هوس الحرب المنتشر في غزة...!

لم تستطيع اخفاء دهشتك عندما تدخل سيارة اجرة في شوارع قطاع غزة، او تسير وسط مخيم سكاني، وعينك وعقلك تراقب حديث الجالسين وهم كثر.. " الحرب الجاية اقوى"،" بقولك راح يجرفوا كل غزة"، " اسمعت بطيارة البي 52 بقولك مرعبة"، "بقولك المقاومة معها صواريخ بتوصل ايلات والعفولة".

لم ينفك الناس عن حالة الهوس بكل عدوان اسرائيلي متوقع او بالحديث عن مقدماته مثل التحليق المكثف وبشكل ملفت لطائرات الاستطلاع المعروفة بـ"الزنانة" في سماء قطاع غزة ، والمخاض العسير في التحليلات المغلضة وتهويل كل واردة يستطيع المتحدث أن يلتقفها من فم التلفاز او المذياع.

لماذا..؟

تقول الطبيبة النفسية راوية ابو حسن لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" ان "الحالة النفسية التي تشبعت بالحروب السابقة ولدت شعورا لا يوصف من التفكير الغزير بهجمات او حرب اسرائيلية، ومتعلقات ميدانية تعترك صفوة الناس واقلهم ليتحدث بشكل كبير حتى الصغار ايضا، ناهيك عن سماع بعض المحليين والتهويج الغير منطقي من قبل البعض والشائعات التي سرعان ما تغزوا كل شخص عندما يسمعوها سواء كانت مبنية لمعلوم او لمجهول".

وتضيف الطبيبة والتي تتحدث عن حالات نفسية بالجملة لدى كل اسرة تأتيها في عيادتها بعد كل حرب تصيب قطاع غزة" من بين كل عائلة هناك 3 اشخاص اغلبهم فتيات يأتوا مصابين بحالات هلع كبيرة وصدمات مركزة و الاطفال ايضا".

السائقون..

يقول السائق رمزي وهو طالب خدمة اجتماعية تخرج حديثا من الجامعة وارغمته الحياة ان يخوض غمار العمل بسيارات الاجرة" احنا في بلد ماشية على الاشاعة للاسف، مع ذلك توقع الناس للحرب او للسلام او حتى للتشاؤم والتفاؤل يكون بناءا على قراءة سواء كانت مقبولة او مكبرة فهذا الواقع، لازم نقبل فيه".

ويضيف السائق الشاب قائلا "بنصح الناس تهاجر اريح إلها (...)بكل صراحة بدك تنقل كلمتي هذي او تخبيها نفسنا نهاجر". حسب تعبيره

اما السائق ابو سمير فيقول لمراسلنا " احنا بنركب معنا مئات الاسخاص يوميا وكل واحد بيحكي كلام من عندو اغلبهم بقولك الحرب جاية جاية ولا اعلم هل هي قادمة او كلامهم الي قادم ، ولكن ما اعلمه اني رح اصف غدا لساعات حتى اجلب البنزين واعيل اسرتي وربنا يجملها بالستر ". حسب وصفه

امهات..

ام رامي تصف شعورها بان الحرب دمار وكارثة لانها تأخذ ابناءنا " احنا يا بني ما بنحب الحرب لانوا الإم بتتعب على ابنها عشان يعيش وينبسط ويكون جنبها، يروح يموت (..)صح احنا مؤمنين بقدر الله ولكن ما نفسي تصير حرب، والله نفسنا نرجع نروح نشتغل في اسرائيل، ويصير سلام مع اليهود والعرب بس اليهود غدارين يا بني".

ام اسعد وهي والدة احد الشهداء الذين قضوا في هجمات اسرائيلية سابقة على قطاع غزة تقول" احنا خسرنا اغلى انسان عندنا، وانا ما بتمنى لاي ام ان تخسر ابنها، احنا ما بدنا نسمع سيرة الحرب ولا كلام الحرب، احنا بدنا نجيب عيشنا وربنا يسلمنا من شر بني ادم وشر اليهود".

