رتبت السلطة الفلسطينية للرئيس الفرنسي زيارة لضريح الشهيد أبي عمار، ليضع اليهودي الفرنسي باقة ورد على القبر، ويقف دقيقة صمت، ويمضى، لينتهي في المدفن كل أثر يدل على الحياة، بعد أن برأ الزائر الفرنسي نفسه من العتب، وتهرب من المسائلة الشعبية عن محاباته لليهود حين زار الأماكن الدينية التاريخية المنتقاة من اليهود بعناية، والتي تستدر عطف السياسيين، وتحملهم بعضاً من مسئولية الكارثة التي لحقت بهم كما يدعون.
قد تعني زيارة رؤساء الدول لقبور الرموز السياسية بعض الوفاء، ولكن في الحالة الفلسطينية فإن زيارة قبر الرئيس أبي عمار أو زيارة قبر شيخ المقاومين الشهيد عز الدين القسام، أو زيارة قبر قائد الثورة الفلسطينية والمقاومة ضد الإنجليز واليهود الحاج أمين الحسيني، هذه الزيارات للقبور على أهميها لا تغني عن زيارة قبور الأحياء التي تشهد على المأساة، وتتحدث بلسان نابض عن جريمة الصهاينة التي ما زالت تنزف دماً من جبين ملايين اللاجئين.
لقد كان حرياً بالسلطة الفلسطينية أن ترتب للرئيس الفرنسي زيارة لأحد مخيمات اللاجئين المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية، ولاسيما أن قضية اللاجئين لما تزل جرحاً ينزف العذاب، وكان حرياً بالسلطة الفلسطينية أن تفتح جرح مخيم الدهيشة، أو الجلزون ، والأمعري، وبلاطة، والفوار، وجنين، وأن تطلق سراح الغضب المشبع في عيون مئات آلاف اللاجئين، وتتركهم يلتقون مع فرانسوا هولاند، ويذكروه ويذكروا العالم الظالم بأنهم يعيشون مأساة اللجوء منذ اللحظة الأولى التي أعلن اليهود الصهاينة عن قيام دولتهم. ليصير كل من اعترف بدولة الكيان متهماً بالمشاركة في الجريمة، عليه أن يبرئ نفسه، ويتحرر من خطاياه.
ولن أبالغ لو قلت: كان حرياً بالسلطة الفلسطينية أن تطلب من الرئيس الفرنسي أن يزور قطاع غزة، وأن يطلع على معاناة مليوني فلسطيني، بلا كهرباء ولا ماء ولا غاز طهي ولا مواد بناء ولا مورد رزق، ولا سفر، ولا معالم حياة، فماذا كان يضير رئيس السلطة الفلسطينية لو تلفظ بجملتين عن حصار غزة أمام الضيف الفرنسي؟ هل كان يخشى أن يلحق فيه عار النازية؟ وهل كانت إسرائيل ستطلب من رئيس السلطة تعويضات مالية، مثلما فعلت مع الرئيس الفرنسي اليهودي فرانسوا هولاند، الذي أعترف قبل أيام بمسئولية فرنسا عن ترحيل يهود فرنسا إلى معسكرات الإبادة النازية التي يدعون؟ وعليه فيتوجب أن تدفع فرنسا تعويضات مالية بمليارات الدولارات، عن الجريمة التي رفض أن يعترف بها أي رئيس فرنسي سابق منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا. فاعترف بها هذا اليهودي الذي يرأس فرنسا.
أزعم أن تجاهل قضية المخيمات أمر مقصود من قبل السلطة رغم تصريحات عباس؛ التي نسفها عملياً نمر حماد، حين أكد على استعداد السلطة لتأجيل حل قضية اللاجئين إلى ما مرحلة لاحقة، في حالة اتفق الطرفان في المفاوضات الراهنة على حل مسألة الحدود والأمن الإسرائيلي.