مقال: نتنياهو يحرض اليهود الاميركيين بقوة على تحدي ادارة اوباما

نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية امس الخميس مقالاً كتبه مراسلها مايكل كوهين يصف فيه العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل بانها علاقة "اعدقاء" (اصدقاء-اعداء) وانها صارت مهتزة بسبب اختلاف المواقف بين البلدين بشأن ايران وعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. وهنا نص المقال:

"من العبارات المتكررة التي يسمعها المرء من الزعماء الاميركيين والاسرائيليين عن العلاقة الوثيقة بين البلدين انه "يجب الا يكون بينهما ضوء نهار" (اي مسافة فاصلة).

وهذا الاسبوع كانت هناك دفقة شعاع شمس فاصلة بين البلدين.

فاولاً، قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان الفشل في التفاوض على اتفاق على الوضع النهائي مع الفلسطينيين يمكن ان يؤدي الى "انتفاضة ثالثة" ومزيد من "العزلة" الدولية لاسرائيل. وبعد ايام على ذلك لم يكتف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بشن حملة قوية على الجهود الدبلوماسية الاميركية للتوصل الى اتفاق مع ايران بشأن برنامجها، وقام علناً بتشجيع اليهود الاميركيين على التحدث ضد الاتفاق المحتمل.

وبينما حاول الجانبان كلاهما تخفيف كلامهما الطنان، فان المشاحنة العلنية ليست حادثة معزولة. انها نتيجة لا مفر منها لاتباع الولايات المتحدة أجندة سياسة في الشرق الأوسط تفترق بصورة متزايدة عن المصالح الإسرائيلية – وهو امر يبدو أن نتنياهو والحكومة الإسرائيلية غير قادرين على الإعتراف به كلياً. ومن الواضح تماماً أن نقطة الإشتعال بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي إيران ذلك أن الرئيس أوباما سعى منذ توليه منصبه الى التوصل الى إتفاق ينهي جهود إيران لإنتاج أسلحة نووية. وبينما يخدم هذا مصلحة إسرائيل بصورة واضحة فإن الخطوط العريضة لإتفاق محتمل هي المشكلة، إذ أن موقف إسرائيل المطالب بعدم تخصيب اليورانيوم، حتى لإغراض سلمية، وبإزالة اليورانيوم المخصب من إيران وإغلاق جميع مرافق التخصيب هي مطالب لا يمكن قبولها في أي تفاوض – وتتباين بصورة حادة مع موقف الولايات المتحدة.

وبوسع إسرائيل، التي تواجه خطراً جدياً من إيران نووية أكبر مما يمكن ان تواجهه الولايات المتحدة، أن تتبنى خطاً أكثر تشدداً. غير أن مثل هذا الإعتراض لا يحدث في فراغ. إذ إن إتهام الوبايات المتحدة ببيع اسرائيل بعد ان قضى الرئيس اوباما السنوات الخمس الماضية في العمل بنشاط لكبح برنامج إيران النووي هو غير منصف وغير حكيم ومن الناحية الدبلوماسية أيضاً. ويهدد هذا الإتهام بإيجاد خلاف كبير مع أوثق حلفاء اسرائيل وأهم حليف أجنبي لها (يقدم لها مليارات الدولارات كمساعدات أجنبية). وليس هناك في نهاية الأمر أي رابط أهم لاسرائيل من الأمن الذي توفره العلاقة بين أميركا وإسرائيل بينما توسع تصريحات بيبي الأخيرة الفجوات بين البلدين بطريقة من المرجح أن تؤذي إسرائيل وليس الولايات المتحدة.

والأسوأ من هذا أنه يبدو أن نتنياهو يركز على محاولة نسف أي فرصة للتوصل إلى إتفاق بصورة كلية. وهذه لعبة خطرة من شأنها إذا نجحت أن توجد صدعاً كبيراً بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأن تزيد ايضاً بصورة شبه مؤكدة من إحتمال حيازة إيران قدرة نووية واضحة. ومن دون صفقة لن يكون لدى إيران سبب لوقف برنامجها للتخصيب (حتى لو بقي قاصراً عن إنتاج قنبلة نووية حقيقية). وما زال التوصل الى إتفاق مع إيران افضل امل لتأخير ذلك الإحتمال، بإستثناء إستخدام القوة العسكرية التي من المستبعد أن تنجح في تأخير مطامح إيران النووية وستزيد من عزلة إسرائيل.

ولكن المفاوضات مع إيران ليست سوى جزء من الخلاف الحالي بين أميركا وإسرائيل فهناك أيضاً المفاوضات بين الفلسطينين والاسرائيليين. وربما كان غنيا عن القول أن حكومة نتنياهو اليمينية لم تنضم طواعية وبسرور الى هذه المفاوضات. ومن الممكن الرهان على أن بيبي سيمتنع عن تقديم التنازلات اللازمة لصنع السلام. واذا ما أخفق في الوصول الى إتفاق في أعقاب الخلاف الذي برز بشأن إيران هذا الأسبوع فإنه يجازف بوضع إسرائيل في موقف لا يطاق.

