ماذا تنتظر القوى والقيادة الفلسطينية حتى تتنادى إلى لقاءٍ جامعٍ وتلتقي معاً، فقد آن الآوان لعقد خلية أزمة، تناقش فيها مختلف مستجدات القضية الفلسطينية، في ظل التطورات الكبيرة والخطيرة التي تشهدها المنطقة، وتلقي بظلالها وتداعياتها على القضية الفلسطينية، وتصيب بأخطارها الشعب في الوطن وفي الشتات، ولا تستثني من تداعياتها أحداً.
فقد أصبح لزاماً على المسؤولين الفلسطينيين، سلطةً وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني، أن يتناسوا خلافاتهم، وأن يضعوا جانباً تناقضاتهم، ويلتفتوا إلى ما يهدد شعبهم، ويستهدف قضيتهم، إذ لن يبقَ بعد اليوم شيئاً يختلفون عليه، أو يتصارعون من أجله، فالأرض تتمزق وتضيع، والشعب يتشتت ويهاجر، والمقدسات تهود، ومعاناة الفلسطينيين في كل مكانٍ تزداد وتتعاظم.
ألا تتعلم القوى الفلسطينية من غيرها ومن أعدائها، الذين يشكلون عند الحروب والشدائد، خلايا أزمة، أو حكومات حرب، ويواجهون مجتمعين كل الخطوب والأحداث، ويتفقون في ظل وجودها على نسيان مشاكلهم، وتجاوز خلافاتهم، وتأجيل حساباتهم الخاصة، والالتفات إلى شعوبهم وقضاياهم الوطنية، فهذا هو سلوك العقلاء، وسبيل الحكماء، ومنهج الصادقين المخلصين لشعوبهم وقضاياهم.
ألا ترى القيادة الفلسطينية أن أبناء شعبهم في مخيمات اللجوء والشتات قد تركوا أماكن اللجوء، وركبوا البحر والخطر، بحثاً عن مهاجر جديدة، وأوطانٍ أخرى يجدون فيها بعضاً من كرامة، وشيئاً من الأمن والسلامة، التي فقدوها في أوطانهم، وعانوا منها في لجوئهم، فقد هاجر إلى دول أوروبا وغيرها آلاف الفلسطينيين، بعد تضحياتٍ جسيمة قدموها في البحار غرقاً، أو برصاص خفر السواحل قتلاً، وقد تكبدوا مشاق السفر، وأخطار الإبحار، فراراً بحياتهم من الموت.
ألا تدرك القيادة الفلسطينية أن أرضنا الفلسطينية تنتقص من أطرافها ومن القلب، وأن الحكومات الإسرائيلية تنهشها يوماً بعد آخر، فتنبني المزيد من المستوطنات، وتوسع القديم منها، على حساب المواطن الفلسطيني، وأنها بدأت بطرد آلاف البدو من سكان النقب، بعد أن دمروا قراهم، وهدموا بيوتهم، في محاولاتٍ مستميتة لتهويد الأرض، وطرد السكان العرب منها.
ألا يرون أن القدس تهود، ومسجدها الأقصى يقوض، وتكاد تنهار جدرانه، وتتهدم قواعده، فضلاً عن الاعتداءات المستمرة التي يقوم بها المستوطنون والمتدينون اليهود، الذين يزاحمون المسلمين على مسجدهم، ويخططون لاقتسامه قبل السيطرة عليه.
ألم يكف القيادة الفلسطينية انقساماً واختلافاً، وتناحراً واحتراباً، فقد تجزأ الوطن بل تفتت، وانقسم الشعب بل تمزق، وغدت أرضنا كانتوناتٍ أمنية، ومعازل عنصرية، لا نستطيع العيش فيها، أو الخروج منها، فلا فيها ما يكفينا، ولا يسمح لنا بإدخال ما نريد ولا ما نحتاج إليه، ولا نقوى على كسر الحصار، أو هزيمة القرار، في الوقت الذي بات فيه العدو ينعم بالأمن والسلام، فلا مقاومة تخيفه، ولا عملياتٍ عسكرية تقلقه وترهبه.
