك كثيراً فعندما لا يجد الإنسان قوت يومه ويصبح مهدد في حياته ولا يجد مأوى يسكن فيه ،هنا يبدأ الإنسان بالبحث عن ملاذ آمن وللأسف هذه غاية المحتل وهي تفريغ الأرض من محتواها السكاني ،ولكن كيف ينجح الاحتلال في ذلك؟
ينجح عندما يجعل الإنسان في ذاته محطم يفقد الآمال ولا يفكر إلا في اليأس والخوف والجوع والمرض فعندما يستسلم الإنسان في تفكيره وذاته لتلك الأفكار التي رسمها أمامه المحتل وجعله يعيشها بكل ما فيها من غصة وآلام فحتماً سوف ينهار ولكن عليك الآتي قف فوق الركام من الآلام والأحزان ولا تنظر إليها ليس لأنك بمعزل عنها وإنما لتستطيع العيش بصورة أفضل وأبحث في ذاتك عن ذاتك وأبحث عن شعاع أمل ونور وأرسم لنفسك شعاع تسير نحوه وأصنع لنفسك بسمة وحاول أن ترسمها على شفاه من تستطيع ممن هم حولك حتى تستطيع تخطي الصعاب ،فقد أعجبني ما حدث في مدينة "سيول" باليابان ليس إعجابي بالكارثة وإنما إعجابي بالناس فعندما كنت أتابع هذا المجتمع العريق أذهلتني ثقافتهم وتفكيرهم عندما كان يذهب الفرد إلي المركز التجاري أو أي مكان آخر لتلبية احتياجاته فلا يأخذ إلا حاجته اليومية وسألت أحد المذيعات في لقاء بأحد المتاجر أحد الأشخاص لماذا لا تأخذ إلا حاجتك اليومية من الأشياء ؟
فكان الرد كالتالي : حتي لا أتسبب في خلق أزمة جديدة وحتي أترك للآخرين ما يجدونه من احتياجاتهم ،نعم تلك هي ثقافة مجتمع يعمل بروح الفريق هكذا كانوا في كافة مناحي الحياة ،وهكذا يجب أن تكون ثقافة الناس بداخل مجتمعهم ،ترسم البسمة لنفسك ولغيرك وتنزع من داخلك هواجس اليأس والتشاؤم ولا تؤثر سلباً على الآخرين وهكذا عليك أن تخلق لنفسك بيئة وحياة لتتعايش معها برغم كل الألم والصعاب ،فلقد عشت واقع مرير وألم شديد وحياة تشرد قاسية في كل معانيها سواء ممن هم قريبون مني أو من واقع الحصار والحروب الإسرائيلية التي قضت على كل شيء تقريباً ولكني استطعت أن أفتش عن ذاتي ولم أنظر إلي الأشياء السوداء بل فتشت عن الزهور وغرستها في قلبي حتي وإن كان ماؤها دموعي ولكني أحب وطني وهو أغلي مني ومن أي شيء ولكن أيها الإنسان الفلسطيني بالذات هل فكرت ومشيت أولى خطواتك نحو الحاضر والمستقبل؟
جرب أيها الإنسان البائس المتشائم ،جرب وأرسم أولى خطواتك ولا تستسلم وخذ العبرة مني فقد أصابني مرض السرطان الخبيث ولم أستسلم لهذا المرض وعشت حياتي برغم تخلي أقرب الناس إلى عني عندما قالوا:" هذا مريض بالسرطان الخبيث يعني ميت ميت فلا حاجة لخسارة النقود "وكنت أسمع ذلك بنفسي فهل أصابني الضعف والانكسار؟ بل على العكس من ذلك فقد زادني ذلك عزيمة واصرار وصرت أولى خطواتي وبدأت أرسم لنفسي بصيص أمل من شعاع نور وقلت في قرارة نفسي بأن هناك الكثيرون ممن هم يائسون بائسون من ضعفاء وفقراء ومرضي وآخرون فعملت جاهداً أنا ومن أعرفهم ممن أعجبني فيهم أرواحهم وقلوبهم الطيبة الجميلة التي تحب صنع الابتسامة على شفاه الآخرين حتى أصبحنا فريقاً كاملاً أكثرهم حباً لهذا العمل الجميل هو صديقي العزيز "سامي الأشعل" وكنا جميعاً أشخاص عاديون لكل منا مشاكلة وهمومة الخاصة ولسنا بأغنياء بل فقراء وعاديون نعمل بمبدأ الاتحاد قوة والتفرق ضعف بمبدأ أفعل ما تستطع فعلة حتى قدمنا الكثير ورسمنا البسمة على شفاه مئات الأشخاص المحرومين رجالاً ونساءً وأطفالاً فكن أنت مثلنا وأصنع لنفسك البسمة ومن ثم ساهم في رسمها على شفاه من هم حولك أو قريبون منك ،المحبة كنز من الكنوز التي وهبنا الله عز وجل إياها فلا تضيع هذا الكنز وإنني أشكر الله وأحمده كثيراً علي محبة منحني إياها ووهبني جزءاً من قلبها تلك هي أم لم تلدني كانت صاحبة رسم الابتسامة على شفاهي بيني وبينها آلاف الأميال ولكن المسافة الحقيقية بيننا تساوي صفر لأنها بعيدة جغرافياً ولكنها تسكن في قلبي فعلياً ،محبتها كأم لم تلدني لا ينقص من حقها شيئاً كأم ،فلا فرق بينها وبين أمي في فلسطين وما وجدت أكثر منها عطاءاً وحباً للخير في كل شيء وما وجدت أكثر منها رحمة في عصرنا هذا فهي تتألم وتبكي كثيراً عندما تشاهد ما يجري في فلسطين أو أي مكان .
وقفت بجانبي في الوقت الذي تخلي عني فيه أقرب الناس ،منحتني ما أفتقد إلية من محبة وعطاء ولم تتركني وحيداً ،وقفت بجانبي في علاجي من مرض السرطان الخبيث وتقول أنت الابن الذى لم تلده بطني ،أنا عاجز عن شكرها وتقديرها وأقل ما يمكنني قولة أنني أحبها كثيراً كثيراُ محبة الابن لأمة محبة صادقة ،فأنا لم ألتقيها رغم أنني أعرفها منذ سنوات وأتكلم معها دوماً وإن غبت عنها برهة من الأيام تظن أن هناك أمر ما فتحزن وتبادر بالسؤال أتعرفون لماذا ؟
لأن هذا هو قلب الأم القلب الذي يعطي بلا حدود وهكذا يجب أن تكون المحبة بين الناس فحينها سوف تعم البسمة الجميع .
فبادر يا من تقرأ كلماتي وأجعل المحبة عنوان حياتك لتكون جميلة برائحة الورد وجمال ألوانه فلا حياة مع اليأس .
الكاتب الفلسطيني/ هاني زهير مصبح