تحاول دولة الإحتلال من خلال منظومتها السياسية وأدواتها الإعلامية التقليل من أهمية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المعتقلين منذ ما قبل أوسلو وسعت للتنغيص علي الفلسطينيين فرحتهم بهذا الإنجاز عبر ادعائها زورا وبهتانا بأن اطلاق سراح الأسرى كان مشروطا باستمرار الاستيطان وبأن الرئيس أبو مازن قد وافق علي ذلك نظرا لتفهمه للضغوط التي يتعرض لها ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف ولتمكين النتنياهو من تخفيف سخط اليمين المرتبط بإطلاق سراح الأسرى ، بحيث يقدم لهم ردا على عملية الافراج بمزيد من الاستيطان خاصة في القدس الشرقية وبحيث يشكل ذلك تماشيا مع عدم ممانعة حزب "البيت اليهودي" وقيادة المستوطنين بإطلاق سراح أسرى مقابل التسريع في وتيرة الإستيطان وتوسيعه في الضفة الغربية .
في المقابل فقد تصدى الرئيس أبو مازن لهذه المحاولات بشدة وانفعال مشددا علي كونها أكاذيب وافتراءات لا تمت إلي الحقيقة بصلة ، كما نفت مصادر فلسطينية متعددة التقارير التي تتحدث عن ذلك نفيا قاطعا ، مؤكدة بأن اتفاق إطلاق سراح الأسرى القدامي كان نتاج تفاهم فلسطيني إسرائيلي برعاية أميريكية تلتزم بموجبه دولة الإحتلال بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى علي أن تمتنع القيادة الفلسطينية عن التوجه لمقاضاة الاحتلال لدي محكمة الجنايات الدولية وأن تتوقف مساعي الفلسطينيين للإنضمام لأي من المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة طوال فترة المفاوضات المتفق عليها وهي تسعة أشهر فقط .
من الواضح تماما أن الهدف من وراء إطلاق الإحتلال لهذه الأكاذيب والادعاءات المضللة والملفقة هو تشويه الإنتصار الفلسطيني بتحرير الأسرى من خلال الإيحاء بأن الجانب الفلسطيني قد دفع لهذه الغاية ثمنا باهظا من أرضه وحقوقه الأمر الذي سيتسبب بلا شك في تعميق الشرخ الفلسطيني الداخلي وسيؤدي حتما إلي توتير العلاقات البينية لمكونات المجتمع الفلسطيني ، إضافة إلي محاولة إسرائيل الالتفاف علي ما حققه هذا الإنجاز من كسر لكافة المعايير الإسرائيلية التي رفضت بموجبها دولة الإحتلال ولسنوات طويلة إطلاق سراح أسرى ماقبل أوسلو بادعاء أن أيديهم ملطخة بالدماء ورفضها مبدا التفاوض حول مصير العشرات من أسرى الداخل والقدس كونهم يحملون الجنسية الإسرائيلية ولا يجوز للسلطة في نظر الإحتلال أن تنوب عنهم خلال المفاوضات ، وقد تمترس الاحتلال بقوة خلف هذه المعايير إلي أن تمكنت القيادة الفلسطينية من انتزاع هذا الحق وتحرير هذه النخبة من أسرانا البواسل بعد أن عجزت العديد من الصفقات السياسية والعسكرية من تحقيق ذلك مع تبجيلنا وإشادتنا بما حققته صفقة شاليط التي أسقطت بدورها العديد من تلك المعايير وحققت انجازا فلسطينيا لايمكن لأحد أن يتجاهله .
من المؤسف هنا أن لا يقتصر الترويج لهذه الأكاذيب والشائعات علي دولة الكيان ، بل تورطت في ذلك العديد من الأوساط الفلسطينية واستخدمتها استخداما مفرطا في المناكفات السياسة وصل إلي حد التشكيك في نوايا القيادة الفلسطينية واتهامها بالخيانة ومقايضة الأرض الفلسطينية بإطلاق سراح الأسرى .
إن التعاطي مع الرواية الإسرائيلية بمصداقية واهتمام من قبل بعض الأطراف الفلسطينية هو عين الخلل الذي تسبب تاريخيا في إثارة القلاقل وساهم في تغذية الخلافات بين أطراف العمل السياسي الفلسطيني ولعل السهام المسممة للإعلام الإسرائيلي كانت أحد أهم الأسباب التي قادت إلي الانقسام الفلسطيني وانحدار العلاقة بين مختلف الأيدلوجيات الفلسطينية ، وبكل أسف نجح إعلام الإحتلال وفي مرات عديدة في حرف بوصلة النضال الفلسطيني والنيل من توجهاته النبيلة .
قد يرى الكثيرون في ترديد البعض الفلسطيني لادعاءات الإحتلال ومسوغاته بشأن اتفاق الأسرى تماهيا مع مخططاته وتحقيقا لرغباته في دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد والتنغيص عليه فرحته بهذا الإنتصار الفلسطيني الكبير ، وكان الأجدر أن ينظر الجميع بإيجابية لأي جهد يقود إلي إنجاز وطني حقيقي خاصة إذا ما كان من شأن هذا الجهد أن يضع حدا لمعاناة كوكبة من مناضلي هذا الشعب الذين فقدوا في لحظة من اللحظات الأمل في أن ينعموا بالحرية ، ولنا أسوة في ما لاقته صفقة وفاء الأحرار من إشادة وترحيب كبيرين من كافة أطياف الشعب الفلسطيني ، ولعل أبرز الذين رحبوا بنتائج تلك الصفقة هو الرئيس أبو مازن الذي قرر في حينه أن يكون علي رأس المستقبلين لأسرى الحرية غاضا الطرف عن الخلافات التي تشوب العلاقة بينه وبين أصحاب ذلك الإنجاز طالما أنه يصب في مصلحة شعبنا وطالما أنه يضع حدا لمعاناة شريحة مناضلة من أسرانا الذين أفنوا زهرات شبابهم فداء لحرية شعبهم ومثلوا لسنوات طويلة شموعا تحترق لتنير لنا دروب الحرية ومسالك الانتصار .
الكاتب مدير دائرة الإعلام في جمعية الأسرى والمحررين "حسام"