في مقابلته مع قناة الميادين قال الدكتور صائب عريقات ( بأنّ الصهاينة يريدون سلطة بدون سلطة , واحتلال بدون كلفة ، ودولة ذات نظامين ) ، ما قاله عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح " وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ليس اكتشافاً جديداً ، وليست معلومة جديده ، وهذا كان واضحاً منذ وجود السلطة الفلسطينية والتلكؤ الصهيوني في تنفيذ التزاماته حسب اتفاق أوسلو ، وما قاله عريقات قيل من قبل كل الفلسطينيين ، ولكن عريقات لا يريد أن يسمع من أبناء شعبه عن حقيقة عدوه الصهيوني ، فاكتشف عريقات حقيقة عدوه متأخراً ومتأخراً جداً ، وكثيرا ما تحدث الرئيس الفلسطيني عن عدم وجود سلطة فلسطينية على الأرض وأنه يتعرض للتفتيش والـتأخير على الحواجز العسكرية الصهيونية ، ولكنّ الأهم الآن ماذا نحن فاعلون وكبير المفاوضين الفلسطينيين وصل إلى هذه القناعة ولو متأخراً .
ومنذ أسابيع وقع المفاوض الفلسطيني في مصيدة إبقاء المفاوضات في إطار سري لكي يتسنى للعدو الأمريكي الصهيوني أن يمارس لعبته الإعلامية القذرة ضد الفلسطينيين ، فالإفراج عن عشرات الأسرى لم يكن منحة مجانية من نتنياهو للرئيس الفلسطيني ، فالإفراج عن الأسرى كان مقابل الاستمرار في بناء الوحدات الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية ، وأن تم نفي هذا الخبر فلسطينياً إلا أن ما جرى على الأرض يوم الإفراج عن الدفعة الثانية من الأسرى أكد على هذه الحقيقة ، بل وازداد الاستيطان إيقاعاً بازدياد العطاءات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية وهي لعبة جديدة من ألاعيب نتنياهو الذي يعلن اليوم ومن خلال ابلاغ كيري للقيادة الفلسطينية بأنه سيوقف البناء في نحو 2500 وحدة استيطانية ، لعبة جديدة يبلعها المفاوض الفلسطيني مقابل الآلاف من الوحدات الاستيطانية التي يقوم الاحتلال ببنائها دون توقف .
ولأنّ المفاوض الفلسطيني ذهب إلى التفاوض رغم رفض الأغلبية الفلسطينية للذهاب للمفاوضات ، فقد ذهب عارياً من كل شيء ، حيث يفاوض الفلسطيني وظهره مكشوفه ، ويفاوض الفلسطيني وهو لا يحمل من أدوات التفاوض سوى أوراقه التي لا تغني ولا تسمن من شيء في التفاوض ، وما قضية استقالة عريقات من الوفد المفاوض إلا الدليل على أنّ المفاوض الفلسطيني لا يملك من أدوات الضغط على الجانب الصهيوني أية ورقة فعلية على الأرض ، وأنه لا يملك القدرة على فرض مطالبه على الجانب الصهيوني .
لقد نسي المفاوض الفلسطيني كما نسيت دائرة اتخاذ القرار الفلسطيني أنّ التفاوض يتم نيابة عن الشعب العربي الفلسطيني ، ومن حق هذا الشعب أن يكون له رأيه في نهج التفاوض وهدف التفاوض ، إلا أنه تم الاستخفاف برأي الشعب الفلسطيني وتمت إدارة الظهر له ، وهذا ناتج عن حالة التردي الفلسطيني السائدة على كل المساحة الفلسطينية أرضا وشعباً ، فهل يعقل أن الشعب الفلسطيني وهو المعني بنتائج المفاوضات أن يشطب دوره ورأيه في عملية التفاوض .
وهنا وأمام ما توصل إليه عريقات من نتائج نسأل ، أيستمر التفاوض ، أم يتوقف ، أم نغير نهج التفاوض ، وأسئلة كثيرة وكل الأسئلة بشأن التفاوض مشروعة ويجب أن تطرح على الجميع ،وخاصة إذا كان التفاوض بمثابة لعبة يمارسها الصهاينة في الملعب الفلسطيني مؤكدين في كل لحظة على حقيقة وجودهم المطلق على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، فعلى ماذا يتم التفاوض إذاً ؟
هل نتفاوض على القدس ؟ والعدو الصهيوني أصبح في مرحلته الأخيرة من تهويدها ، وهو يسعى اليوم إلى تقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين ، هذا يوم لنا وذاك يوم لكم .
