أستئنفت امس مباحثات جنيف بين الدول الخمس الكبرى والمانيا مع ايران حول الملف النووي الإيراني في مسعى لابرام اتفاق تأجل توقيعه الاسبوع الماضي بسبب خلافات طرأت في اللحظة الاخيرة،خلافات ناجمة عن التشدد الفرنسي في هذا الملف،وضغوط مارستها السعودية واسرائيل،استخدمت فيها الأموال السعودية وقوة اللوبي والضغط الإعلامي والسياسي الإسرائيلي على دوائر صنع القرار الأمريكي من اجل منع توقيعه.
واسرائيل قادت عملية سياسية نشطة وجرت تحركات دبلوماسية عالمية غير مسبوقة،حيث قام الرئيس الفرنسي هولاند بزيارة الى اسرائيل،واعلن وقوفه الى جانب اسرائيل،في فرض شروط مشددة على ايران،من اجل شل قدراتها على تطوير برنامجها النووي،من خلال وقف تخصيب اليورانيوم على درجة 20 % واغلاق محطة "أراك" للماء الثقيل،ولم تكتفي اسرائيل بهذا التحرك،بل سعت الى محاولة جذب روسيا للإصطفاف معها في هذا الموقف،حيث طار نتنياهو الى موسكو لعقد لقاءات مع القيادة الروسية بهذا الخصوص،على الرغم من ان موقع جريدة معاريف الإلكتروني ،أشار الى ان الزيارة فاشلة قبل ان تبدأ، فالقيادة الروسية لا ترى بان فرض المزيد من العقوبات على ايران،من شانه ان يساعد في حل قضية الملف النووي الإيراني،بل سيصعب من الحل.
والشيء اللافت هنا إلى تلاقي واتفاق الموقف الإسرائيلي مع موقف مشيخات النفط والكاز الخليجية وبالتحديد السعودية،والتي تعارض بشدة توقيع مثل هذا الإتفاق،والذي ترى بانه سيكون بمثابة الكارثة على المنطقة،ويشكل تهديداً مباشراً لها وخطوره على امنها واستقرارها الداخلي ودورها العربي والإقليمي والدولي،واسرائيل والسعودية تتطابق وجهة نظرهما في ان الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة اوباما غير موثوقة،ولا يمكن الإعتماد عليها،وكلاهما تخططان للبحث عن حلفاء جدد،وهذا ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الإسرائيلي "ليبرمان"فاسرائيل والسعودية اللتان التقت وتطابقت مصالحهما في هذا الملف،حسب مقال نشرته مؤخراً صحيفة الجروسلم بوست الأمريكية تخططان الى تدمير المنشآت النووية الإيرانية – اذا لزم الأمر – إذا ما وصلت الدول الكبرى الخمسة والمانيا الى اتفاق مع ايران في هذه الجولة من المباحثات،وبالتالي بعد التوقيع على الإتفاق سيصبح الخيار العسكري مطروحاً،حيث ستتعاون السعودية واسرائيل في مسألة تدمير المنشآت النووية الإيرانية،ونحن في هذا الإطار سمعنا عن التهديدات الإسرائيلية المتلاحقة لإيران،بان اسرائيل ستقوم بعمل عسكري لوحدها ضد المنشآت النووية الإيرانية،من اجل حماية والدفاع عن امنها، وخصوصاً أن الاتفاق المقترح بجنيف ينص على تجميد أنشطة إيران لتخصيب اليورانيوم وتقليل العقوبات الدولية على إيران، لكن ليس به أي شئ عن الحد من قدرة إيران النووية وهذا يعتمد على نية ووعد إيران، وهو ما يخيف إسرائيل والسعودية. ونتنياهو يردد القول بانه يفضل حلاً دبلوماسياً للملف النووي الإيراني،وأن اسرائيل هي التي على الجبهة،ولكنه يعتقد بان هذا الإتفاق سيء جداً،ولا يمنع ايران من تطوير برنامجها النووي،ناهيك عن ان شكوك كبيرة تساور السعودية واسرائيل حيال امريكا، بسبب تاريخها في التعامل مع صفقات مماثلة، فهي تقول إنها ستتعامل بصرامة لكنها لا تفعل فكل ما تفعله أمريكا هو “الكلام”،وهذا ما كان واضحاً في الملف الكيماوي السوري،حيث تراجعت امريكا عن خيارها العسكري بضرب سوريا وهي الان تتراجع في قضية الملف النووي الإيراني.
