يبدو أن علينا أن ندقق في الأيام لنقف على حقيقة مآساة فلسطين، فلم يعد بالامكان ربط فصل منها بعام أو شهر، بل بات علينا أن نحددها باليوم كي لا يختلط مع فصول أخرى في التراجيديا الفلسطينية تحمل عناوين لفصول أخرى منها، الأول من نوفمبر لهذا العام توغل اسرائيلي في المنطقة الشرقية من خان يونس، يسفر عن سقوط أربعة شهداء، والثاني منه ذكرى وعد بلفور المشؤوم، الذي أعربت فيه حكومة "جلالتها" على أنها تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وأنها ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، والثالث من نوفمبر يعيدنا مرة أخرى إلى خان يونس، حيث ذكرى المجزرة الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني، حين أقدمت قوات الاحتلال في عام 1956 على ارتكاب مجزرة متعددة الأركان، سقط فيها المئات من أبناء خان يونس.
لم تحظ مجزرة خان يونس عام 1956 بالاهتمام المطلوب على مدار عقود عدة، إلى أن بدأ الاهتمام بها في العقد الأخير، رغم أن المجزرة تعتبر الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني، ليس فقط من حيث عدد ضحاياها، والذي حتى هذه اللحظة مازال يخضع للتقدير دون التوثيق، لكن المؤكد أن المئات منهم جرى حصرهم سواء من خلال كتاب د. إحسان الأغا "خان يونس وشهداؤها"، أو ما أتبعه من إضافات، لكن لأن المجزرة ببشاعتها إمتدت على مدار أيام عدة، وهو الرقم الذي ما زال أيضاً محل إجتهاد ما بين ستة وتسعة أيام، يضاف إلى ذلك أن المجزرة هي مجموعة من المجازر التي شهدتها أحياء خان يونس المختلفة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، والمجزرة ايضاً ارتكبها الجيش النظامي في وضح النهار، ولعل هذا ما يميزها عن غيرها من المجازر التي نفذتها عصابات صهيونية.
قبل عقد من الزمان عملت بلدية خان يونس من خلال لجنة من رجال القضاء بخان يونس بالتعاون مع المركز الفلسطيني لحقوق الانسان وقسم التاريخ الشفوي بجامعة القدس المفتوحة على توثيق المجزرة، من خلال الاستماع إلى شهادات ممن عاصروا المجزرة، وهو جيل لم يبق منه الكثير على قيد الحياة، وبقدر ما كان لتلك الشهادات من أهمية، إلا أن العديد من الوثائق التي لم نصل إليها بعد المتعلقة بفصول المجزرة ما زالت في بعض المراكز والمؤسسات الدولية، وبخاصة في منظمة الأمم المتحدة وأرشيف الحكومة البريطانية وكذلك في مؤسسة الأهرام في جمهورية مصر العربية.
في السنوات القليلة السابقة تم تشكيل لجنة شعبية من أهالي خان يونس لإحياء ذكرى مجزرة 1956، بقدر ما يحمل هذا من أهمية في تعريف الأجيال الحالية والمستقبلية بحجم الجريمة التي ارتكبتها القوات الصهيونية، بقدر ما نحن اليوم بحاجة لعمل توثيقي مهني للمجزرة تشرف عليه السلطة الفلسطينية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، يتناول تأريخ هذه المجزرة من جوانبها المختلفة، فإلى جانب توثيق شهادات الناجين من المجزرة نحن بحاجة إلى أن نصل إلى الوثائق المتعلقة بها في أرشيف المؤسسات الدولية.
على مدار السنوات القليلة السابقة ارتفعت بشكل ملحوظ عدد الرسالات المقدمة من ابناء قطاع غزة لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراة، ولكن للأسف أن أي منها لم يحمل عنوان مجزرة خان يونس عام 1956، رغم أن مثل هذا الموضوع يحمل أهمية كبيرة عما سواه، فالمكتبات العربية تفتقر للمعلومات المتعلقة بها، ناهيك عن أهمية ذلك في تأريخ الشعب الفلسطيني ومأساته، التي ما زالت العديد من فصولها خارج دائرة الاهتمام.
[email protected]