أين تكمن المشكلة، ومن الذي يمنع عقد هذا اللقاء، وأي جهةٍ تتعمد تأخيره، أو ترفض عقده، ألا يحق لنا نحن الفلسطينيين أن نتسائل، لماذا تتركنا قيادتنا وحدنا في مواجهة الطوفان، وفي تحدي الجلاد، وفي مواجهة الخطوب والأخطار، نواجه مصائرنا المجهولة، ونتلقى ضرباتٍ قاتلة، ونهان من كل الحكومات، ونطرد من كل البلاد، ولا يسمح لنا بأن نكون مع اللاجئين، نعيش معهم أو نموت بينهم.
إنها فرصة القوى والقيادة الفلسطينية لإثبات أنهم أحراراً، يملكون قرارهم بأنفسهم، ولا أحد يملي عليهم، ولا سطوةَ لنظامٍ على إرادتهم، فليأتوا وليجتمعوا، وليلتئموا وليلتقوا، وليناقشوا هموم وطنهم، وحاجات شعبهم، وليكونوا يداً لمساعدة أهلهم، ومد يد العون لهم، علهم يتمكنون من انتشالهم مما هم فيه من ضائقة، فهم بالغين راشدين، عاقلين واعين، يعرفون مصالحهم، ويدركون منافعهم، وليسوا بحاجةٍ إلى وصيٍ أو راعي، ولا إلى مضيفٍ أو وسيط، إذ لا أحد اليوم جاهزٌ لاستضافتهم، ولا يوجد دولة أو نظام مستعد للوساطة بينهم، أو رعاية حوارهم، فلتكن منهم المبادرة، وعندهم القرار، وليكونوا ولو مرةٍ واحدةٍ على قدر المسؤولية، ومستوى القرار، أهلاً للتصدي للصعاب والتحديات، ورجالاً في مواجهة الملمات والأزمات.
جدول أعمال اللقاء القيادي الفلسطيني جاهزٌ ومعد، يعرفه كل الفلسطينيين، ويدركه كل المواطنين، وهي قائمةٌ قديمة، يتصدرها الانقسام، ولا تنتهي بشتات الفلسطينيين الجديد، وتمزقهم بين دول أوروبا الغربية وأستراليا وكندا، ولكن الجديد فيها انخراط السلاح الفلسطيني في معارك جانبية، لا تمت للقضية الفلسطينية بصلة، ولا تتفق مع السياسات الفلسطينية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولةٍ عربية، وعدم الاحتكام إلى السلاح في التعامل مع المشاكل الخاصة.
إذا توفرت الإرادة الفلسطينية الصادقة، وتحقق العزم لدى القادة، فإنَّ عاصمة لبنان بيروت هي المكان الأنسب للقاء الفلسطيني الجامع، فبيروت كانت ولا زالت عاصمةً للمقاومة العربية، تلتقي تحت سمائها قوى الأمة المقاومة، الإسلامية والقومية، وتحتضن فوق أرضها شتاتاً فلسطينياً مقاوماً، يضم كافة أطياف الثورة الفلسطينية السياسية، فلا قوةً فلسطينية إلا ولها في لبنان ممثلٌ أو مندوب، ولها أتباعٌ ومريدون، وهو ما لا يتحقق في أي عاصمةٍ عربيةٍ أخرى، إذ أن ميزة اجتماع كل القوى على أرضٍ واحدة لا تتحقق إلا في غيره، فهي غير ميسرة في غزة ولا رام الله، كما يتعذر تحقيقها في عمان أو القاهرة أو غيرهما من العواصم العربية.
وفي لبنان تلتقي القوى الفلسطينية مجتمعة، دونَ الحاجة إلى راعي أو مضيف، ودون انتظار موافقةٍ أو ضياع الفرصة في البحث عن غطاءٍ سياسي، وإليه يستطيع أن يصل الجميع، فلا تمنع حكومته فصيلاً، ولا تضع فيتو على قوة، فكل فصيلٍ قادرٍ على تسمية مندوبه أو ممثله، بما يعزز استقلالية القرار، وحرية الخيار.
هنا في بيروت يلتقون بحرية، ويتجمعون بلا غطاء أو رعاية، فيتخلصون من كل ضغط، وينعتقون من كل قيد، فلا يكون تأثيرٌ عليهم إلا من شعبهم، ومصالح أهلهم، فهل تعجل القوى بالتنادي إلى اللقاء، أم أنهم يأبون إلا أن يثبتوا لنا أنهم جبناء عجزة، أو ربما هم عملاء خونة.