وتحليلنا المتواضع يقول بان الإتفاق الأمريكي- الإيراني سيبصر النور ولن تنجح محاولات عرقلته او إفشاله،لا من قبل اسرائيل التي تهدد بعمل عسكري آحادي الجانب ضد هذا الإتفاق،فهي تريد فقط من خلال تهديداتها ان ترفع سقف الثمن الذي ستحصل عليه(المفاوضات تحت النار)،من خلال الضغط لفرض شروط قاسية على ايران في هذا الإتفاق،وهي من بعد هزيمتها امام حزب الله في حربها العدوانية التي شنتها عليه في تموز/2006،وعدم تحقيقها لإنتصار على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أواخر عام 2008،تدرك بأن أي حرب قد تشنها سيكون الرد عليها قاسياً، وكذلك فإصطفافها الى جانب فرنسا والسعودية ومشيخات النفط في هذا الجانب،لن يكون مؤثراً في منع توقيع هذا الإتفاق،فامريكا تدرك جيداً بان مصالحها في توقيع هذا الإتفاق وخصوصاً ان ازمتها الآقتصادية الداخلية تتعمق،وسياستها الخارجية أصيبت بفشل ذريع في اكثر من منطقة افغانستان والعراق وسوريا ومصر،ومشروعها للمنطقة هزم،ولم تعد امريكا شرطي هذا العالم وقدره والمتحكم في مصيره،بل أصبحت قوة عظمى في عالم متعدد الأقطاب،تدريجياً تصبح روسيا مصدر قراره،في حين فإن حرد السعودية عن إلقاء كلمتها في الجمعية العامة وشغل مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن،وما تقوم به من دعم لجبهة النصرة والقاعدة في سوريا والجماعات التكفيرية والإرهابية هناك،وكذلك محاولات تفجير الساحتين اللبنانية والعراقية،لن يساعدها في الضغط على امريكا لرفض التوقيع على هذا الإتفاق،بل ستصبح خسارتها مضاعفة،حيث ان هذا سيعجل بقرب تصفية النظامين السوري والإيراني،لحلفائها في الساحتين السورية واللبنانية،وكذلك دفع العراق الى الإصطفاف الى جانب المحور الإيراني- السوري.
وفي الختام نقول بأن اي فرض لعقوبات جديدة من الكونغرس الأمريكي على ايران،او فرض شروط تعجيزية عليها في المباحثات الجارية،لن يجعل ايران تستجيب الى تلك الشروط والضغوط،فإيران ترى في إمتلاكها للتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية،ليس مسألة اقتصادية فقط،بل مسألة لها علاقة في الكرامة الوطنية،واحقية ايران في التقرير فيما تريد وما تختار لمصلحة شعبها.
أنا على قناعة تامة بأن التطورات المتلاحقة والعودة الى المباحثات مع ايران،والإتصال الذي اجراه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون مع روحاني لإستنكار التفجير الإرهابي أمام السفارة الإيرانية في بيروت والذي خلف عشرات الشهداء والجرحى،يحمل دلالات سياسية وليس انسانية فقط تستوعبها اسرائيل والسعودية جيداً،وظني بأن السعودية واسرائيل باتتا تدركان جيداً بأنهما لم تعودان بوابة العالم إلى امريكا،وأي تهور لهما وبالتالي الذهاب الى الخيار العسكري ومواصلة التفجيرات والإغتيالات في اكثر من ساحة عربية، من شانه دفع المنطقة الى حرب شاملة،لا تستطيع امريكا ودول العالم تحمل كلفتها.
الإتفاق مع ايران انجز،وعلى السعودية واسرائيل النظر والتصرف على أساس ما بعد الإتفاق،وايران ستدخل النادي النووي ويعترف بها كقوة إقليمية،لها نفوذها ومصالحها إقليمياً وعربياً.
القدس المحتلة – فلسطين
21/11/213
0524533879
[email protected]