وتتابع ام سعد حديثها لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" وهي تذرف دموع الحزن على نجلها البكر" الدار صارت معتمة بلا ولدنا(...) واي واحد بحكي في حرب بنحس انو الموت قرب"، وختمت بالقول "يا محلى الي من الله".

كهرباء..

الشاب فادي (24 عاما) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة يقول " فش كهرباء ولا شغل الا قليل ، الحرب هينة بالنسبة لهذول . بس الوضع الداخلي سيء، لمن تيجي الحرب بتحسن الكهرباء بشكل منتظم يعني انا بفضل الحرب على قطع الكهرباء لانو بتقطع النجاح والفكرة والامل وكل حاجة تيسر بها نفسك في ظل واقع حياتي سيء للاسف".

اما الشاب سعيد ويبلغ (25 عاما ) فيضحك قليلا ويقول" كلو اشعاعات احنا ما بنصدق انو في حرب الا لمن نشوف الدبابات قدام دورنا وان شاء الله ما بتصير حرب لانوا المفقود صعب خاصة اذا كان من اهلك واحبابك".

الامن..

ضابط في مركز امني بجاليا يقول وهو خارج نطاق عمله " الاشاعات كثيرة، والناس بتسمع وبتصدق، المقاومة بغزة افضل مما كانت عليه سابقا، واعتقد ان الحرب الاسرائيلية ليست سوى حرب نفسية لاضعاف روح الناس، ودفع الشباب الى ترك قطاع غزة".

وزادت هواجس المواطنين الفلسطينيين من شن إسرائيل حربا على غزة، خاصة بعد اشتباك  مسلحين من كتائب القسام التابعة لحركة حماس مع قوة إسرائيلية على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب القطاع، الأمر الذي أدى لاستشهاد أربعة مقاومين وإصابة خمسة جنود إسرائيليين.

يشار إلى أن إسرائيل شنت عملية "عامود السحاب" العسكرية على قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على مدار ثمانية أيام، وأسفرت الحرب التي تسميها حركة حماس معركة "حجارة السجيل" عن استشهاد 184 فلسطينيا وجرح نحو 4 آلاف آخرين، وقتل خلال الحرب ستة إسرائيليين جراء إطلاق مئات الصواريخ من القطاع باتجاه إسرائيل، ليبرم بعدها اتفاق تهدئة بين الفصائل الفلسطينية واسرائيل برعاية مصرية.

ويعاني سكان القطاع البالغ عددهم نحو 1.7 مليون فلسطيني حاليا من انقطاع التيار الكهربائي نحو 18 ساعة يوميا بعد توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل، كما يعانون من أزمة وقود حادة بعد نفاد كميات الوقود الموجودة في محطات التعبئة.

ونشأت الأزمة الأخيرة بعدما رفضت السلطة الفلسطينية تزويد المحطة الوقود اللازم المعفى من الضرائب، حيث تصر السلطة على تحصيل حصتها من الضرائب البالغة نحو شيكلين على كل ليتر من الوقود الذي يتم شراؤه من إسرائيل، فيما ترفض حكومة غزة التي تقودها حماس دفع الضرائب وتطالب السلطة بشطبها.

وتفرض إسرائيل حصارا على القطاع منذ سنوات طويلة، فيما يحتاج القطاع إلى نحو 360 ميغا وات من التيار الكهربائي، تزود إسرائيل القطاع بنحو 120 منه، ومصر 22، فيما تولد المحطة الوحيدة بالقطاع نحو 80 ميغا وات في حال تشغيل ثلاثة مولدات فيها.

وبسبب هذه الأزمات المتوالية والمتزامنة التي لا أمل في حلها في القريب العاجل، فإن الوضع الإنساني في القطاع أصبح مأسويا وشديد التعقيد، وينذر بالانفجار في أي لحظة.

تقرير: يوسف حماد

المصدر: غزة – وكالة قدس نت للأنباء -