الفلسطينيون يحيون ذكرى رحيل أبو عمار بعد تقارير تؤكد انه مات "مسموماً"

غاب ياسر عرفات (أبو عمار) لكن  ذكراه لم تغب عند الفلسطينيين الذين بدأوا احياء الذكرى التاسعة على رحيله والتي تصادف 11/ نوفمبر الجاري ، بعدد من الفعاليات في كافة محافظات الوطن وفي الشتات ، بعد ايام قليلة على صدور التقارير الطبية والتحقيقات في اغتياله والتي اكدت ان أبو عمار اغتيل اغتيالا بالسم باستخدام مادة البولونيوم المشع .

ومن المتوقع خروج مسيرات وتنظيم مهرجانات يوم الاثنين لاحياء هذه الذكرى،  حيث ستشارك قيادات فلسطينية ومواطنين في قراءة سورة الفاتحة على روح الراحل عرفات، ووضع أكاليل الزهور على ضريحه في مقر المقاطعة بمدينة رام الله ، كما سيتم إنارة الشموع ليلا .

واعلنت  حركة "فتح"، التي كان يتزعمها عرفات، انه سيتخلل احياء الذكرى هذا العام ، إعادة ترميم المغارة (كهف في أحد الجبال كان يتجمع به المقاومين الفلسطينيين ضد إسرائيل قبل احتلال الضفة الغربية في عام 1967) التي انطلق منها  عرفات وتقع قرب بلدة قباطية في محافظة جنين، شمالي الضفة الغربية، وذلك بزراعة تسع أشجار ترمز إلى السنوات التسع على رحيله.

فيما يتوقع ان يوجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة متلفزة بهذه الذكرى، عبر تلفزيون فلسطين الرسمي، بحسب تصريحات مصادر رسمية من السلطة الفلسطينية .

فايز ابو عيطة الناطق باسم حركة فتح بغزة ، اعتبر ان "احياء الذكرى التاسعة لرحيل مؤسس الثورة الفلسطينية واب الفلسطينيون ياسر عرفات تأتي لتجديد العهد بالاستمرار في الثورة على المبادئ التي تركها ياسر عرفات ، وتكملة المشوار الذي بدأ به في الحفاظ على الثوابت الفلسطينية لتحقيق حلم شعبنا بإقامة الدول الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية ".

ويضيف ابو عيطة في حديث مع "وكالة قدس نت للأنباء "،" نعاهد ياسر عرفات بان نواصل التحقيق في جريمة اغتياله البشعة حتى نتمكن من معاقبة الفاعلين ، ولن يهدأ لنا بال ولن تنام لنا عين حتى نقتص من قتلة الشهيد ياسر عرفات ".

ويقول إن "ما يميز ذكراه (عرفات) هذا العام انها جاءت متزامنة مع  التقارير الدولية التي تحدثت عن وجود نسبة مرتفعة من مادة البولونيوم المشعة في رفاته ، وهو ما يؤكد ضلوع حكومة الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب هذه الجريمة ".

ويشدد الناطق باسم حركة فتح ، على ضرورة انهاء الانقسام الداخلي لأنه "عار ويشكل خطر على مستقبل الوطن "، داعيا الى تحقيق المصالحة الفلسطينية .

بدوره اعتبر كايد الغول عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ، رحيل ياسر عرفات خسارة كبيرة بالنسبة للشعب الفلسطيني ، "وقد دفع حياته ثمنا لعدم استجابته للمطلب الامريكي والاسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد حين رفض التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ".

ويضيف الغول في حديث  الى "وكالة قدس نت للأنباء "، " ياسر عرفات حين قال يردوني طريدا وانا اقول لهم شهيدا شهيدا ، كانت بمثابة رسالة تحدي للموقف الامريكي ، واغتياله كان رسالة  لكل فلسطيني يطالب بحقوقه بان مصيره سيكون نفس مصير عرفات ".

ويوضح ان " اعادة الاعتبار لياسر عرفات تكمن برفض المفاوضات التي يرعاها ويقف ورائها من قتله ، وان نعمل على مغادرة كل هذا المجرى الذي لم يؤد فقط الى استشهاد ياسر عرفات وانما سيؤدي الى القضاء على حقوق الشعب الفلسطيني ، كما يجب انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة التي كان يحرص عليها الشهيد ياسر عرفات في حياته ".

من جانبه يقول صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ، " ياسر عرفات مازال موجود بيننا ، واحياء ذكراه هو تجديد العهد له ، وهو القائد التاريخي للشعب الفلسطيني ، الذي يجب ان نحافظ على الاهداف التي استشهد من اجلها بعد ان افنى حياته في النضال ومن اجل حقوق الشعب الفلسطيني ".

ويضيف زيدان في حديث  عبر "وكالة قدس نت للأنباء "،" في هذه الذكرى نؤكد ونجدد العهد على مواصلة الدرب الذي سار عليه ، درب المقاومة والمسيرة الوطنية والحفاظ على الثوابت الوطنية ، ونقول ان الوفاء لعرفات يكون بالعمل لأنهاء الانقسام المدمر والعمل في سبيل استرجاع الوحدة الوطنية ".

وفي الحادي عشر من تشرين الثاني 2004، رحل أبو عمار، إثر مرض مفاجئ أصيب به، لم يمهله كثيرا، وتكشف بعدها أنه مات مسموما.

وقد تدهورت حالة ياسر عرفات الصحية بشكل سريع أواخر تشرين الأول، الأمر الذي استدعى نقله على متن طائرة  مروحية إلى الأردن، ومنها نقل جوا إلى مستشفى "بيرسي العسكري" في العاصمة الفرنسية باريس، حيث توالت من هناك الأخبار حول تدهور وضعه الصحي، إلى أن جاء خبر وفاته الذي أثار حزن وغضب جميع الفلسطينيين والكثيرين من العالم .

