لم يعد وهماً وفي أقل من عقدين رؤية هذا الانهيار للحلم الأمريكي بقرن من الهيمنة المطلقة على العالم بعد الإمساك بهذا الحلم وممارسته منذ مطلع تسعينات القرن الماضي ، ولم يعد من الأمنيات العودة لرؤية العالم بقوى متعددة الأقطاب تتيح مجالاً للدول الصغيرة أن تتصرّف ببعض الحرية في مصيرها وثرواتها !!!
لم يعد وهماً ، ولم تعد أمنيات فكلاهما أصبح واقعاً مـُعاشاً ونحن نرى بداية الاندحار للمطلق الأمريكي ( الأنجلوساكسوني ) ... وحتى يـُحفظ الفضـل لأهله فلا بـد أن يُعطى لنشامى العراق حقهم ، فكانوا من أوصلوا الأمريكان إلى عتبات هذا الاندحار وفرضوا عليهم وبعد أقل من ثلاث سنوات من الغزو لبلادهم من جهة ، إلى جانب الصعود الملحوظ لاقتصاد التنين الصيني مصحوباً باستعادة الدب الروسي بجلده الجديد للحيويه وبراعة المناورة من جهة أخرى بأن يقوموا بتغيير الاتجاه لسياستهم واستراتيجيتهم على مستوى العالم !!!
تغيير الاتجاه ... هذا هو الأساس والمـُفسـّر لكل ما نراه اليوم من مواقف سياسية على مستوى العالم ... وهو الأساس في استخلاصات المؤسسات الأمنية الأمريكية بضرورة اعتماد سياسة أمريكية في شرق أوسط بدون إسرائيل [ الدور و الوظيفة ] ... وهو الأساس في صرخة التحذير التي أطلقها هنري كيسنجر وقال فيها : أن إسرائيل لن تكون موجودة بعد العام 2022 ... وهو الأساس بافتعال هذا الحريق الهائل في بلادنا العربية الذي سمّوه زوراً بالربيع العربي ... لعل نتائجه تُبقي على الدور والوظيفة للكيان الصهيوني .
لم يكن السخاء الأمريكي والأوروبي في المنح المالية وصفقات التسليح للكيان الصهيوني في السنوات الخمس الأخيرة من فراغ ... ولم يكن تأسيس القاعدة الأمريكية المجهزة بأحدث تقنيات الاتصال والتحكم والسيطرة على منظومات المعلومات والأسلحة الغربية في النقب من فراغ أيضاً ... كانت المنح وصفقات التسليح رسالة تقول للمستوطنين الصهاينة ها نحن نعطيكم ما تحمون به أنفسكم بدوننا ، وكانت قاعدة النقب رسالة تقول بأنكم لن تستطيعوا إطلاق رصاصة واحدة بأبعد مما نريد نحن ... رسالة يفهمها اليوم قادة الكيان الصهيوني ... إلى شرق أوسط بدون إسرائيل !!!
استراتيجية أمريكا والناتو بتغيير الاتجاه إلى شرق أوسط بدون إسرائيل ، والتعثّر في خطوات وسياسات قادة وممولي الربيع العربي المزعوم في تونس وليبيا واليمن ، وبشائر انكسارهم النهائي في سوريا ... ثم هذا الفيضان العظيم لأبناء الكنانة على أرض الكنانة .,.. فيضان مهر بختمه الشهادة الرسمية لاندحار زمن ... وولادة زمن جديد !!!
أدرك نتنياهو وكل قيادة الكيان الصهيوني المعاني العميقة لهذه التحولات ... وأدركوا سبب الانقلاب المفاجيء لموقف أمريكا ودول الناتو من سوريا عندما قبلوا أن تستبدل سلاحها الكيماوي بمنظومة الدفاع الجوي الروسية اسكندر 300 فحيّدت السلاح الجوي لنتنياهو بعد تحييد سلاحه البحري منذ 2006 ... وأدركوا هذا التحوّل لموقف أمريكا ودول الناتو تجاه إيران والكذبة الكبرى للسلاح النووي الذي كان وكانت معه أمريكا يتمنون أن يتورط الإيرانييون بإنتاجه لابتزاز دولنا العربية كما تبتز أمريكا اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان بالسلاح النووي لكوريا الشمالية والذي أستدرجوها لإنتاجه ... وأدركوا أن السجون والمحاكم تستضيف الآن ، وستستضيف في قادم الأيام المزيد ممن تحالفوا معهم لصناعة هذا الحريق في بلادنا العربية من عـُشاق الوصول للحكم على خيول دين اخترعوه لتقديم حرية القتل والتخريب على سماحة الشريعة ... وأدركوا أنهم قادمون إلى زمن لن يختلف دورهم ووظيفتهم عن الدور والوظيفة لأي من الدول الوظيفية في منطقتنا ، يزيد أو يقل حسب طبيعة المصلحة !!!
هذا الرعب الهستيري لنتنياهو وقادة الكيان الصهيوني من ومعانيها في تحولات تغيير الاتجاه هي التي تدفعه اليوم للذهاب إلى بيت الدب الروسي وتحت غطاء النووي الإيراني ليعرض وللإيجار الخدمات التي يستطيع كيانه تقديمها بضمانة المهاجرين من الأصول الروسية ، وسيذهب بعدها إلى بيت التنين الصيني ... وسيذهب إلى ... وإلى ... ولن نستغرب لو رأينا في قادم الأيام أن بعض دولنا تستأجر هذا الكيان لمهمة ما ضد دولة منا تختلف معها ... لن تستغرب لأن هذا الكيان وفي هذا الزمن الجديد لم يعـد إلا دولة تعلن أنها للإيجار !!!
ومع ذلك ... تبقى الحقيقة الناصعة في وجه أي مستأجر جديد لهذا الكيان ... الحقيقة الفلسطينية وامتدادها العربي في التاريخ والجعرافيا ... هذه الحقيقة التي جعلت الأنجلوساكسون ينشؤون هذا الكيان ويحموه على مدى السنين السابقة لإطالة زمن امبراطورياتهم وتسلطهم ... وهي ذات الحقيقة التي بصمودها وضعتهم وستضع كل من يسلك سلوكهم على عتبات الاندحار ... ولن يجرؤ أي مستأجر أن يتخطاها ... وسيعرف نتنياهو ... وسيرى أن زمن اندحاره أسرع مما يتوقع ... وسيعيش ... وسنعيش نحن لنرى على فلسطين دولة البيـان الأول لثورة اليوم الأول من 1965 وسيرى ويعرف ما نعرفه نحن تماماً وتعاهد شعبنا عليه منذ ذلك اليوم بأنها:
ثورة حتى النصر