هل نتفاوض على الحدود والعدو الصهيوني يؤكد وبصوت عال ٍ بأنّ جدار الفصل العنصري هو حدود الدولة الفلسطينية وأن المستوطنات الممتدة كالسرطان في جسد هذه الدولة هي تحت السيادة الصهيونية ، وبأنّه يجب أن يكون له تواجد عسكري مطلق الصلاحية والزمان في منطقة الأغوار والبحر الميت من أجل أمنه وسلامته .
هل نتفاوض على المياه والعدو الصهيوني يسرق المياه الفلسطينية من داخل الأراضي المحتلة عام 1967 .
هل نتفاوض على الأسرى وهو يضع الشروط والقيود على حركتهم بعد تحررهم من الأسر ، ويمارس الاعتقال اليومي لأهلنا بسبب وبدون سبب .
هل نتفاوض على حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948 بينما نتنياهو يدعو ليل نهار للاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة الاحتلال .
هل نتفاوض ونحن لا نملك السيادة على أرضنا الفلسطينية ، ولا نمارس صلاحيات السلطة على الأرض إلا بما يحقق للعدو الصهيوني مصالحه ، وخاصة في الإطار الأمني ، حيث لا تستطيع أجهزة الأمن الفلسطينية ممارسة دورها بحماية الوطن والمواطن .
هل نتفاوض مع العدو الصهيوني وهو يشعر بأنّ وجوده على أرض السلطة الفلسطينية مجرد نزهة يومية لجنوده ، وأنه لا يعاني من أية مقاومة حقيقية له ، وورقة المقاومة هي الورقة الأقوى التي يجب أن يتمسك بها المفاوض الفلسطيني ، المقاومة بكل أشكالها وخاصة المقاومة الشعبية التي تعني مقاومة الاحتلال بكل أشكاله العسكرية والاقتصادية والإعلامية ، فلماذا ندفع فاتورة الاحتلال عن الاحتلال نفسه .
وهل نتفاوض مع العدو الصهيوني ونحن منقسمين على أنفسنا أرضا وشعباً ، وهو يغذي هذا الانقسام بشكل يومي ويجعل وحدة الأرض والشعب ورقة خاسرة في يد المفاوض الفلسطيني بينما نحن نجري خلف المصالح الفصائلية التي أصبحت فوق مصلحة الوطن .
فلا ضير أمام العدو الصهيوني أن يبقى الحال كما هو ، بل أن يقوم العدو الصهيوني بحقن السلطة الفلسطينية ببعض المساعدات المالية من خلال الدول المانحة ، وكأنّ السلطة الفلسطينية أصبحت كالإنسان المدمن على المساعدات التي تستطيع الحياة بدونها .
سلطة بدون سلطة واحتلال غير مكلف ، فلماذا يتنازل العدو الصهيوني عما هو تحت سيطرته وهو يدرك ضعف المفاوض الفلسطيني ، ويدرك بأنّ الجانب الأمريكي ليس وسيطاً محايداً في المفاوضات بل هو طرفٌ شريكٌ له ، بينما الطرف الفلسطيني يراهن على وعود أمريكية كاذبة .
فهل تتوقف المفاوضات التي أعلن الرئيس الفلسطيني عن عدم توقفها مما جرى على الأرض ، والسبب وراء ذلك ليس خافياً على أحد ، لأنّ الطرف الفلسطيني أصبح أسير لعبة الإفراج عن الأسرى التي تم الاتفاق بتنفيذها خلال التسعة أشهر المحددة لانتهاء المفاوضات ، بينما يرى الجانب الصهيوني بأنّ لا مواعيد مقدسة لديه ، ومن هنا لا يمكن أن يخرج المفاوض الفلسطيني من دائرة المفاوضات دون أن يتم استكمال الإفراج عن باقي الأسرى المتفق عليهم لأنّ ذلك سيضع الرئيس الفلسطيني في دائرة عدم الإيفاء لأهالي الأسرى بوعده لهم للإفراج عن أبنائهم .
إذاً الدكتور صائب عريقات يكشف حقائق مكشوفة ومؤكداً على الاستمرار في لعبة المفاوضات التي لا غنى عنها لتحقيق شروط الإفراج عن بقية أسرى ما قبل أوسلو ، لعبة خاسرة فلسطينياً بطلها نتنياهو الذي يحقق الانجاز تلو الانجاز بخسائر لا تكاد تذكر أمام الخسائر الفلسطينية اليومية .
حمص في 20/11/2013 صلاح صبحية