قراءة الواقع يحتم علينا النظر الى المتغيرات في المنطقة

بقلم: عباس الجمعة

إن قراءة الواقع يحتم علينا ان نقف امام التطورات والأحداث المتواصلة ، وخاصة ان التعويل على الادارة الامريكية لم يعد يجدي نفعا بسبب انحيازها المطلق الى جانب دولة الاحتلال التي تمارس الوقائع على الارض من استيطان وتهويد للمقدسات وقتل ممنهج بدم بارد ، ولهذا نرى أن الخروج من مأزق المفاوضات هو الاساس الذي يجب اتباعه لمواجهة التحديات من خلال وحدة وطنية، برؤية سياسية موحدة ورسم استراتيجية وطنية تكون المقاومة بكل اشكالها محورها الاساس، وتكون المهمة الملحة والدائمة للجميع هي مواجهة سياسة دولة الاحتلال ومن أجل فرض معادلات فلسطينية جديدة .

 

ونحن اليوم نرى ان المفاوضات التي يتم المراهنة عليها والتي حذرنا منها منذ عشرون عاما لا يمكن ان تحقق أي تقدم، ولهذا نرى حالة الإحباط لدى المفاوض الفلسطيني الذي قدم استقالته، وحتى عند الشعب الفلسطيني، فتوقعات الفشل كانت معروفة قبل أن تبدأ المفاوضات، لأن حكومة الاحتلال مصرة على بحث الترتيبات الأمنية ولا يمكن ان تقدم اي شيئ، وهي تواصل استيطانها لمساحات واسعة من الضفة الفلسطينية، إضافة إلى القدس، تحت مزاعم أمنية لا نهاية لها، حتى انها طلبت في المفاوضات الجارية- اعتبار جدار الفصل العنصري الحدود الفلسطينية، وليس حدود 1967، فكيان العدو يعمل على بناء اسواره بالجدران، فالأهداف الصهيونية واضحة ومعلنة ، تهدف إلى فرض الوقائع وتهديد الأراضي الفلسطينية وتحويلها إلى كانتونات معزولة، بما يحول عمليا دون إقامة دولة فلسطينية مستقبلاً.

 

وفي ظل هذه الظروف نقول يجب عدم الرهان على الادارة الامريكية ولا على وزير خارجيتها كيري ووعوده الجوفاء التي لم تثمر عملياً.

 

ان الهدف الامريكي الساعي إلى تهدئة الإشكالية التفاوضية والوطنية على المسار الفلسطيني تتزامن مع المحاولات الأمريكية لحل ملفات الشرق الأوسط الأخرى (الإيرانية، السورية.. إلخ)، حيث تبرز مرة أخرى، ازدواجية المواقف الأمريكية وانحيازها، واستفادة إسرائيل من (عجقة) هذه الملفات التي تواجهها الإدارة الأمريكية، ومن الحالة العربية الرسمية السلبية بعيد سنوات ما يسمى (الربيع العربي)، وتظهر تجلياتها في سلبية المفاوضات الأخيرة ومرارتها وأسباب فشلها أيضاً.

 

وغني عن القول نرى ان هنالك متغيرات ذات بعد استراتيجي في المنطقة ، ورياح التغير هذه ستطال المنطقة والقضية الفلسطينية بشكل اساسي، فهي جوهر الصراع في هذه المنطقة، من خلال التفاهمات الروسية- الأمريكية و الاتفاق على عقد مؤتمر جنيف(2 ) بشأن القضية السورية، والذي يبدو أنه لم يعد بعيدا، بعد أن تم إستبعاد الجماعات الإرهابية والتكفيرية منه، وكذلك التفاهم على الملف النووي الإيراني في مراحله الأخيرة ، والتي يجري في ظل التوازنات والمعادلات المتغيرة في العالم والتي ليست لصالح الغطرسة الاستعمارية الأميركية التي انقضى عهدها ،هذا الملف الذي لو تم العبث به لكانت هناك حرب مدمرة، تطال تاثيراتها العالم بأسره، ومصر يبدو ان اوضاعها تعود الى الإستقرار، بعد ان أصبحت شعارات عودة مرسي والشورى والدستور من خلف ظهر الشعب المصري والعالم وحتى اقرب حلفاء الإخوان.

 

ان اهمية إطلاق خطة سياسية فلسطينية موحدة تؤدي إلى توفير ركيزة تنظيمية وطنية لتطوير الهبات الجماهيرية المتلاحقة إلى انتفاضة شعبية متصلة ومتصاعدة تستطيع، فيما تستطيع، مع تفعيل العامل القومي الرسمي والشعبي، سيتم ردع حكومة المستوطنين الصهيونية التي تدعمها، بل ترعاها بلا حدود، سياسة أمريكية ثابتة العداء للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية والتاريخية، وهذا يتطلب انهاء الانقسام الكارثي والعمل على وحدة الموقف الفلسطيني وتفعيل الحراك الدبلوماسي بالتوجه للانضمام الى الهيئات والوكالات الدولية بمافيها محكمة الجنايات

 

والعدل الدولية وتطوير المقاومة الوطنية بكافة اشكالها والاستفادة من التحولات الكبيرة الجارية في المنطقة والعالم .

 

أن الهدف من الذهاب الى محكمة العدل الدولية لن يكون مجديا من دون خوض معركة سياسية كبرى ساحتها العالم كله، لفضح جريمة اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات أولاً، وتفضح الأهداف التي كانت وراء جريمة الاغتيال باعتبارها جريمة ضد السلام العالمي عموماً، وضد السلام في الشرق الأوسط على وجه الخصوص. هذه مسألة على درجة عالية من الخطورة والأهمية.

 

ان المواقف التي تصدر اليوم عن حركة حماس تؤكد بانها تعيش في ازمة مع الشارع والشعب الفلسطيني وهي لم تعد قادرة على التمسك بالازدواجية إلى أمد طويل، بعد أن وصلت أو كادت إلى طريق مسدود بسبب ما اصابها جراء فشل مشروع الاخوان المسلمين وتحديدا في مصر، اضافة الى عجزها عن تقديم أجوبة مادية عن حاجات الشعب الفلسطيني الحياتية واستقراره وأمنه وعن تطلعاته الوطنية إلى الحرية والاستقلال، وصولا الى حالة قمع المسيرات والاعتصامات التي تدعو الى انهاء الانقسام الفلسطيني والتوحد، وهذا يتطلب من حركة حماس اخذ الدروس والعبر مما يجري ووقف الحملات العدائية والتوجه نحو تنفيذ وتطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام والتوحد الجغرافي .

 

ختاما لا بد من التأكيد : على اهمية اعادة ترتيب البيت الفلسطيني وانهاء الانقسام والعمل على تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تشرف على انتخابات رئاسية وتشريعية ، اضافة الى بلورة الدور الوطني والمجتمعي للسلطة ،بما يضمن فرض تنفيذ عملية إعادة إحياء كافة مؤسسات م.ت.ف وفي مقدمتها اعادة تشكيل وانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني كمرجعية دستورية للسلطة، واعادة بناء م.ت.ف بمضمون وشكل جديدين انطلاقا من انها الاطار الجامع لكل ابناء شعبنا في الوطن والشتات، علاوة على انها الضمانة الوحيدة على قاعدة برنامج الاجماع الوطني لسيرورة نضالنا الوطني الفلسطيني ، حينئذ سنملك القدرة على توجيه دفة النضال نحو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .