عاد الدب الروسي الإسرائيلي أفيغودور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا، وزيراً للخارجية الإسرائيلية، ليواجه حمار الحزب الديمقراطي الأمريكي وزير الخارجية جون جيري، الذي ظن أنه قد تخلص منه، ونجا من سفاهته، وتخلص من احراجاته، وأن أروقة التحقيق وقاعات المحاكم الإسرائيلية ستبعده عن طريقه، وستكفيه مؤونة مواجهته، وستحميه من رعونة ردوده، وفجاجة سلوكه، وبذائة ألفاظه.
لكن الحظ لم يحالف كيري، بل عانده، وكان هذه المرة مع ليبرمان، الذي عاد ليتبوأ من جديد منصب وزير الخارجية، الذي احتفظ به له حليفه وصديقه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقد أوفى له بوعده، وبر له بقسمه، وأعاده إلى منصبه القديم، وهو الحمال العتال الذي لا يعرف لغة الخارجية، ولا لباقة الدبلوماسية، ولا اتيكيت الوزارة، ومناصب الدولة العليا.
جهودٌ كبيرة بذلها جون كيري في إقناع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد، وقد تمكن بعد ثمانية جولاتٍ في المنطقة، من جمع الطرفين على طاولةٍ مشتركة، ليناقشا مستقبل التسوية بينهما، وقد ظن جون كيري أنه قد وضع الطرفين على سكة المفاوضات، واطمأن إلى أن مسارهما سالك، وسبيلهما مفتوح، والطريق أمامهما معبدة، فلا عقباتٍ ولا صعاب، ولا شروط مسبقة، ولا تصريحات معطلة، واستبشر خيراً أن الوزيرة تسيفني ليفني هي التي تتولى ملف التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، وأنها كفيلة بتذليل أي صعاب، وتفكيك أي عقدة تعترضهما خلال حواراتهما المشتركة.
ولكن أفيغودور ليبرمان الذي كان ينتظر مصيره، ويترقب عودته إلى الحلبة السياسية، كان يراقب ويتابع، ويهدد ويتوعد، ويعد بقلب الطاولة على الجميع، ونكث ما غزل الطرفان من أثواب، والعودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر، وقد كان له ما أراد، وحقق بعودته المراد، فقد تعطل مسار المفاوضات، وقدم الفريق الفلسطيني المفاوض كتاب استقالته إلى رئيس السلطة الفلسطينية، وعادت وزيرة القضاء تسيفني ليفني أدراجها إلى وزارتها، ودست أوراق وملفات التفاوض في أدراج مكتبها، وهي تعتقد أن المسار قد انحرف، وأن القطار الذي سار لن يواصل المسير، فقد جاء ليبرمان ونزع السكة من الطريق.
تدرك الإدارة الأمريكية تماماً أن أفيغودور ليبرمان قد نعى إلى الطرفين وإليها مسيرة السلام، وأن المنطقة ستشهد اضطراباتٍ جديدة، وفوضى غير متوقعة، وأن ملامحها قد بدت بإعلان الحكومة الإسرائيلية عن نيتها بناء أكثر من عشرين ألف وحدة سكنية جديدة، قد تخفي خلفها آلاف الوحدات السكنية الأخرى، وقد كانت الإدارة الأمريكية تتخوف من عودته، وهي التي لم تستقبله في دورته الماضية سوى مرةً واحدة، لمعرفتها المسبقة بمواقفه، وعلمها بسياسته، وليقينها أن أي جهدٍ يبذل معه، فإنه لن يعود على أحدٍ بالنفع.
إن موافقة ومصادقة أعضاء الكنيست الإسرائيلي على عودة ليبرمان إلى وزارة الخارجية، تعني الإجماع الإسرائيلي على الترانسفير الفلسطيني، والموافقة على ترحيل بدو النقب، وتفكيك مضاربهم، وطردهم من أرضهم، وتعني رفض أي انسحابٍ إسرائيلي من الضفة الغربية، والاعتراض على أي دولةٍ فلسطينية، ومعارضة أي قرارٍ بوقف الأعمال الاستيطانية، بناءً أو توسعاً، وتعني عودته التأكيد على عودة الفاشية الإسرائيلية، التي تعادي العرب وتضطهدهم، وتهدد دول الجوار وتعلن الحرب عليهم، وهي صافرة انطلاقٍ جديدة نحو استكمال تهويد مدينة القدس، وتطويقها بأحزمة الاستيطان اليهودية الكبرى.
ولعل كلمات رئيس الحكومة الإسرائيلية في أول جلسةٍ حكومية يشارك فيها حليفه ليبرمان، تدل على حقيقة السياسة الإسرائيلية، إذ رحب بصديقه، وأشاد بدوره في الحكومة السابقة، ووصفه بالصديق الكبير، وعبر له عن اشتياقه لرؤيته في مكانه ضمن الحكومة، قبل أن يسلمه ملفات وزارة الخارجية، ويعيد إليه كافة الملفات والموظفين، الذين يدينون بالولاء لوزيرهم الأول، الذي أشرف على تعيين الكثير منهم، ممن يؤمنون بأفكاره، ويتطلعون إلى أهدافه وغاياته.
فهل تقف الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة الحزب "الحمار" متفرجةً على عودة ليبرمان "الدب" إلى وزارة الخارجية، وهل تسلم له بالأمر، وتقبل منه أن يقوض عملية السلام، ويهدد مسار التسوية، ويفسد ما قام به وزير خارجيتها كيري على مدى أكثر من عام، خلال جولاتٍ مكوكية ومضنية بين كل الأطراف.
أم أن الإدارة الأمريكية تؤمن بأفكار اليمين الإسرائيلي المتطرف، وتعمل على تنفيذها، وإن بدت أنها تعارض وترفض، وإلا كيف يفسر صمتها إزاء الخيارات الإسرائيلية، والتي تعني الموت المحتم لعملية السلام، وهي التي تملك أكبر النفوذ على الإسرائيليين، وتتحكم في الكثير من مفاصل القرار فيها، عبر سلسلة المساعدات التي تقدمها لها، أو من خلال تأييدها ومساندتها للسياسة الإسرائيلية العدوانية تجاه العرب والفلسطينيين.
إن عودة ليبرمان لوزارة الخارجية الإسرائيلية تكشف حقيقة النوايا الأمريكية تجاه الفلسطينيين، وتكشف زيف المفاوضات، وعقم نتائجها، وأنها ليست إلا مضيعة لوقت الفلسطينيين، وكسباً لمزيدٍ من الوقت للإسرائيليين، في محاولةٍ منهم لتحسين صورتهم، وترميم علاقاتهم، واستعادة نفوذهم، فهل ينتصر الحمار الديمقراطي الأمريكي الهادئ على الدب الإسرائيلي الهائج، أم يسلم له ويتفق معه.
[email protected] بيروت في 19/11/2013