إذا لم يحصل إتفاق هل ستلوم الولايات المتحدة الجانبين بصورة متساوية، ام ستعتبر الفلسطينيين مسؤولين (كما كان الحال بعد مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000)، ام سينتقد الاميركيون علناً التعنت الإسرائيلي (أي تعنت نتنياهو)؟ هل سيؤدي إستمرار الوضع الحالي والإحتلال الدائم للأراضي الفلسطينية بصورة أساسية الى تغيير مواقف الولايات المتحدة إتجاه إسرائيل؟ لا أحد يستطيع الإجابة بصورة أكيدة، ولكن بينما تزداد التوترات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بشأن إيران فإن مثل هذه الأفكار يجب أن لا تكون بعيدة عن ذهن نتنياهو. فإذا كان يعتمد على أن أوباما سيستمر في إنفاق رأس مال سياسي كبير على زعيم يقوض ليس هدفاً واحداً فقط وانما هدفين من أهداف سياسته الخارجية فقد يواجه مفاجأة.

لقد لعب نتنياهو بالطبع لعبته لفترة من الزمن مع إدارة أوباما، اذ أيد بصورة أساسية مِت رومني خلال إنتخابات 2012 وفي حكم المؤكد ان جزءاً من حسابات بيبي كان انه يستطيع دوماً الإعتماد على تأييد قوي من الوسط اليهودي، وبالتالي على الكونغرس.

ولكن حتى في هذا المجال لا يخدم بيبي نفسه. فقد تحدث يوم الأحد في القدس الى الجمعية العامة للإتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، وهي مجموعة ذات نفوذ تضم القادة اليهود في أميركا الشمالية. وتجاوز في حملته على "اتفاق سيء" محتمل مع إيران مجرد الإنتقاد وقال لأبناء دينه:

"نحن الدولة اليهودية. نحن مكلفون بالدفاع عن انفسنا ونحن مكلفون باعلاء صوتنا. وحان الوقت الآن لنا كلنا لنتحدث بصوت مسموع. نحن كلنا يجب ان نقف الآن لنثبت اننا حاضرون".

في اليوم التالي اوضح اليميني الاسرائيلي – العضو في حكومة نتنياهو نفتالي بينيت ما الذي عناه (نتنياهو)، اذ قال: "قبل ان تستمر المحادثات، سنضغط على عشرات من اعضاء الكونغرس الاميركي الذين سأشرح لهم انا شخصياً خلال زيارة ابتداء من يوم الثلاثاء ان أمن اسرائيل معرض للخطر".

 ان العلاقات الاميركية-الاسرائيلية غير اعتيادية الى درجة ان مثل هذه التعليقات نادراً ما تحظى باهتمام كبير. ولكنها مع ذلك مثيرة للدهشة. اذ ان حليفا وثيقا للولايات المتحدة يوضح نيته الضغط على الكونغرس الاميركي لتدمير هدف من اهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة دفاعاً عن أمن بلد آخر. حاول ان تتخيل اي بلد آخر وهو يفعل شيئاً من هذا القبيل.

ان كلمات نتنياهو اكثر اثارة للقلق لأنه بصورة اساسية يطلب من اليهود الاميركيين ان يقدموا ولاءهم الديني على ولائهم القومي.

ان هذه التعليقات، عندما تؤخذ معاً، هي اساءة في آن معاً للحكومة الاميركية واليهود الاميركيين الذين اختاروا، بالرغم من الترحيب بهم للعيش في اسرائيل، ان يعبروا عن هويتهم الدينية والثقافية في الولايات المتحدة.

ولكن اذا وضعنا اصول اللياقة جانباً، فان نتنياهو يسيء الحكم على اليهود الاميركيين وتعلقهم بالدولة اليهودية. فمثل هذه المطالبات بالتضامن القبلي ستلقى ترحيباً من البعض ولكنها ستقابل بتجاهل – وتؤدي الى مزيد من النفور – من جانب عدد متزايد من اليهود الاميركيين الذين يشعرون بصلة مضمحلة مع اسرائيل.

في النهاية من الصعب ان نرى كيف يمكن ان تكون الانقسامات المتزايدة مع البلد الوحيد الاساسي لأمن اسرائيل – واتباع سياسات ستزيد من عزلة اسرائيل – لعبة سياسية ذكية. ولكن مرة اخرى، لم يتهم احد ابداً نتنياهو بانه مفكر ينظر الى الاجل البعيد.

الامر الاكيد هو ان ما نشهده هو جزء من عملية الدفع والشد التي لا مفر منها بين حليفين وثيقين. ولكن شيئاً اعمق بكثير من ذلك يحدث الآن. ذلك ان ادارة اوباما اوضحت بالافعال وكذلك بالكلمات انها تريد تقليص وجودها ودورها في الشرق الاوسط. ولا يبدو ان الحكومة الاسرائيلية الحالية تلقت المذكرة. وقد يكسب نتنياهو المعركة على ايران بل وحتى مع الفلسطينيين، ولكنه – والبلد الذي يقوده – يجازفان بخطر التحرك الى امام في عزلة متزايدة".

المصدر: القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء -