قبل مدة قصيرة اقل من أسبوع ترددت أنباء عن ان المناضلة الجزائرية الكبيرة جميلة بوحيرد قد توفيت في احد المشافي الفرنسية،ولكن تلك الأخبار كانت عارية عن الصحة،رغم خطورة الحالة الصحية لتلك المناضلة الكبيرة،وتلك الثائرة والمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد التي نتمنى لها طول العمر ودوام الصحة والعافية، جميلة التي تنتمي الى مدرسة الثورة والثوار العظام والكبار،مدرسة جيفارا وهوشي منه ونجوين جياب وغاندي وتيتو واحمد سوكارنو وباتريس لومومبا وعبد الناصر وبومدين ومانديلا ووديع والحكيم وابو عمار وليلى خالد،جيل الثوار وعمالقة النضال،الذين تفنى أجسادهم،وتبقى تعاليمهم وأفكارهم ومسيرتهم وسيرتهم حية في اعماق ذاكرة شعوبهم،تسير على هديهم وطريقهم وتستنير بفكرهم وتجاربهم وخبراتهم،تتعلم منهم معنى النضال الحقيقي،النضال من اجل الوطن،من اجل العزة والكرامة،تتعلم منهم العطاء والتضحية بلا ثمن او مقابل،تتعلم منهم إنكار الذات في سبيل الاخرين والوطن لا من اجل منصب او جاه او منافع ومكاسب مادية أو معنوية،هؤلاء القادة العمالقة عاشوا بسطاء وماتوا بسطاء.بوحيرد رفضت بكل عنفوان وإباء المال الخليجي المشبوه عندما،لم تكن قادرة على تغطية تكاليف علاجها،رفضت ان يلوث تاريخها ونضالها بالمال المستخدم في قتل الشعوب العربية وتدمير اوطانها،كما رفض الحكيم ان تكتب مذكراته من خلال المال الخليجي،أو يكون ضمن برنامج الجزيرة المتصهينة "شاهد على العصر" مقابل أموال الخليج المشبوهة الهدف والمرامي والغايات،هؤلاء هم الثوار الذين نعتز ونفتخر بهم،هؤلاء الذين لا يحق لنا ان نحيد عن هديهم وتعاليمهم،فهم من عبدوا لنا ولشعوبهم ولكل الشعوب المضطهدة والمقهورة الطريق نحو الحرية والإستقلال.
جميلة الثائرة التي كانت وحيدة بين سبعة إخوة ذكور لأب جزائري وام تونسية،عندما كان الإحتلال الفرنسي،يقوم بعملية فرنسة للجزائريين،وبالذات طلبة المدارس،كان مطلوب منها هي وبقية زميلاتها الطالبات،أن ينشدن في الطابور الصباحي فرنسا أمنا،حيث انها تلقت تعليمها في مدرسة فرنسية في الجزائر،ولكنها رفضت ذلك وكانت تقول الجزائر أمنا،ومن اجل ذلك تعرضت للتعنيف والطرد.إنتمت لجبهة التحرير الجزائرية عام 1954 مع إندلاع الثورة الجزائرية،وهي في العشرين من عمرها،وكانت واحدة من ثلاث جميلات عرفهن التاريخ النضالي الجزائري،جميلة بوحيرد وجميلة بو عزة وجميلة باشا،إلتحقت بصفوف الفدائيين وكانت اولى المتطوعات لزرع القنابل في طريق الإستعمار الفرنسي،ونظراً لبطولاتها أصبحت المطاردة رقم 1 .وفي 26 كانون الثاني 1957 بدأت قصتها النضالية عندما فجرت قنبلة موقوتة في ملهى يتردد عليه الشبان الفرنسيون الذين يؤدون خدمتهم العسكرية في الجزائر،ليجري في 9 نيسان 1957 اعتقالها من قبل دورية للإحتلال الفرنسي،بعد أن أصيبت برصاصة في صدرها وضبطت معها وثائق ورسائل ومبلغ كبير من المال، دلت على إنها كانت صلة الوصل مع قائد فدائيي الجزائر ياسف سعدي.
بدأت رحلتها القاسية من التعذيب وجملتها الشهيرة التي قالتها آنذاك “أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا إنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة”. وبعد 3 سنوات من السجن تم ترحيلها إلى فرنسا وقضت هناك مدة ثلاث سنوات.
ضربت وأحرقت بالكهرباء في مكان الجرح المصابة به وفي نهديها والعضو التناسلي وأصيبت بنزف شديد أدى إلى انقطاع الحيض وبعجز عن رفع ذراعها اليسرى.في 16 تموز 1957 صدر حكم بإعدامها مع جميلة بو عزة.دخلت السجن وهي تنشد “جزائرنا” وتردد صوتها في الشوارع.انطلقت التظاهرات الشعبية احتجاجاً على اعتقالها وتطورت قضيتها لتصبح قضية عربية وعالمية.
طالب زعماء العالم وفي مقدمهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الهندي نهرو، والزعيم السوفياتي خرتشوف بالعفو عنها.
كان موعد تنفيذ الحكم بالاعدام في 7 آذار 1958 لكنه لم ينفذ وصدر مرسوم في 18 نيسان بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد. وكانت تقول: “كنت أفضل الموت على حياة المعتقل، ليتهم أعدموني لاسترحت من العذاب الذي أعانيه الآن.”
خرجت من السجن في العام 1962 وتزوجت محاميها جاك فيرجيس في العام 1965 وأنجبا ولدين لياس ومريم (متزوجة فؤاد حبوب ولهما طفلة تدعى فاطمة نور (1995)).
عملت مع زوجها في تأسيس مجلة تعنى بالثورات القومية الافريقية.
انفصلت عن زوجها منذ العام 1991 وهي تعيش بمفردها في فرنسا، تتقاضى راتباً من الدولة وتقوم بنشاطات اجتماعية من وقت إلى آخر. استبعدت عن المشاركة في مواقع السلطة لأنها تزوجت فرنسياً.
جميلة بوحيرد كانت مناضلة في الزمن الجميل،في زمن الثورة والثوار،زمن كان يدفع فيه الثائر ثمن انتمائه إما حياته،او مطاردة وإختفاء او سنوات طويلة من عمره في السجون واقبية التحقيق،أو النفي الى خارج الوطن،زمن كان يناضل فيه الثوار من أجل حرية اوطانهم وشعوبهم،وهم يمتلكون القناعة والإصرار والإرادة على صنع مستقبل أفضل لشعوبهم،لكي تحتل لها مكانة لائقة تحت الشمس بين الشعوب.
جميلة يا سنديانة النضال ويا من كنت وستبقين الملهمة لكل الثوار والثائرات من اجل حرية شعوبنا وامتنا العربية،تلك الأمة التي لم يزهر ربيعها،ولم ياتي لا بحرية ولا بثورة،بل كانت فوضى خلاقة اغرقت الأوطان في حروب مذهبية وطائفية ،فككت وفتت جغرافيتها خدمة لمشاريع معادية ومشبوهة في المنطقة تنفذ بأموال عربية.
نتمنى لك طول العمر والبقاء ودوام الصحية والعافية،فإسمك سيبقى محفوراً ومنقوشاً في أعماق اعماق ذاكرة شعوبنا وامتنا العربية كواحدة من عمالقة النضال والثورات العربية والعالمية.