وتوقف قلب أبو عمار في الحادي عشر من  تشرين الثاني عن الخفقان، إيذانا بانتهاء مرحلة هي من أهم وأعقد وأغنى مراحل التاريخ الفلسطيني المعاصر، وفي اليوم التالي أقيمت له ثلاث جنازات رسمية كرئيس دولة، الأولى في باريس حيث كان على رأسها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، والثانية في القاهرة شارك فيها عدد من زعماء العرب والعالم، والثالثة في مدينة رام الله ليوارى الثرى بشكل مؤقت، حتى يدفن حسب وصيته في القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين، كما أقيمت له جنازات رمزية في الوقت ذاته في قطاع غزة وفي مختلف مناطق تواجد الفلسطينيين في الشتات.

و يعتبر ياسر عرفات رمزا لفلسطين شعبا وقضية، وقائدا لثورة وشعب ناضل ويناضل من أجل الحرية والكرامة، امتاز بحنكته الواسعة وإرادته وصموده أمام كل التحديات، حول الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجلها التاريخ.

ياسر عرفات (أبو عمار)، حسب ما عرف بتاريخ الثورة، ولد في القدس في 4 آب/ أغسطس 1929، واسمه بالكامل "محمد ياسر" عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، تلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.

وشارك أبو عمار ومجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها في 1968، وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حموده.

درس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً.

في العام 1974 ألقى كلمة باسم الشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة "جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".

وقاد ابو عمار خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، بصفته قائدا عاما لجبهة عريضة هي القيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وقاد معارك الصمود خلال الحصار الجهنمي الذي ضربته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يوما انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وحين سأل الصحافيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن  محطته التالية، أجاب "أنا ذاهب إلى فلسطين".

حل ياسر عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير الفلسطينية ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين.

وفي الأول من تشرين الأول 1985 نجا ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة "حمام الشط" بتونس، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين، ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد، فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروبا على عدة جبهات، فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال الاسرائيلي وبطشه عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم.

 فبعد إعلان استقلال فلسطين بالجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، أطلق في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30  آذار 1989.

في العام 1993 وقع أبو عمار ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحق رابيين اتفاق إعلان المبادئ "اوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض في  الثالث عشر من أيلول، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين، واضعا بذلك الخطوة الأولى في مسيرة تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة والاستقلال.

وفي العشرين من كانون الثاني 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.

وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول 2000، وحاصرت القوات الإسرائيلية عرفات في مقره برام الله، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية سميت بـ "السور الواقي"، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.

غاب أبو عمار قبل تسع سنوات بجسده، لكن إرثه النضالي ومنجزاته الوطنية لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من اجل التحرر وبناء أسس الدولة الفلسطينية. إذ لم يكن ياسر عرفات خلال سني حياته مجرد مقاتل يحمل بندقية، وإنما كان أيضا الزعيم الملهم الذي وضع، في ظروف هي غاية في التعقيد  أسس الدولة الفلسطينية العتيدة؛ بدءاً بدوائر منظمة التحرير الفلسطينية التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الفلسطيني، وانتهاءً بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من أيار 1994على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.

وعقب ثمانية أعوام على رحيل أبو عمار قام وفد من خبراء سويسريين وروس بقيادة أطباء فلسطينيين، بأخذ عينات من رفات القائد الراحل، من أجل التحقيق في أسباب وفاته ، وذلك بعد اثارة القضية في تقرير تلفزيوني  لقناة "الجزيرة" القطرية يؤكد ان عرفات رحل مسموماً.

وأعلن اللواء توفيق الطيراوي ، رئيس اللجنة الفلسطينية المكلفة بالتحقيق بظروف موته عرفات الاسبوع الماضي، أن المعطيات التي توفرت للجنة عقب تسلمها تقارير الفريقين الروسي والسويسري، تشير إلى أن وفاة الرئيس ياسر عرفات لم تكن طبيعية بل نتيجة مادة سميّة.

وأضاف الطيراوي في مؤتمر صحفي عقد الجمعة برام الله، أن كافة الدلائل والمعطيات تؤكد أن أبو عمار لم يمت بسبب المرض أو تقدم السن، ولم يمت موتا طبيعيا، وأن تطور الحالة المرضية للرئيس عرفات ناتج عن مادة سمية.

وقال "إن إسرائيل هي المتهم الأول والأساس باغتيال الرئيس ياسر عرفات، واللجنة ستواصل التحقيق للوصول إلى كافة التفاصيل وكل عناصر القضية".

وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إن "الوصول إلى الحقيقة في ملابسات رحيل القائد أبو عمار هو هدفنا، وبذات الثبات والقوة والتصميم".

وأضاف ابو مازن في خطاب مسجل بث خلال حفل إحياء الذكرى التاسعة لرحيل ياسر عرفات أقيم في قصر رام الله الثقافي مساء الأحد ،"إننا لن نحيد عن النهج الذي وضعناه معاً، منذ البدايات الأولى لانطلاقة ثورتنا، والتي أقسمنا بأن نمضي بها إلى غاياتها في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف."

وأكد "في هذه المناسبة، أجدد التزامنا بواجبنا الوطني ومسؤوليتنا كقيادة لهذا الشعب العظيم بالاستمرار في البحث عن الحقيقة كاملة، مهما كانت التعقيدات والعقبات".

وأضاف أن "هذا التزام وحق لا يسقط بالتقادم، وأنا على ثقة كاملة أن لجنة التحقيق والتي لها كل الدعم والمساندة منا، ستصل إلى الحقيقة التي سنعلنها عندئذ لشعبنا كاملة".

المصدر: غزة – وكالة قدس نت للأنباء -